إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية (الحلقة الثانية)/مصطفى إنشاصي

جميل أن تجد مَنْ يبدي رأي وإن اختلف معك، ويسعدني أن أجد مَنْ يختلف معي والحوار معه ملتزماً أدب الحوار والاختلاف، من أجل التوصل لقاسم مشترك يقرب إن لم يجمع، فنحن بحاجة لحوار بناء هادف نتبادل فيه الآراء لنباء فهم مشترك، أو الحفاظ على علاقة ود واحترام تحفظ وحدتنا في حدها الأدني. لذلك توضيحاً لبعض ما ورد في الحلقة الأولى كانت هذه الحلقة “الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام”، وسأتبعها بحلقات أخرى:

كتابي (العهد القديم) و(العهد الجديد، الأناجيل) محرفة!

اليهودية ديانة وضعية بشرية ولم تَعُد رسالة سماوية!

نماذج لخطأ القراءة العلمانية عدم منهجيتها في القراءة والبحث والتحليل:

اليهود كلهم علمانيين ليس فيهم متدين وعلماني أو ملحد، لا يؤمنون بالقيمة واليوم الآخر!

اليهودية (ديانة قومية، جنسية) وليست دين كبقية الأديان!

عقيدة (المسيا اليهودية، الخلاص المسيحاني) عقيدة سياسية وليست صوفية تأملية!

المذهب البروتستانتي نصراني في ظاهره، توراتي في محتواه وأهدافه!

عقيدة الاسترجاع: تقديم اللاحق على السابق!

الكذب والتضليل: حركة مارتن لوثر حركة دينية تخريبية لا إصلاحية!

وقد نضيف عناوين أخرى بحسب ما يصلني من آراء …

الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام

من ضمن الأخطاء التي وقع فيها علمانيي وطني: أنهم حققوا هدف اليهود والنصارى الذي سعوا له منذ أمد طويل لتحقيق اختراق في العقل المسلم، وكسب الشرعية السماوية حتى تمكنهم من غزو عقول المسلمين بعقائدهم وأخلاقياتهم الهدامة بزعم أنها (اليهودية والنصرانية أديان توحيدية سماوية)، ومن أجل التخفيف من حدة الصورة السوداء القاتمة والبشعة عند المسلمين تجاه الغرب اليهودي – النصراني، التي كونتها لديه تلك الجولات التي لم تنتهِ من الصراع والحروب والاحتلالات والفتن والمذابح والمجازر والنهب والاستعباد والإذلال و… التي مارسه ويمارسه الغرب ضد الإسلام والمسلمين، ابتدعوا ما يسمى (حوار الأديان السماوية) على اعتبار أن اليهودية واالنصرانية مازالتا تحتفظ بأصلهما السماوي، وأنها (ديانات توحيدية) كالإسلام، وأن كُتُبها التي بين أيدينا هي وحي مُنَّزل من عند الله، من أجل اختراق العقل والمجتمع المسلم!

فالهدف من تلك الحوارات هو أن تُكسب تلك الأديان الوضعية صفة السماوية والتوحيدية على الرغم من فقدانها لوحدانيتها وروحانيتها وصفتها السماوية، بعد ما أدخلته عليها يد الإنسان من تحريف وتبديل أبعدها عن أصلها السماوي، وغدت أقرب إلى الوثنية منها إلى التوحيد، وأقرب إلى الأديان الوضعية البشرية منها إلى إلي الأصل السماوي لها. إن الاعتراف باليهودية والنصرانية أنها (ديانات توحيدية وسماوية) على الرغم من وثنيتها، ووضعها على نفس مستوى الدين السماوي الوحيد (الإسلام) يعتبر ذلك اعترافاً من المسلمين بشرعيتها السماوية، في الوقت الذي لا تعترف هي بشرعية الإسلام السماوية، على الرغم من كل الإشارات والنبوءات عن نبي الإسلام وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين التي مازالت موجودة في كتبهم الدينية بعد كل ما جرى عليها من تحريف!

