كتب بيض والنتيجة سوداء..آمنة النواتي

  “و لطمأنة الفلسطينيين إلي أن وعد بلفور لن يلحق الضرر بهم صدرت أربع كتب بيض …النتيجة سوداء”.

بعد عام بالتمام علي وعد بلفور .. وقعنا في ذات الشباك لوعد جديد زمامها في البيت الأبيض و مساندوها في أماكن مختلفة.. ذلك الوعد ليس بالمصطلح الأول الذي يغزو وسائل الإعلام لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.. لكن بوجود دونالد ترامب بات كل شيء واقعي، يروج لصفقة عن المشروع الأكبر أطلق عليها “صفقة القرن” .. كوشنير يخطط .

كبير مستشاري البيت الأبيض وقائد عملية السلام بالشرق الأوسط قدم خطة شاملة لكل الأطر و القضايا الكبرى بما فيها القدس و الحدود و اللاجئين لتسوية الصراع الفلسطيني ،مدعوماً بأموال و دول خليجية وذلك من خلال إظهار ولي العهد السعودي محمد بن سليمان حماسه الشديد للخطة معتبرها سلاماً للإسرائيليين و الفلسطينيين من جهة ،ومن جهة أخرى لتشكيل ائتلاف بين السعودية و “إسرائيل”لمواجه التهديد الإيراني .

تمهيد في غرف مظلمة

طرح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا إيلاند عام 2010 خطة إسرائيلية اقترح فيها ضم حوالي 720 كم مربع من مساحة الضفة الغربية للكيان الإسرائيلي بما فيها الكتل الاستيطانية و القدس ، بالمقابل يتم تعويض الفلسطينيين بمساحة 720 كم من سيناء لتوسيع قطاع غزة في المنطقة الواصلة بين رفح و العريش , على أن يتم تعويض الطرف المصري بأراض بالمساحة ذاتها من النقب .

تبنت تلك الصفقة بعض من أفكار المقترح السابق ,حيث ركزت على التخلي عن فكرة حل الدولتين، وتبنيها الكامل للموقف الإسرائيلي بعدم إقامة دولة أخرى بين البحر المتوسط و نهر الأردن، و تقدم أيضاً قيام كيان فلسطيني علي قطاع غزة و أجزاء من الضفة الغربية مع سيطرة أمريكية شبه كاملة “لإسرائيل” ثم ملف القدس و اللاجئين والاستيطان لكن اعتبرت ذلك اقتراح سلمي يضم ما تسميه بدول الاعتدال العربي و”إسرائيل” في مواجهة إيران والإرهاب .

تسريبات الصفقة

لم تطرح الولايات المتحدة الأمريكية معالم و بنود الصفقة بشكل رسمي حتى هذه اللحظة و بذلك تكون قد فتحت المجال لانتشار التسريبات والشائعات من خلال لقاءات و حوارات المسؤولين الأمريكيين مع قادة فلسطينيين وعرب وإسرائيليين ,من منظور آخر تعمدت أمريكا إتباع سياسة التأخير والغموض سعياً منها لتهيئة بيئة نفسية مناسبة لإيجاد القبول المطلوب من جهة ,و من جهة أخرى متابعة الضغط للحصول على قبول الأطراف المعنية بالخطوط الرئيسية للصفقة .

كان و مازال التمهيد مستمر لصفقة القرن في تلك الغرف المظلمة ،و قطعاً للطريق على احتمال فشلها عملت على إضعاف وعزل الجانب الفلسطيني و نزع القوة العربية وتحويلها لورقة ضغط على الفلسطينيين أنفسهم ، كما أن السياسة الأمريكية المتبعة ليست إدارة مفاوضات إنما بناء حقائق على أرض الواقع و ظهر ذلك جلياً بحسم مصير القدس و اعترافهم بها عاصمة ل”إسرائيل” ونقل سفارتهم إليها، و إضاعة حق اللاجئين في العودة من خلال إغلاق مشاريع الاونروا، والعارفين بالصراع الفلسطيني وبجانبه تلك الصفقة سيصطدم بجدار الحقائق التاريخية، استكمالاً باعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان .

