ذاكـرة تـَحـت الـطـَـلـَب/ الدكتور عـبـد القـادر حسين ياسين

في الأول من تشرين الثاني 2005 ، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ،
قراراً يقضي باعتبار اليوم السابع والعشرين من كانون الثاني من كل عـام،
يوماً عالميـا “لإحياء ذكرى ضحايا المحرقة اليهودية” في ظل الحكم النازي.

غـني عن البيان أن هـذا القرار لم يأت بلا مقدمات.
فـقـد عـقـدت الجمعية العـامـة للأمم المتحدة جلسة خاصة،
لإحياء ذكرى ضحايا المِحرقة في 24 كانون الثاني 2005،
بناءً على طلب من الحكومـة الاسرائيلية .

ان الحلقة المركزية في هذا القرار ليس لها علاقة،
لا بالمجازر الجماعية ولا بالمعاناة الإنسانية من أي نوع،ولا باليهودية ولا غيرها،
بل بتصعيد النفوذ العالمي للحركة الصهيونية و”اللوبي” اليهودي،
وإضفاء الشرعـية على هذا النفوذ رسمياً بختم “الشرعـية الدولية”.

وعلى الرغم من مرور 74عـامـاً على نهاية الحرب العالمية الثانية ،
فان مجرد الحديث عـن “أفران الغاز” يفـترض ،
أن اليهود فـقـط قـضوا نحبهم فيها،
(دون الإشارة ، على سبيل المثال لا الحصر ، ولو من قـبيل رفـع العـتب ،
إلى سبعـين ألف من أقـلية الروما  أو من يطلق عـليهم “الغجر” ،
اللذين قضوا نحبهم في معسكرات السخرة الالمانية ،
أو إلى عشرات الآلاف من المناضلين المناهـضين للفاشية الألمانية،
ويجعـل اسم المِحرقة “حدثاً استثنائياً في التاريخ البشري بأسره” …
إذ لا يجرؤ أحـد على الحديث عن المـذابح التي تعـرض لها الأرمن ،
على أيـدي الأتراك العـثمانيين في عـام 1915 ،
والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليون أرمني ،
أو المذابح التي ارتكبها “رُسُــل الحـضـارة الأوروبيـة” ،
ضـد السكان الأصليين في أمريكا وأوستراليا ،
والتي ذهب ضحيتهـا عـشرات الملايين.
وهنا يكمن بيت القـصيد، وليس بعـدد الذين قضوا في المحرقة،
وما إذا كانوا ستة ملايين أو أقـل.

إن القرار الذي تبنته الجمعية العامة مـُوجـَّه ضد من يطلق عليـهـم،
” المؤرخين المراجعـين” Revisionist Historians ،
الذين قاموا بدراسات حول  ضحايا “المحرقة اليهودية”.

في الخامس عشر من تشرين الثني 2005 ،
بدأت محاكمة الكاتب المراجع ارنست ذوندِل في ألمانيا ،
بتهمة “التشكـيك” بالمحرقة في كتاباته.
وكان ذوندِل البالغ من العمر 66 عاماً قد اعتقـل في ولاية تنسي الأمـريكية،
في شهر شباط 2003 بتهمة مخالفة قوانين الهجرة الأميركية،
والتغـيـب عن جلسة المحكمة التي تصر زوجته ومحاميه أنه لم يُدعَ أبداً إليها.
وعلى االرغم من ذلك بقي رهـن الاعتقال في الولايات المتـحـدة الأمريكييـة،
ثم تم ترحيله إلى كندا التي يحمل جنسيتها حيث بقي مسجوناً حتى شهر آذار 2005 ،
عندما تم ترحيله إلى ألمانيا ليواجه تهمة التشكيك بالمحرقة.

ومن المفارقـات المضحكة والمبكيـة في آن  أن ذوندِل ،
الألماني الأصل كندي الجنسية منذ عـقود،
ولكنه ترك كـندا بسبب التضييق الذي عانى منه،
دون أن يـُتهم في كـندا بأية مخالفة قانونية .

وفي عـام 1995 تـم ترحيل عالم الكيمياء الألماني المراجع غيرمار رودولف،
من الولايات المـتحـدة إلى ألمانيا ليواجه حكماً بالسجن لمدة 14 شهراً ،
بسبب دراسـة علمية كـتـبها في أواسط التسعينيات ،
أثبت فيها أن بقايا الغازZyklon-B ،
الذي يفترض أنه استخدم في معسكر “أوشفيتز”Auschwitz  غير موجودة أبداً.
ولذلك حوكم وحكم بالسجن بجريرة بحثه العلمي  ،
عندما كان لا يزال في الحادية والثلاثين من العمر،
فـفـرَّ خارج ألمانيا، حتى استقـر في أمـريكا منذ سنوات وتزوج من أمريكية .

