فلسطين…التسمية والهوية/مهند إبراهيم أبو لطيفية

في زمن التراجع الحضاري، تبدأ الذاكرة الجمعية للشعوب بالتفكك، وتترسخ النزعات الأقليمية، العنصرية، الطائفية، المناطقية، والفئوية، على حساب الهوية الثقافية الأكبر والجامعة.

وبفعل الهيمنة والإستعمار، تسود السياسة والأيدولوجية والرؤية العنصرية للمُنتصر، وتبدأ عملية طمس وتشويه، أو تزوير التراث الحضاري والثقافي للشعوب، بهدف التقسيم والتجزئة والتقزيم، أو التبرير الأخلاقي لإحتلال لا أخلاقي.

ليست سياسات ترسيم الحدود، والتلاعب بالجغرافيا، هي وحدها الأدوات الإستعمارية التي تُستخدم لتحقيق هذا الغرض، بل أيضا التاريخ، اللغة، الجذور الثقافية، والتراث . وبلا شك كان لمنطقتنا العربية تجربتها المريرة مع كل هذه الأدوات، وفي مقدمتها تجربتها مع الإستشراق وعلم الآثار.

مثل شقيقاتها (اليتامى)، نالت فلسطين، ولاعتبارات سياسية، اقتصادية، دينية وأيدولوجية، نصيبها من هذه السياسات ولا تزال.

لا يقل الوعي بالتاريخ أهمية عن التحديث والتطوير والعصرنة الدائمة، بل هو من أسس النهضة الحديثة مثله مثل الفلسفة وباقي العلوم الإنسانية، ومن روافعها.

 ومع أن العرب – بشكل عام- يُعتبرون من الشعوب التي تربطها بتاريخها علاقة خاصة، إلأ أن التاريخ العربي الحقيقي، ما زال لم يُكتب بعد، بشكل موضوعي وواضح، يليق بأمة بمثل هذه العراقة ، والعُمق الحضاري الإنساني.

إسم فلسطين:

السائد فيما نعرفه، أن العرب  عرفوا إسم “بالستين”- الأسم الذي أطلقه عليها اليونان ثم الرومان- ونطقوه “فلسطين” نسبة للشعب الذي سكن السهول والسواحل الجنوبية من فلسطين – السورية ، ويُسمى ” الفلسطينيون”. وأنهم من شعوب البحر التي غزت الساحل الفلسطيني حوالي 1200ق.م ، وقدمت من جزيرة كريت وبحر إيجه ، أقاموا عددا من المدن، واندمجوا مع الكنعانيين. ويتم تصويرهم على أنهم قبائل  غريبة مجهولة، ظهرت هكذا فجأة، وأحيانا تتحدث بعض المراجع على أن الفرعون رعمسيس الثالث تصدى لهم وردهم عن مصر، ثم سمح لهم بالسكن على الساحل.

ماذا يقول التاريخ عن فلسطين والفلسطينيين؟

أولا: التسمية واللغة

– أقدم إسم لفلسطين هو ” أرض كنعان”، نسبة لأول شعب عربي سكن  واستقر  في فلسطين، وأقاموا  فيها فرابة 200 مدينة. ولا يعرف التاريخ شعبا آخر أقام في فلسطين قبلهم. وظلت فلسطين، تسمى ” أرض كنعان” حتى عام  1200 ق.م.

ولم تكن القبائل الكنعانية، الأمورية في فلسطين وحدها، بل إنتشرت في كل بلاد الشام، ووصلت لحدود الأناضول، وكانت مناطقهم تمثل وحدة حضارية، لغوية، ثقافية واحدة. وكل الأسماء التي نقرأ عنها في التوراة، أو ” الكتاب المقدس” (الحثيون، الحويين،الفرزيين، الجرجاشيين،الأموريين، اليبوسيين)، ما هي إلى تسميات لقبائل وفروع، لشعب عربي واحد:  الكنعانيون.