بمعنى آخر: أننا نمنحها الشرعية السماوية في عقول ونفوس أبنائنا لأننا نؤمن بأصولها السماوية بنص القرآن الكريم، في الوقت الذي حرفها أتباعها حتى أخرجوها عن سماويتها وحولوها إلى دين بشري، وفي المقابل لا يحصل الإسلام على نفس الشرعية السماوية عند اليهود والنصارى لأنهم لا يوجد عندهم أي نص يأمرهم بالإيمان بالإسلام أنه دين سماوي توحيدي مُنَّزل من عند الله! ذلك يعني إضفاء شرعية إلهية على الحضارة الغربية المادية اليهودية – النصرانية، التي ارتدت بالكلية إلى أصولها الوثنية الإغريقية والرومانية بعد الانفصال التام الذي حدث في الغرب بين الكنيسة وحياة الناس بعد انتهاء العصور الوسطى الأوروبية.

وإننا نرفض الاعتراف بها (أديان توحيدية سماوية) لأن الله تعالى لم يخبرنا بأنه أنزل أديان سماوية متعددة، ولكنه أخبرنا أنه أنزل دين سماوي توحيدي واحد على جميع الأنبياء والرُسُل عليهم جميعاً الصلاة والسلام، على اختلاف أقوامهم وأزمانهم، هو الإسلام. وأن هذا الدين التوحيدي السماوي والوحيد المُنَّزل من عند الله يقوم على أساسين هما: العقيدة والشريعة.

أما العقيدة فهي واحدة لم تختلف في مضمونها وجوهرها من آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وهي الدعوة إلى وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن كل شريك، والإيمان باليوم الآخر والبعث والنشور والحساب والجنة والنار. فكان كل نبي يدعو قومه للإيمان بهذه الأمور. وكان كل منهم مصدقاً لدعوة من سبقه ومبشراً بدعوة من سيأتي بعده، وهكذا تلاحقت بعثتهم إلى مختلف الأقوام والأمم ليؤكد الجميع حقيقة واحدة أمروا بتبليغها وحمل الناس على الإذعان لها، ألا وهى الدينونة لله عز وجل وحده، وهذا ما بينه الله تعالى بقوله في كتابه الكريم: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ }الشورى: 13{.

  بل إنه لا يُتصور أن تختلف دعوات الأنبياء الصادقين في شأن العقيدة، لأن أمور العقيدة من نوع الإخبار، والإخبار عن شيء لا يمكن أن يختلف ما بين مخبر وآخر إذا فرضنا الصدق في خبر كل منهما، فمن غير المعقول أن يبعث أحد الأنبياء ليبلغ الناس أن الله ثالث ثلاثة، سبحانه عما يقولون، ثم يبعث من بعده نبي آخر ليبلغهم أن الله واحد لا شريك له ويكون كل منهما صادقاً فيما بلغ عن الله تعالى. هذا عن العقيدة.

أما عن التشريع وهو سنّ الأحكام التي يتوخى منها تنظيم حياة المجتمع والفرد، فقد كان يختلف في الكيف والكم ما بين بعثة نبي وآخر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وسبب ذلك أن التشريع من نوع الإنشاء لا الإخبار، فلا يرد فيه ما أوردناه على اختلاف العقيدة. ثم من المفروض أن يكون للتطور الزمني ولاختلاف الأمم والأقوام أثر في تطور التشريع واختلافه، بسبب أن أصل فكرة التشريع قائم على أساس ما تقتضيه مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم، هذا إلى أن كل بعثة نبي من الأنبياء السابقين كانت خاصة بأمة معينة ولم تكن عامة للناس كلهم، فكانت الأحكام التشريعية محصورة في إطار ضيق حسبما تقتضيه حال تلك الأمة بخصوصها. فقد بعث موسى عليه السلام لبنى إسرائيل وكان الشأن يقضى – بالنسبة لحال بنى إسرائيل إذ ذاك – أن تكون شريعتهم شديدة قائمة في مجموعها على أساس العزائم لا الرخص. ولما مرت الأزمنة وبعث فيهم عيسى عليه السلام كان يحمل إليهم شريعة أسهل وأيسر مما كان قد بعث به موسى عليه السلام من قيل، وانظر في هذا إلى قول الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام وهو يخاطب بنى إسرائيل: ﴿وَمُصَدِقَاً لِمَاَ بَيِنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِاُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِى حُرِّمَ عَلَيِكُمْ وَجِئْتُكُم بِأَيِةٍ مِن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعوُنِ﴾ }آل عمران:٥٠{. ونفس المعنى ورد في (إنجيل متى:5/17): “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ”.