وفي 19 تشرين الأول ذهب غيرمـار رودلف الى” مكتب الهجرة ” ،
ليقدم طلباً للحصول على بطاقـة الاقـامـة الـدائمـة ،
أو مـا يعرف بـ “البطاقـة الخضراء” Green Card،
وتم اعتقاله على الفـور، وترحيـلـه إلى ألمانيا.

ومن أبرز المؤرخين المراجعين المؤرخ البريطاني الدكتور ديفـيد إيرفينغ،
الذي اعــتـقـل في النمسا بسبب تشكيكه برواية المحرقة ،
في محاضرة كان قد ألقاها في فيينا، وأخرى في لوبن جنوب النمسا في  العام 1989 .

وكـان إيرفينغ قد دعي لإلقاء محاضرة في إحدى الجامعات النمساوية،
ثم  ألقي القبض عليه وهو في طريقه إلى مكان اللقاء.
وكانت الجماعات اليهـودية قـد  شنـَّت حرباً قـضائية على إيرفينغ،
خلال السنوات الماضية أدت لإفـلاسه تماماً ، ومصادرة أملاكه في بريطانيا.

ولا يتسـع المجال في هـذه العـجـالـة الى ذكر المزيـد من الأمثلـة،
ولـهـذا أكتفي بالإشارة إلى رموز المراجعة التاريخية المعروفين جيداً،
مثل الكاتب السويسري رينيه لويس بيركلاز البالغ من العمر 64 عاماً،
والذي يقضي منذ أعـوام  حكماً بالسجن بتهمة التشكيك بالمحرقة،
والكاتب البلجيكي سيغـفريد فـيربيكيه البالغ من العمر 63 عاماً،
الذي اعتقل في مطـار أمستردام في 3 آب 2005  ،
بسبب تشكيكه بمذكرات آني فـرانك المـُلـفـَّـقـة،
وآني فرانك ضحية مزعومة للمحرقة ،
يدرس الطلاب “مذكراتها” في العـديد من الدول الأوروبية.

ومن الجدير بالـذكر أن المؤرخين المراجعين ،
لم ينفـوا قـتـل اليهود في الحرب العالمية الثانية أو في معـسكرات الاعـتـقـال،
ولكنهم قالوا أنهم ماتوا “كعـشرات الملايين غيرهم ،
من الجوع والمرض والتـعـذيب والقصف” ،
وأكدوا على إن ألمانيا النـازيـة “استخدمت المحارق ،
“للتخلص من جثث الموتى” من جنسيات مختلفة
[ وليست ضد اليهود فقط]  بعـد موتهم، وذلك لتجنب الأوبئة”.
كـمـا أكدوا على ان هـذه المحارق تختلف تماما عن غـرف الغاز المزعـومة.

وتكمن أهميـة أسطورة المحرقـة بالنسبة للحركة الصهيونية،
في ترسيخ الفكرة القـائلـة بأن اليهود ، واليهود فقـط ،
” أبيدوا بشكل مـنهجي” من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية ،
والتي أصبحت حجة لا تناقـش حول ضرورة،
إيجاد “ملجأ آمن لليهود” في “دولة خاصة بهم” ،
وان اليهود تمت إبادتهم  “بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري برمته”…
وأن على الـدول الأوروبيـة ان تتحمل مجتمعة ،
هذا “الذنب الجماعي التاريخي” على جريمة المحرقة ،
وترسيخ عـقـدة الشـعـور بالذنب في أذهان الغربيين،
من خلال وسائل الإعلام والترفـيه والمناهـج المدرسية.

وبـعــد ؛

إن الخطر الـذي يشـكلـه المورخون المراجعون على الحركـة الصهيونية،
وأبواقـهـا الـدعـائيـة في الغـرب، يكمن في أن هولاء المؤرخين المراجعين ،
على اختلاف انتمـاءاتهم وخلفـياتهم الإيديولوجية المتنوعة ،
يستخدمون أدوات البحث العـلمي الرصين والاحتـكـام الى العـقـل،
في التشكيك بكل جانب من جوانب “المحرقة” ،
فـيُـحـرفـونها ببرد المنطق وماء الأقلام،
ثم يبددونها ،بعـد كشف هياكلها السياسية الصهيونية، كالرماد الـمـنـثـور.

<ahy15may1948@gmail.com>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com