“إسرائيل” ورياح الحرب على إيران/عماد أبو عوّاد

في ظل ارتفاع الصوت في البيت الأبيض ضد إيران، منذ وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة، ترافق ذلك مع شهية “إسرائيلية”، لتغيير المشهد العام ليس في إيران، بل في الشرق الأوسط برمته، ففي تل أبيب، عقلية تُدرك أنّ “إسرائيل” ودون وجود حراكات مشبوهة، وحراب داخلي وخارجي، فإنّ عمر الدولة العبرية يقصُر لا محالة.

وفي الوقت الذي يرتفع فيه الصوت المطالب بضرورة اسقاط النظام الإسلامي في إيران، فإنّ اصواتاً أخرى، ترى في بقاء النظام الديني الإيراني فرصة كبيرة ل”إٍسرائيل”، ليس من منطلق احتمالية إقامة علاقة مباشرة، لكن تيقناً أنّ بقاءه يعني أنّ العداء الداخلي الإسلامي في المنطقة سيستمر، ومن الممكن أن يكون شمّاعةً للمزيد من التقارب بين تل أبيب وبعض العواصم العربية في المنطقة.

حقيقة نوايا الولايات المتحدة تجاه إيران، نجدها منقسمة بين تيارين أساسين، الأول الذي يرى أنّ الولايات المتحدة وإيران تناوران، ولن يصلا إلى مواجهة مباشرة، حيث أنّ التقاء المصالح بينهما كبيرٌ جداً، ويذهب هذا الفريق إلى أبعد من ذلك، مدعياً أنّ حجم التعاون بين البلدين كبير ومن تحت الطاولة، فيما التيار الآخر، لا يرى في المنطقة أشد ضراوة من العداء الإيراني-الأمريكي، مُعتبراً أن إيران هي النظام الأوحد المناهض للولايات المتحدة.

بعيداً عن التصنيفات، الاصطفافات والقناعات، فإنّ السياسة من المتغيرات الأكثر تحركاً عبر التاريخ، فصديق اليوم هو نفسه عدو الأمس ولربما المستقبل، ولا يُمكن بناء التحليلات السياسية إلّا بناءً على تقاطع المصالح، والمنفعة المشتركة والمتبادلة.

بالنسبة لتل أبيب، فإنّها تجد نفسها أمام واقعٍ ذهبي، ولست أبالغ حين أقول أنّها لم تكن تحلم بمثل هكذا إقليم متفتت، متصارع داخلياً، ويصطف في خنادق تنافح احداها الأخرى، متناسية الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي كان محور الصراع الأول ولعقود طويلة، قبل أن تنحرف البوصلة، وتصبح “إسرائيل”، بالنسبة لبعض الأنظمة رافعة للقبول الأمريكي والدولي.

وحول ما الذي تأمله “إسرائيل” من الحراك ضد إيران في المنطقة، فإنّه يكمن في البداية، بمحاولة اضعاف إيران إلى الحد الأدنى، ودفعها للتراجع في المنطقة والانسحاب من الأراضي السورية، وإلزامها بمنع تطوير سلاح نووي، ف”إسرائيل” لن تقبل سوى أن تكون هي وهي فقط، من تمتلك سلاحاً متقدماً.
من الناحية الثانية، فإنّ “إسرائيل” تأمل، أن يقود التراجع الإيراني، إلى فتح الباب سريعاً، للتعامل مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية، من خلال الأمم المتحدة، كأن يتم العمل على تجييش حملات دبلوماسية وكذلك لربما عسكرية، في سبيل الضغط عليهما ودفعهما للتخلص من السلاح، أمر على طاولة النقاش الإسرائيلية، وتُدرك أنّه مستحيل تحديداً في الحالة الفلسطينية.

ثالثاً، أن تؤدي هذه الحرب إلى توجيه ضربات قوية لدول المنطقة العربية، بحيث تعود هذه الدول أكثر تشرذماً وتراجعاً، حيث رغم حجم التعاون الكبير مع جزء من دول المنطقة وتل أبيب، إلّا أنّ الأخيرة تعتبر أنّ المزيد من تخلف الدول العربية، يعني مزيداً من تعلقها ب”إسرائيل” واحتياجها لها.

رابعاً، أن يُثمر هذا الحراك إلى تسليم عربي-إقليمي، بالحل الذي ترغب الولايات المتحدة بفرضه على الدول العربية، والمتمثل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وضم الضفة الغربية، شبه دويلة في غزة، تضمن اعتراف عربي-دولي بالحل الذي يُطبخ على نار هادئة.

ختاماً، تبدو الضغوط الأمريكية على إيران، أقل من حرب ولكنّها قد تقود لبعض المناوشات، التي ستجعل الولايات المتحدة حريصة على سلامة قواعدها وجنودها، فيما إيران ستجد ضالتها في استهداف مناطق حيوية في دول الخليج، الأمر الذي سيجعل المواجهة غير مباشرة، ولكن لا أحد يضمن أين “إسرائيل” في المعادلة، هل سيكون لها نصيب من الاستهداف الإيراني؟
المرجح ألا يكون ذلك، إلّا إن دخلت بالفعل الولايات المتحدة بمواجهة حقيقة مع إيران، حينها فقط قد نشهد توسع للمواجهة لتشمل مواجهة إيرانية-إسرائيلية، وهو الأمر الذي تستبعده هذه القراءة.

 مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com