فقد بين لهم أنه فيما يتعلق بأمور العقيدة، مصدقاً لما جاء في التوراة ومؤكداً له ومجدد للدعوة إليه، أما بالنسبة للتشريع وأحكام الحلال والحرام، فقد كلف ببعض التغييرات وإيجاد بعض التسهيلات ونسخ بعض ما كانوا قد يعانونه من الشدة في الأحكام. وبناءاً على هذا فإن بعثة كل رسول تتضمن عقيدة وتشريعاً: فأما العقيدة فعمله بالنسبة لها ليس سوى تأكيد لنفس العقيدة التي بعث بها الرسل السابقون دون أي اختلاف أو تغيير .وأما التشريع، فإن شريعة الرسول ناسخة لشريعة من سبقه إلا ما أيده التشريع المتأخر أو سكت عنه، وذلك على مذهب من يقول: شريعة من قبلنا شريعة لنا إذا لم يرد ما يخالفها.

ويتضح مما سبق أنه لا توجد أديان سماوية متعددة وإنما توجد شرائع سماوية متعددة نسخ اللاحق السابق إلى أن استقرت الشريعة السماوية الأخيرة التي قضت حكمة الله أن يكون مبلغها هو خاتم النبيين والرسل أجمعين. أما الدين الحق فواحد، بعث الأنبياء كلهم للدعوة إليه وأمر الناس بالدينونة له منذ آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الإسلام.

ذلك دليل على أن الله تعالى لم يُنَّزِل (أديان سماوية) متعددة، ولكنها كانت شرائع سماوية لدين واحد، ينسخ منها اللاحق السابق، إلى أن اكتملت تلك الشرائع بشريعة خاتم الأنبياء والمرسلين صلَ الله عليه وعلى له وسلم الذي بُعث رحمة للعالمين. ومن يرجع إلى القرآن الكريم يجد أن كل الأنبياء والرسل عليهم السلام أقروا بالإسلام ديناً لهم. قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾} يونس:72{. وأبينا إبراهيم عليه السلام هو أول مَنْ اختار الإسلام والاستسلام لله رب العالمين، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ {البقرة:131}. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾. {الأنعام162ـ 163}. وإبراهيم هو الذي اختار لنا اسم المسلمين، قال تعالى: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ }الحج:78{.

وسأل إبراهيم وإسماعيل الله وهما يبنيان الكعبة في مكة أن يجعلها مكاناً للعبادة قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾} البقرة: 127ـ129{. ووصى بها إبراهيم ويعقوب بنيه، قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾} البقرة:132ـ133{.