 مع أن الإنسان العاقل، سكن فلسطين في فترات  طوبلة سابقة قبل مجيء الكنعانيين ( أريحا ، العبيدية قرب بحيرة طبريا، أبو سالم  مثلا). كما تؤكده الإكتشافات الأثرية الحديثة في أريحا ، وفي وادي الفلاح قرب حيفا.

– كذلك بالنسبة للفينيقيين ، الذين سكنوا صور (اللبنانية) جبيل، ارواد، قرطاج في ليبيا. هم عرب أقحاح، وأصلهم من مدينة “صور” في  سلطنة عُمان، وتسمى حاليا بولاية صور ، ولها تاريخ طويل في صناعة السفن وعبور البحار. وهناك أدلة تاريخية كثيرة، على أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم من الكنعانيين، أو فرع من الكنعانيين.

– والسائد  أيضا أن اسم “فلسطين” مشتق ” فلس طين” من معنى احتراف الزراعة، أو نسبة  لشعب ” بلست”.

– وهناك رأي للدكتور شائم الهمزاني، الباحث في علم الاجتماع التاريخي، ان التسمية أصلها ثمودي، وتعني اصطلاح مركب من ثلاثة ألفاظ هي:

1-    فَلْس : ومعناها : متقاطع ـ مصلب ـ معابر

2-   طي : ومعناها : الترحال ـ القوافل ـ المهاجر

3-    إيه أو إيل : ومعناها : إله ـ حاكم ـ قاهر

 لتكون هكذا : فلس طي إيه ، أي (إله متقاطع الترحال)، أو نسبة لإله قبيلة طيء العربية القحطانية النجدية ” الفلس” ، وله علاقة بمكان أو مركز اسمه فَلْس ، وبأن ” فلسطيئيا ” هو اسم اطلق على أهل هذا المكان من القبائل الأخرى، وان  ” الفلس ” ،وهو  على شكل رجل عملاق، كان مكانة في منطقة تقاطع خطوط التجارة قديما. وهو يمثل مرحلة وحدة الآلهة الوثنية أو عقيدة التوحيد الوثني . وانه انتقل مع انتقال الثموديين إلى فلسطين.

 لكن ما نعلمه أن قوم ثمود من العرب البائدة، وقد هلكوا بالصيحة ولم يعد لهم وجود، ومتى جاؤا إلى فلسطين؟

 (وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) هود:67.

– كانت جزيرة العرب تمتد من اليمن جنوبا ، وصولا إلى البحر الأسود. منطقة واحدة في أصولها اللغوية، الأساطير والمعتقدات، الآثار. ورغم التعدديبة الثقافية، إلا أن هناك أدلة كثيرة جدا على وحدتها الحضارية. تراجعت هذه الوحدة مع مرور الزمن، وبدأ مصطلح ” شبه الجزيرة العربية” ولقب ” عرب” يُطلق على ما يُعرف بالخليج ، أو البدو الرُحل.

– في العصور القديمة، كانت الجزيرة العربية، بما فيها الخليج العربي، من أكثر المناطق  الخصبة والصالحة للزراعة، وتتوفر فيها المياه بكثرة، ومناخها مختلف تماما. بينما كانت الثلوج تغطي نصف فرنسا، قبل التغيرات المناخية، وبدء التصحر.

– الكنعانيون، الآراميون، البابليون، الأكاديون، الأشوريون، الهكسوس(كنعانيون وفينيقيون).،هم جميعهم : عرب في الأصل والأساس، وكانت لغتهم الأم ، اللغة العربية (السريانية) القديمة، مع إختلاف لهجاتهم أو شكل كتابتهم ، وتطورت من  التصويرية إلى المسمارية المقطعية، فالمسمارية الأبجدية، ثم إلى الأبجدية الحرفية.

وتؤكد هذه الروابط، نصوص المكتبة الملكية التي اكتشفت في ” ايبلا ” في شمال سوريا، والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتحتوي على أكثر من 15 ألف لوح طيني مكتوب. كذلك مكتشفات ” راس شمرا ” شمال اللاذقية عام 1928م (مدينة اوغاريت).