وبذكر أبرز ما تم تسريبه عن الصفقة هو إعطاء الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة -دولة شكلية- لا سيادة كاملة على الأرض و الجو و الحدود، و أيضاً الحكم على أجزاء من الضفة –لم تحدد مساحتها النهائية- و كذلك إبقاء المستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية . وضم القدس  والبلدة القديمة خصوصاً للكيان الإسرائيلي وصناعة “قدس جديدة” في بعض أحياء شرقي القدس .و على صعيد اللاجئين حرمانهم من حق العودة إلى الأراضي التي اخرجوا منها في نكبة 1948 .

و قبل استكمال مشروع التسوية، تسعى الولايات الأمريكية لتحقيق “التطبيع” العربي مع “إسرائيل” وإنشاء تحالف عربي-إسرائيلي لتغيير مسار الصراع مع العدو الصهيوني وأخيرًا قيام تيارات الإصلاح و التغيير تحت مسمى  “التطرف الإسلامي” لمواجهة إيران ، كل ذلك يساعد لضمان بقاء و استقرار الأنظمة السياسية المتوافقة مع السياسة الأمريكية .

ولعل بدء الصفقة بالتسوية للجانب الإسرائيلي ليس عبثي إنما هو تمهيد للتصور العربي بعملية التنازلات و التضحيات التي قدمتها “إسرائيل” وبذلك تصل الصفقة لهدفها المرجو من تضييع للعقبات الكبرى مثل مستقبل القدس و حقوق اللاجئين والسيادة الكاملة على الأرض .

غزة و الصفقة

تبنياً لمقترح ايلاند واستكمالاً لبنود الصفقة أنه سيتم بناء مطار وميناء للفلسطينيين وإنشاء ممر بين الضفة والقطاع وممر بين مصر والأردن لتنشيط التبادل التجاري والسياحة عبر الميناء والمطار وبالتالي نهضت الحياة الاقتصادية، لكن رفض السلطات المصرية التنازل عن أي جزء من أراضيها تبعه رفض الفلسطينيين لفكرة التوطين من جهة ووجود قوة مقاومة إسلامية “حماس” مسيطرة على القطاع من جهة أخرى جعلت مسار التسوية معطل وفق الرؤية الأمريكي ، إذ أن هذه القوة ليست شعبية مدنية فقط إنما قوة عسكرية على الأرض تمكنت من خوض عدة حروب مع الاحتلال حققت فيها انجاز نوعي، وهي بالوقت نفسه ترفض التسوية السلمية و الاعتراف ب”إسرائيل” .

ما أدلاه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية “القيادات الفصائلية واعية لما يجري ولا علاقة لتفاهمات التهدئة بصفقة القرن” جاء ذلك تأكيداً على انعدام الأمل لتحقيق تلك التسريبات في جعل القطاع تحت وقع السلطة و على وجه الخصوص عدم تسليم “حماس” للسلطة ،أولاً تبني “حماس” المقاومة المسلحة وأنها محسوبة على “التيار الإسلامي السياسي” ثانياً .

لذلك وجدت الأطراف الأمريكية مصلحة كبيرة لتهدئة الأوضاع في القطاع بعد انطلاق مسيرات العودة حتى لا يفشل مسار “التطبيع” و “الصفقة” بشكل كامل، فعملت على ضرورة فصل الملف السياسي عن الملف الإنساني و تلبية الاحتياجات الإنسانية دون الاستمرار في الحصار المؤدي لإسقاط المقاومة وحماس، و بناء على هذا تم تخفيف بعض أشكال الحصار عن القطاع من حيث توفير الكهرباء وتسهيل لحركة الأفراد والبضائع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com