وداعا يا زكرين، رواية لرشاد ابوشاور/مهند طلال الاخرس 

رواية آسرة مبكية ومحزنة ومكتنزة بالاحداث والصور الاجتماعية التي سادت في قرية ذكرين من قضاء الخليل فيما يُشبه صورة مقطعية لعموم ما حدث في قرى فلسطين، وبهذا الوصف كانت ذكرين سيرة خاصة في سيرة الوطن الاعم، تلك القرية التي تمتد حكاياها حتى تتصل بقرى القضاء ممن حولها كالدير وعجور وبيت جبرين وصميل ورعنا وكدنا كل ذلك عبر 374 صفحة من السرد المتواصل.

تبدا الرواية مع انهيار الامبراطورية العثمانية واستحضار صور المعاناة تحت الحكم التركي ضمن زوايا متعدد، ولا يغفل الكاتب عن استحضار اكثر الصور مأساة تحت الحكم التركي ألا وهي السفر برلك ، وعودة الابناء من الحرب العالمية على جبهات متعددة ودول متعددة بعضها لا يعرف ابنائنا اسمائها، هذا طبعا لمن عادو والكثيرون لم يعودو او فقدوا وهنا تظهر كثير من الحوارات التي تغطي الاشكاليات التي تنشب عن مثل هذا الغياب واحد صورها ان يعملوا لمن غاب مع الحرب ولم يعد قبرا لعل ارواحهم تجد مستقرا لها ويتحصل اهله على شاهد ومكان يدعون له بالرحمة عنده.

وما يلبث سواد الحُكم التركي بأن يغيب حتى يطل احتلال من نوع آخر وشكل آخر ، انه احتلال ذو عيون زرقاء وشعر اشقر احتلال ذو نوايا خبيثة ومبيتة انه احتلال بريطاني مجرم يمهد لتسليم الامور للحركة الصهيونية واقامة دولتهم في فلسطين وعلى حساب تاريخ وامنيات شعب طافح بالحب والامل والبساطة والطيبة واحيانا السذاجة.

يستعرض ابو شاور كثيرا من الصور الاجتماعية بشكل مكثف وغزير حتى انك تخال نفسك تعيش في خضم ذلك الاتون وفي ذلك الزمن من سطور التاريخ، وبإستخدامه لكثير من الكلمات والمصطلحات العامية يتمكن استاذنا الكبير رشاد ابوشاور من القبض على ناصية النص بإمتياز بعد ان يكون قد تمكن من إغراقنا في تفاصيل حياتنا اليومية في الوطن، فرشاد الكاتب والروائي والمناضل يتفنن في بناء تلك الصور الحياتية لتفاصيل الحياة اليومية في بلادنا فلسطين، فمع نصوصه بشكل عام ومع وداعا ياذكرين بشكل خاص تشعر انه البذار الذي ما زال قابعا متشبتا في الدار يرفض ان يخرج منها حتى لو اخرجوه عنوة او بالرصاص، هو لا يخرُج هو يعود فهو السارد وهو الرواي والمناضل والعائد الى ذكرين بكل تفاصيها وعاداتها وامراضها الاجتماعية .

يتحفنا ابن ذكرين بتلك الايام والسير ويُغرقنا في حبها حتى الوله المصحوب بكثير من الاهات والانات والدمعات.

عندما يتمكن السارد من النص على نحو يشعرك بأن الحروف تنطق بما فيها من الم وامل ومن حب ومن وجع عندها تصبح الجمل وما تركبه من اسطر والتي بدورها تشكل الصفحات في هذه الرواية حينها تشعر انك جزء من فروع هذه الشجرة وان هذه الحروف والكلمات تقرأها مواربا في بعض الاحيان “كابواب الرواية” لان هذه الكلمات المواربة يخال لك انها ستذكرك انت بالاسم وان لم تكن انت فستذكرك بحادثة او قصة مع عمتك او خالتك او جدتك وكناينها وضرايرها وسلفاتها وبناتها وما الى ذلك من صنوف وتفاصيل الحياة العائلية الفلسطينية والتي كانت هي النمط السائد والمسيطر والمتحكم بشكل كبير بأيامنا وبذكرياتنا كذلك.

عندما تنطق كلمات النص فاعلم انك امام نص ليس من صنع الخيال؛ بل هو ابداع شعب بكل حروفه وبقدرته على اجتراح الامل من الالم وقدرة سارد على استرجاع تفاصيل نرتبط بها بحبل سري وبخيط من نور يجري مجرى الدم فينا ويسري حيث تسري ارادة العودة الى فلسطين كل فلسطين، وهذه سيرة ذكرين وبها يكمن سر العودة الى فلسطين.

ان تقرأ وداعا يا ذكرين تخال نفسك تسير وراء الحصاد في البيدر وفي يوم اخر ترى نفسك تبذر وتبدع وتحرث وتزرع وتحرس الارض والبيدر ويحرس كلاكما القمر.

شكرا عمنا الحبيب رشاد فقد ألزمتنا بإغماض أعيننا لنرى ما نُحب…
شكرا عمنا الحبيب فقد اعدتنا الى حيث ولدنا نحن وانت..
فسلام عليك وعلى فلسطين…
سلام عليك يوم ولدت انت ويوم ولدت ذكرين…

<palastine_yasser@yahoo.com>

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com