 ولو رجعنا للكتاب المقدس، سنجد أبناء نوح (سام،حام، يافث)،ولا يُعقل أن أولاد نوح كل واحد منهم تكلم لغته الخاصة هكذا، وهو ما يتعارض مع علم تطور اللغات، ومن يراجع كتابات المؤرخين العرب والمسلمين القدماء مثل: الطبري،  ابن الأثير،ابن خلدون وغيرهم، وتفاسير القران الكريم، وكتابات الجغرافيين والإخباريين العرب، مثل:

ياقوت الحموي، البلاذري، المقدسي، ابن حوقل، الإصطخري ، وكتابات اللاهوتيين الكبار من المسيحيين الشرقيين (خصوصا السريان منهم ) ، وكتابات اسقف قيسارية الفلسطينية ” يوسيفوس “، سيكتشف كنزا من المعلومات حول صلة القرابة الواحدة بينهم واصولهم المشتركة.

– ما يُسمى باللغات ” السامية ” هي تزوير مفضوح للتاريخ، وهي مجرد إفتراض لا أساس له في الواقع، ولد هذا التقسيم في الأصل على يد اللاهوتي اليهودي النمساوي ” شلوتز”، ثم تبعه عدد من المستشرقين، بينما كان غيره من المستشرقين اليهود أكثر إنصافا ومنهم :

 المستشرق اليهودي الألماني” ابراهام جيجر”، والمستشرق اليهودي الألماني “ديرنبورغ”، إضافة إلى المستشرقين الروسي “دانيال شولتسون”، والسويسري “سبنجر”.

– الكنعانية القديمة، هي اللغة العربية (الأرامية ، لغة السيد المسيح) القديمة، لغة التجارة العالمية القديمة، ونجدها بنسبة 97% في لسان العرب. أما اللغة العبرية، فهي لغة مقتطعة من الأرامية، وحتى عام 259 ق.م، لم توجد كتابة بالعبرية.

وفي القرن الثالث الميلادي تم تطويرها، وكذلك في القرن التاسع الميلادي حدث تطوير ثاني. وفي عام 1922م، تم صناعة لغة عبرية جديدة (ضمن مشروع التحول إلى قومية)، وهي خليط من العبرية والإيدش(التي هي بدورها خليط من الألمانية والروسية والبولندية).

ولاحقا ولأسباب سياسية وعنصرية، وبعد الحرب العالمية الأولى ، نشأت المؤسسات الإستشراقية الإستعمارية، وعملت على تشويه التاريخ العربي.

– إنتشر الكنعانيون وابناء عمومتهم الفينيقيون، في اليونان، قبرص، كريت، سردينا، صقلية،كابري، قادس الإسبانية، شمال إفريقيا، ووصلوا إلى أمريكا، وبريطانيا. وأقاموا المدن والمستوطنات، والمراكز التجارية، أو قاموا برحلات استكشافية  وتجارية بحرية.

ومنهم من حكم روما نفسها كامبراطور أو إمبراطورة ، منهم: الإمبراطور السوري ” فيليب العربي” ،الإمبراطورة السورية ” جوليا سوميا ” ، الامبراطور “جيتا ” ، ألامبراطورة ” جوليا ميزا “، الإمبراطور ” سمبتيمو سفيرو”، الإمبراطور ” هيليو جبال”، الإمبراطور ” كاراكالا ” وغيرهم.

–  ويوجد كم هائل من الآثار التي تدعم هذه الحقيقة، وأغلبها تم إخفاؤه ( تضليلا، وتزويرا وتقزيما للعرب والسوريين).

– أسس الفينيقيون في الجزائر أيضا عددا من المدن: روسكاد،روس، كولو، كرطناي،قيرطا،إيول،جيجل.

