صفقة دعائية!.. رجب أبو سرية

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتبّع سياسة حافة الهاوية منذ أن دخل البيت الأبيض قبل أكثر من عامين، فهو بعد فصلٍ من التصعيد – الذي يصل عادة إلى حدود التوتر في أكثر من ملف – يتراجع في اللحظة الأخيرة، ولا يقدم على ما يهدد به عادة، وقد حدث هذا أولاً في الملف الكوري، ثم الملف الفنزويلي، وعلى الأغلب سيحدث في الملف الإيراني، وربما يحدث حتى في الملف الفلسطيني، أي فيما يتعلق بما يسمونه «صفقة القرن».

في الملف الكوري، أبدى سذاجة بلا حدود، ذلك أن طفلاً صغيراً يعرف أن بيونغ يانغ لن تتخلى عن مركز قوتها الوحيد والرئيسي المتمثل بالقوة النووية مقابل وعود برفع الحصار الاقتصادي، الذي من السهل حله من خلال فتح أسواقها أمام أكثر من اقتصاد، وهي فعلت ذلك لمجرد فشل القمة بين زعيمها والرئيس الأميركي في هانوي، قبل أشهر، فذهبت إلى موسكو بعد أن كان اعتمادها الرئيسي في التبادل الاقتصادي على الصين.

وفي الملف الفنزويلي، أقدم ترامب بسرعة على إعلان الانضمام لدعم رئيس البرلمان، وظن أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تدفع النظام للانهيار في ليلة وضحاها، ونسي أن العالم اليوم هو غير ما كان عليه قبل ثلاثة عقود، حيث سرعان ما أعلنت أكثر من دولة فاعلة في العالم عن دعهما لنظام مادورو في فنزويلا، وبمقدمتها روسيا.

والتسخين المتصاعد للملف الإيراني، بما في ذلك تحريك البوارج الحربية الأميركية وتوجهها إلى الخليج – والتي تذكّر بتحرك القوات الأميركية قبل نحو ثلاثين سنة، حين شنت الحرب على العراق في ما سمّي «حرب الخليج الثانية» عام 1990 – يظهر أن إيران حتى لو أنها لم تمتلك بعد القنبلة النووية، فإن لديها من أوراق القوة الرادعة ما لا يقل عن ورقة كوريا الشمالية النووية.

ولعل أحداث الأيام الأخيرة أظهرت المدى الذي يمكن لإيران أن تصل إليه، والذي يؤكد أن حرباً أميركية/إسرائيلية لن تكون نزهة مع إيران، وذلك لعدة أسباب، أهمها: أولاً أن أميركا وإسرائيل ستكونان وحدهما في تلك الحرب، ولن يكون الأمر كما حدث مع العراق، ففي حالة العراق، كانت الحجة احتلاله للكويت، وذهبت أميركا مع تفويض دولي وثلاثين دولة إلى الحرب، وواجهت نظاماً معزولاً داخلياً وخارجياً، ولم يكن يمتلك حتى السلاح الكيماوي، وكانت روسيا في الجيب الخلفي لأميركا، أما اليوم فالأمر مختلف مع إيران تماماً، والتي تمتلك فيما يخص القوة العسكرية فقط أولاً قوة صاروخية مهمة جداً، وسلاحاً بحرياً قوياً، كذلك تمتلك حلفاء ميدانيين مقاتلين، في كل القوس الشيعي من اليمن إلى العراق وسورية ولبنان وحتى غزة.

ولعل ما قام به الحوثي من استهداف لنقاط حيوية في السعودية قبل أيام، خاصة خطوط نقل النفط داخل المملكة، رسالة مبكرة تشير إلى قوة الردع التي تمتلكها إيران، والتي تفسر خطابها السياسي المتباين بين خطين أحدهما عسكري يلهج به وزير الدفاع الإيراني وقادة الحرس الثوري ومفاده أن إيران ستهزم التحالف الأميركي/الإسرائيلي، وثانيهما خطاب المرشد الأعلى خامنئي الذي استعبد اندلاع الحرب أصلاً.

إن الصواريخ الإيرانية قادرة لحظة اندلاع الحرب على الوصول إلى تل أبيب من أكثر من مكان في إيران ولبنان، وإلى دبي والرياض من إيران والعراق، وكل منطقة الخليج ستتحول إلى أرض محروقة، بما في ذلك مضيق هرمز ومضيق باب المندب، فيما ستكون القوات الأميركية في كل المنطقة عرضة لعمليات منها ما هو انتحاري.

على الأغلب إذاً أن خيار الحرب هو على أقل تقدير يتأرجح بين أنصار نتنياهو في البيت الأبيض وترامب نفسه الذي يعتبر خيار الحرب متعاكساً مع سياسته الخارجية في المنطقة، بل حتى في العالم كله كما أسلفنا، فهو يشد الحبل لتحقيق الضغط والأهداف السياسية وليس من أجل الوصول فعلاً لحالة الحرب، وقد كشفت «واشنطن بوست»، أمس، ما يشير إلى هذا بوضوح.

على كل حال، فإنه في الحالتين، أي إن كانت الحرب اندلعت في الخليج أم لا، فإن بنيامين نتنياهو المكلف تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ما زال يراوح مكانه، وقد انتهت فترة الأربعة أسابيع الأولى، لذا فقد احتاج لمهلة الأسبوعين التاليين، وما زال شركاء الليكود في الحكم اليميني يبتزونه ويظهرون التناقض فيما بينهم، حيث لا حلّ أمامه – بعد أن تلاشى حلمه بنزع أحد أعضاء «أبيض أزرق» – إلا أن يخضع لابتزاز الأحزاب الشريكة، والتي قال هو بنفسه: إن أحدها يريد أربعة مقاعد وزارية، إضافة إلى حصة من الميزانية.

كل هذا يعني أن أميركا وإسرائيل تواجهان مشكلة حقيقية في المنطقة، خاصة مع تصاعد التوتر مع إيران، ومع استمرار أزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ما يعني أن الظروف قد لا تكون مناسبة لإعلان صفقة العصر، كما وعد جاريد كوشنير وعصابته بعد عيد الفطر، حيث قدروا أن تكون الانتخابات الإسرائيلية قد مرت وتم تشكيل الحكومة الجديدة.

وإسرائيل التي تنفخ في نار الحرب ضد إيران، تظن أن الحرب ستدفع الخليجيين من العرب إلى أحضانها، لكنها تنسى أن الحرب مع إيران قد تنتهي بإسقاط عدد من أنظمة الخليج نفسها، بما يحوّل دولها من دول على طريق الصداقة الحارة مع إسرائيل إلى دول عدوة لها!

ولعل ما حاولت إسرائيل قوله، في التوتر الأخير مع غزة، وما قاله محمد العمادي بشكل واضح بأن «الجهاد» في غزة هي المسؤولة عن التوتر، وليست «حماس»، في محاولة للفصل بين الحليفين المحليين، لتحييد جبهة غزة عن المشاركة المحتملة بصواريخها في الحرب مع إيران، يظهر أن إسرائيل منشغلة فقط وبشكل رئيسي في تحقيق هدفها بدفع أميركا لمحاربة إيران وتدمير كل منطقة الخليج حتى يسهل دخول إسرائيل إليها والسيطرة عليها، وهي ليست منشغلة بشيء آخر ولا حتى بصفقة ترامب التي هي دعائية وانتخابية فقط لجاريد كوشنير أولاً ولترامب ثانياً، ولن تمر؛ لأنه إضافة إلى الظروف المذكورة هناك رفض فلسطيني وعربي صريح لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com