– أول إشارة إلى هذا الإسم “بلاستو” أطلقه الملك الآشوري “أدنيراري الرابع”(Addnirari  IV)، حين أشار بذلك الأسم إلى ساحل فلستيا(Philistia )   .أي ساحل بلاد الشام الجنوبي الذي كان يسكنه الفلسطينيون.

– أول مره أُطلق إسم “بالستين” على البلاد، حين صك الإمبراطور فيبنسيان (Vepinsia ) هذا الأسم على نقوده، التي أصدرها إثر إنهاء الثورة اليهودية سنة 70م. لتتسع التسمية وتشمل الساحل الفلسطيني جنوب فينيقيا(سوريا).

 وفد قسم الرومان، فلسطين تقسيما إداريا :

1- بالستين الأولى (Palestina  Prima)

 تشمل نابسل،القدس،الخليل، السهل الساحلي حتى رفح. وعاصمتها قيسارية.

2- بالستين الثانية (Palestina  Secnnda )

تشمل الجليل، أم قيس، قلعة الحصن، وعاصمتها بيسان.

3- بالستين الثالثة (Palestina  Tertia)

تشمل بلاد الأنباط، منطقة بئر السبع، وعاصمتها البتراء.

4- مقاطعة فينيقيا الأولى : وتشمل حيفا، عكا، صيدا، صور، بيروت، طرابلس، وعاصمتها صور.

ولكن الإسم العام لفلسطين كان : مقاطعة فلسطين السورية (Provincia  Syrio  Palestina ).

– بدأ الإغريق في إطلاق إسم فلسطين، على كل فلسطين التاريخية، ليشمل المناطق الداخلية أيضا. ومنهم أخذ اليونان  والبيزنطيون هذه التسمية.

في عهد المؤرخ “هيرودتس” الملقب بأبي التاريخ (425م-484م)، كانت كلمة ” بالستين” تطلق على كل فلسطين التاريخية. واستخدمها الكاتب “بطليموس وبليني” (23م-79م) ايضا بنفس المعنى. كتب هيرودتس : ” يُعرف هذا الجزء من سورية بفلسطين”(Παλαιστινη  پَلَيْسْتِينِيه) .

– إستخدم المؤرخ اليهودي يوسيفوس، والفيلسوف اليهودي فيلو (30 ق.م-40م) إسم “بالستين”، ليدل على كل فلسطين. واستخدم المؤرخ جيروم نفس الإسم في كتاباته، وتبعه عدد من الكتاب اليهود، لكنهم اضافوا عبارة ” إريتز إسرائيل”. (بالعبرية: פלשתינה أو פלסטין .

– ذُكر إسم  فلسطين ” ب.ل.س.ت” في وثيقة مصرية رسمية، يعود تاريخها، إلى حوالي 750 ق.م. وورد في النقوش التي دون فيها رعمسيس الثالث، فرعون مصر (حكم1167ق.م-1198م) بطولاته وانتصاراته، إسم فلست ” ب.ل.س.ت “. وتعتبر رسائل ” تل العمارنة ”  في مصر والمكتشفة عام 1887م، و” نصوص اللعنة ” التي عثر عليها سنة 1925م ،  من المصادر الهامة حول تاريخ فلسطين القديم.

– من “بالستين” إنبثقت كلمة” فلسطين” العربية، وقد أطلق العرب هذا الإسم على الولاية الرومانية المسماة ” بالستين الأولى” التي كانت تضم (يهودا، السامرة، وقيسارية). ومنذ وقت العهدة العمرية، والعرب يعتبرون فلسطين، جزءا من سوريا، أو بلاد الشام، لذلك أطلقوا عليها إسم “سوريا الجنوبية”. وهو الإسم الذي ظل موجودا حتى الإحتلال الفرنسي لسوريا سنة 1920.  ومن ثم أخذ الإسم بالإختفاء تدريجيا بفعل إتفاقية “سايكس- بيكو”.

– في بداية عهد الخلافة الإسلامية، وبعد أن فتُحت الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، أصبحت فلسطين تسمى: ” جند فلسطين”. وجند تعني معسكر أو محافظة عسكرية، وهي تقسيمات إدارية أيضا لبلاد الشام، مثل ” جند الأردن” ،” جند قنسرين”، “جند دمشق”،” جند حمص”.

– كان للأتراك تقسيماتهم الإدارية أيضا لبلاد الشام، ومنها فلسطين. وكانت فلسطين عبارة عن وحدتين إداريتين: بيروت والقدس، وكانت هذه التقسيمات تتغير أحيانا.

– إسم ” بالستين” هو الأسم المُعترف به في الأدب المسيحي بشكل عام، خصوصا أدب الرحلات، والدراسات اللاهوتية، والتراث المسيحي، وكان دائما يشير إلى فلسطين التاريخية. وأصبح جزءا من الإتفاقيات والمعاهدات والوثائق العسكرية، قبل وبعد الإحتلال الإنجليزي. وفي إتفاقية السلام مع تركيا، إتفاقية ” لوزان” في 24 يوليو 1913. واستخدم الإسم  “فلسطين” في صك الإنتداب في كل مواده ، مثلا:

 ” المادة الخامسة:  تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن ضمان عدم التنازل عن أي جزء من أراضي فلسطين إلى حكومة دولة أجنبية، وعدم تأجيره إلى تلك الحكومة أو وضعه تحت تصرفها بأي صورة أخرى.”

– مع مرور الوقت، حل إسم “بالستين ” محل الإسم الشامل ” فلسطين السورية”.

– أُطلق على فلسطين، أسماء أخرى مثل: البلاد المقدسة، أرض الموعد، بلاد الأجداد والآباء،  أرض الرباط، بيت المقدس، ولكنها أسماء  عاطفية وغير سياسية أو تاريخية.

ثانيا: من هم الفلسطينيون؟

كما تحول تاريخ شعوبنا، إلى تاريخ قبائل صحراوية دائمة الترحال، حولوا الشعب الفلسطيني القديم إلى غزاة وقراصنة يجوبون البحر. لكن ماذا يقول التاريخ:

– البعض يرى أنهم عشيرة ” فلستيم” العربية المجاورة لعشيرة “مصرايم” في منطقة غامد، وليسوا سكان جنوب سوريا، وهم عرب وليسوا من شعوب البحر. أي أنهم أبناء ” فلشتيم” الذين هم أبناء ” فتروسيم وكسلوحيم” أبناء مصرايم ابن نوح.

– يرى الدكتور زياد منى، أن مصطلح (شعوب البحر) فيه نعميم وتعسف، لأن النقوش المصرية المكتشفة، تقول بأن   الفلسطينيين ، قدموا من البر والبحر، وعُثر في مدينة (حابو) على تصاوير لقوم “فرست أو فلست” تُظهر نساءهم وأطفالهم ومتاعم الشخصي، محمولة على عربات تجرها الثيران، بما يعزز أنهم أتوا إلى دلتا مصر عن طريق البر. وهناك وجهة نظر تؤكد أنهم لم يأتوا من جزيرة كريت، بل من داخل الإقليم الذي كان يُسمى ” فرست أو فلست”. وأن تعبير ” شعوب البحر” يُستخدم عند المصريين ، للدلالة على أقوام من داخل الإقليم ، سكنت الساحل. وهو ما تؤكده الآثار اللغوية والدينية واللُقى الأثرية.

– ذُكروا في سفر التكوين (الكتاب المقدس) ، الاصحاح 14:10 في جدول أنساب مصرايم(مصرايم بن حام بن النبي نوح):

10: 13 و مصرايم ولد لوديم و عناميم و لهابيم و نفتوحيم “

 “10: 14 و فتروسيم و كسلوحيم الذين خرج منهم فلشتيم و كفتوريم

–  وفي إرميا 4:17 وعاموس 7:9، أنهم خرجوا من ” كسلوحيم ” ( كسلوحيم تعني المعفي عنهم، المُسامحين).

– وذُكر أيضا في شواهد مختلفة من الكتاب المقدس ، أنهم سكنوا بئر السبع قبل أن يزورهم النبي إبراهيم، وكانوا في أيام الخروج من مصر، شعبا عظيما، ولهم مدنهم الحصينة ( غزة، اشقلون،اشدود، عقرون، وتناخم، وجت).

ولم يهاجم يشوع المدن الفلسطينية الساحلية، ولا حتى مدينة ” جت” في الهضاب السفلى. وبعد وفاة يشوع بدأت سلسلة من الحروب والنزاعات. ويذكر الكتاب المقدس تفاصبل عن عبادتهم، آلهتهم القديمة، واحتكارهم لصناعة الآلات والأسلحة، وتفوقهم في التجارة (1. صموئيل الإصحاح 13 ). وكثير من التفاصيل الأخرى التي يمكن الرجوع إليها.

– ذُكر في سفر يشوع 3:13، أن الكنعانيين هم أقطاب الفلسطينيين.

– في حزقيال 16:25 ، وصفوا بالكريتيين.

– في إرميا 4: 47، وصفوا بأنهم بقية جزيرة كفتور.

– ونقرأ في سفر التكوين 23:2 : ” والعويون الساكنون في القرى إلى غزة، ابادهم الكفتوريون الذين خرجوا من كفتور، وسكنوا مكانهم “. وتفسير هذا الشاهد : ” والكفتوريون من نسل مصرايم بن حام بن نوح، وكفتور التي سكنوها  أولا، هي غالبا كريت أو قبرص، أو بلدة في مصر. أما العويون، فهم سكان فلسطين القدامى، وخرج عليهم الكفتوريون، وأخذوا اراضيهم. والكفتوريون صار إسمهم بعد ذلك الفلسطينيون. “

– ما هي كفتور: ورد في اسطورة بعل وعناة الأوغارتية، أن الإلهة “عشيرة ” تبعث برسالة إلى كفتور، التي هي ” كريت”، في نصوص أوغارتية، لأحضار إله الحرف والصناعة من هناك، ليبني بيتا للإله ” بعل”. وترد كفتور في النصوص المصرية ، بصيغة ( كيفتو) للدلالة على كريت وجزر بحر إيجة.

 أي أن هناك روابط ثقافية  قديمة بين العرب الكنعانيين السوريين وسكان جزيرة ” كريت” . ونفس الأمر ينطبق على

” نقش سردينيا ” كشاهدد على علاقة صور  وامتدادها وصولا إلى إيطاليا.

– في سفر صفنيا 5:2، هم سكان ساحل البحر، أمة الكريتيين. ووصفت كنعان ” بأرض الفلسطينيين”.

يقول الدكتور أحمد داود، في كتابه القيم: تاريخ سوريا الحضارية، أن كتابة التاريخ بشكل موضوعي، تعتمد على مجموعة من الأسس، والعلوم  وهي:

1- علم الأنتروبولوجيا، وما يشمله من علوم الإنسان، مواصفات جينية، بيولوجية، أو ما أنتجه من عادات وتقاليد، وشرائع، وما خلفه من آثار، رسوم، صور، عملة، كتابات، لغةـ ووثائق.

2- علم الكرونولوجيا، أي تحديد زمن الحدث التاريخي وأسبقيته.

3- عملية التواصل التاريخي للشعوب، نشؤها واستمرارها، أو أنتقالها وإنتشارها.

4- علم المنطق، في محاكمة الأحداث التاريخية.

5- المعرفة الصحيحة بالقوانين الموضوعية، التي تحكم العملية التاريخية، مثل : التراكم الكمي، الذي يؤدي إلى التحول النوعي.

6- علم اللغات أو اللسانيات.

7- علم الأسماء والألقاب.

8- التسميات الأصلية التي عرفت بها الشعوب بدل التسميات المُختلقة المصطنعة، وهذه أهمها.

بالإستناد على هذه الأسس، وحصيلة بحثه، وبحوث آخرين، يُمكن  أن نصل إلى الإستناجات التالية:

–  لو كان موطن الفلسطينين القدماء هو حزر بحر ايجة: فهذه الجزر كانت، مراكز فرعية لمدنيات الشرق القديم العظيمة، التي وجدت قديما، في وادي الفرات والنيل. وهناك كانت البداية الحقيقية لنشوء المدنية الأوروبية، وليس اليونان، وكانت جزيرة ” كريت” ، من أول عهدها، من المرتبة الأولى ، حضارة بين جميع جزر بحر إيجة، وكانت كأنها جزء من الشرق، وأهلها ليسوا بقراصنة أو همج.

–  كريت هي ” قريت” سريانية وتعني (حسب شكلها)، إصبع الإبهام، وهي تمتد على شكل لإصبع الإبهام، لمن ينظرإليها من جزر ايجة، أو من الشاطئ الليبي، الأفريقي، كما تعني الموجز، القصير، المختصر، الطريق القصير، لأن موقعها يختصر طريق السفن بين القارات الثلاث.

ويتميز موقعها بأنه يتوسط الطريق ما بين سوريا، وإيطاليا، وما بين مصر واليونان، وتختصر الطريق إلى النصف. ولعبت دورا مركزيا لأهميتها التجارية، ولأنها كانت صالحة تماما للسكن والإقامة فيها وللتجارة البحرية، وتخزين البضائع للسفن، وهو ما حدث.

– استوطن السوريون الجزيرة وعمروها منذ الألف الرابعة قبل الميلاد، كما شهدت الآثار التي تم أكتشافها. أي أن العرب هم من أستوطنها وعمروها، واقاموا فيها 90 مدينة، ومن أهم هذه المدن: ” قنديا “، ” فنستون”،” فالاي قسطرة “، حاجيا تريادا” ، “جورنيا “.

– كان الإغريق يُسمون سكان كريت ب” الفينيقيون”. وكانت لغتهم هي السريانية السورية ( العربية القديمة).

– وفي بداية الألف الثاني قبل الميلاد، تحديدا منذ العهد البابلي، توسع ” الفينيقيون”  العرب – الذين جاؤا أصلا من صور العُمانية حوالي 2750 ق.م، إلى صور اللبنانية، وسكنوا في صيدا، جبيل، وارواد، وكانوا يعملون بالبحر- توسعوا في حزر بحر إيجة، وكريت، وصقلية، وصولا إلى قادس في الأطلسي، وأنشاؤا مدينة قرطاج على الساحل. وشكلوا الموجة العربية الثانية ، التي تسيطر على جزيرة كريت، امتدادا للسوريين (الكنعانيين، العرب).

ومع نزعتهم  الإستقلالية الخاصة في معاملاتهم التجارية، ونمط حياتهم، إلا أنهم يُعتبرون إمتدادا للشعب العربي الواحد. لأن مختلف أنحاء بلاد الشام، مرورا بفلسطين، وصولا إلى شمال الأناضول، وشواطئ البحر الأسود مع الجزر، كانت تُشكل منطقة واحدة ، ووحدة حضارية واحدة.

– حوالي عام 2000ق.م، دمرت الزلازل والأوبئة، والنيران (بفعل الزلازل) جزيرة كريت، وضربت  الحوض الشرقي للمتوسط مرارا كثيرة.

– أما بالنسبة لقبرص،فأن أول من  نزل فيها، وعمرها واستوطنها، هم الكنعانيون (السوريون، العرب) ودعوها ” حيفرو” (Gypro )، وتعني حسب شكلها: الظفر، المخلب، ثم تحول الإسم باللاتينية إلى (Cypross).

– أتلانتا الغارقة، غرب مضيق جبل طارق في المحيط الأطلسي، كانت جزيرة سورية (كنعانية، عربية) ،أسما وسكانا وحضارة، ووصل الفينيقيون حتى جزيرة ” هايتي” واستوطنوا فيها لمدة طويلة، وسكنوا حتى في البرازيل، التي ما زال يحمل عدد من قراها أسماء كنعانية.

  ويدل نقش پارايبا (Paraíba) أو(Parahyba) وهو نص مكتوب بالحروف الفينيقية-الكنعانية، اكتشف في البرازيل على هذه الحقيقة. ونصه كما عربه العالم السوري بهجت القبيسي  كما يلي:

( نحنا بني كنعن م صدن م هـ قرت هـ ملك سحر هـ شلكنا (السطر الأول كما هو بالنقش)

نحن بني كنعان من صيدون من مدينة الملك، عاصفة قد قذفت بنا

إلى هذه الأرض البعيدة، بلد الجبال، وضحينا بأحد (شبابنا) للآلهة العليّه

واٍلآلهات العليات بسنة تسعة عشرة (من تاريخ استلام) ملكنا حيرام القادر العظيم (الحكم)

وننطلق من عصيون جبر بميناء البحر وتقذفنا الرياح مع عشرة سفن (آنيات)

وانتهينا بالبحر معا (لمدة) سنتبن اثنتين حول أرض الخبز (والخير) ولكننا افترقنا

من قوة بعل (ورياحه) ولم نعد بعدها مع أصدقائنا، وصلنا هنا اثنا عشر

رجلا وثلاثة نساء لوحدهم حتى أخذ البحر عشرة عمال (مهرة منا)

كُتشف الحجر الذي يحمل النقش في العام 1873 م ، في منطقة جواو پيسوا (João Pessoa) بالقرب من نهر پارايبا في منطقة تسمى پاسو ألتو (Pauso Alto).

– في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، تعرضت اليونان، إلى سلسلة من الهجمات البربرية قادمة من منطقة البلقان، دمرت كل مراكزها الحضارية الهامة، وتشرد أهلها، وتعرضت جزر بحر إيجة لضغط كبير، بسبب الزلازل، وهذه الهجمات،فوصلت بعض الموجات إلى ليبيا، التي  كان يستوطن فيها الفينيقيون، وتعاونوا معهم لنقلهم إلى الدلتا المصرية، فمنعهم الفرعون ” مرنبتاح  تقريبا عام 1220م. واستقر أغلبهم في الساحل الفلسطيني، في غزة.  وقد لحقتها موجة أخرى.

لم يأتي الفلسطينيون  القدماء( العرب، السوريون، الكنعانيون) كغزاة إلى فلسطين( السورية، العربية، الكنعانية)، ولكنهم عادوا إلى وطنهم، وامتدادهم التاريخي والحضاري.لغة مشتركة، ديانة مشتركة، عادات وثقافة مشتركة، أصول واحدة.

مراجع:

1- ظفر الإسلام خان: تاريخ فلسطين القديم، دار النفائس، بيروت، ط3، 1981.

2- زياد منى: مقدمة في تاريخ فلسطين القديم، بيسان للنشر، ط1، 2000م.

3- د. أحمد داود: تاريخ سوريا  الحضاري القديم، ط2، دار الصفدي، دمشق، 2003م.

4 – القران الكريم- التفاسير.

5- الكتاب المقدس: شرح الكتاب المقدس- العهد القديم- القس أنطونيوس فكري.

6- د. محمد بهجت القبيسي: الكنعانيون والأراميون في الإمبراطورية الرومانية. مادة صوتية.

7- معاوية إبراهيم: الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، القسم الثاني، بيروت، 1990.

8- فيليب حتّي: تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين، بيروت، 1951.

9- الياس شوقي: الموجز في تاريخ فلسطين السياسي، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط1، بيروت، 1996.

10- عبد الحكيم الدنون: تاريخ الشام القديم، دمشق، 1999.

11- د. رمضان عبده علي: الشرق الأدنى القديم وتاريحه، دار نهضة الشرق، ط1، القاهرة، 2002.

12- د.محمد بهجت القبيسي:الكنعانيون والآراميوت في الأمبراطورية الرومانية،دار طلاس،ط2،2009.

abulatifeh@hotmail.de

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com