والآيات السابقة تجمل معاني وأبعاد الصراع، فلهذا الدعاء وزنه في الصراع القائم بين اليهود والجماعة المسلمة في نزاع عنيف متعدد الأطراف. أن إبراهيم وإسماعيل يقولان باللسان الصريح: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾، وهما بهذا وذاك يقرران وراثة الأمة المسلمة لأمانة إبراهيم، إذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى ويدعي دعواهم العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة فليسمع: إن إبراهيم طلب الوراثة لبنيه والأمانة، فقال له ربه: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، ويواجه القرآن الكريم الذين تنازعوا الأمة المسلمة الإمامة، وينازعون الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم النبوءة والرسالة ويجادلون في حقيقة دين الله الأصيلة الصحيحة قائلاً: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. هذه هي ملة إبراهيم الإسلام الخالص الصريح لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه سفيه عليها مستهتراً بها، إبراهيم الذي اصطفاه ربه في الدنيا إماماً، وشهد له في الآخرة بالصلاح، إذ قال له ربه أسلم فلم يتلكأ واستجاب فور تلقى الأمر ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. هذه هي ملة إبراهيم ولم يكتفِ إبراهيم بنفسه بل أوصى بها بنيه ويعقوب (إسرائيل) وصى بها بنيه أيضاً، وذكرهما بنعمة الله عليهم في اختيار الدين لهم ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، وهي الفرصة السانحة، فقد جاءهم الرسول الذي يدعوهم إلى الإسلام، وهي ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم).

والإسلام هو ما دعا يوسف عليه السلام أحد أبناء يعقوب أن يتوفاه الله عليه، قال تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ }يوسف:101{. وهو الاسم الذي وصفت به الملائكة بيت لوط عليه السلام عندما جاءت لعقاب قومه، قال تعالى: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ }الذاريات:36{. والإسلام هو دعوة موسى عليه السلام لقومه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾} يونس:84{. وهو ما أعلن فرعون إيمانه به أثناء هلاكه وأنه دين بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾} يونس:10{. والإسلام هو دعوة داود وسليمان عليهما السلام، فقد أرسل سليمان إلى بلقيس: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾} النمل:30-31{.

وعندما اشتد توبيخ عيسى عليه السلام وفضحه لكذب أحبار اليهود تآمروا عليه، وأحس منهم الكفر والغدر والتآمر عليه، سأل عن أنصاره وأجابه الحواريين وأشهدوه على إسلامهم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ }آل عمران:52{. ذلك يعني أن عيسى عليه السلام دعا بني إسرائيل إلى الإسلام، إلى ملة إبراهيم عليه السلام الذي اصطفاه الله في الدنيا وجعله في الآخرة من المقربين.

ولأن الإسلام كان دعوة عيسى عليه السلام فإن عدد ليس بالقليل من النصارى الذين لم يُختم على قلوبهم آمنوا بمحمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم من بداية دعوته وهو في مكة، وأعلنوا على الملأ وللتاريخ أن هذا الدين ليس بجديد عليهم، وإنما هو ما دعا إليه أنبياؤهم، وأن محمداً صلَ الله عليه وعلى آله وسلم هو النبي الذي بُشروا به. لذلك عندما وفد على الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم وهو في غمرة ما كان يلاقيه هو وأصحابه من العذاب والإيذاء أول وفد من خارج مكة؛ لفهم شيءٍ عن الإسلام، وكان بضعة وثلاثين رجلاً من نصارى الحبشة، جاءوا مع جعفر بن أبي طالب لدى عودته إلى مكة، فلما جلسوا إلى رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم واطلعوا على صفاته وأحواله وسمعوا ما تلاه عليهم من القرآن آمنوا كلهم، فلما علم أبو جهل أقبل إليهم قائلاً: لم أرَ ركباً أحمق منكم، أرسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيراً، فنزل في حقهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ {القصص: 52-55}. وهذا فيه دلالة على أن إيمانهم إنما هو استمرار للإيمان السابق، ولِما كانوا يتمسكون به من دين وعقيدة ومعناه أن الإنجيل الذي كانوا يؤمنون به كان يأمرهم بالإيمان بهذا النبي المكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، ولهذا فإيمانهم لم يكن انتقالاً من دين إلى  دين جديد، بل هو امتداد لدين واحد، كما جاء في الآية الكريمة ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾.

ويلخص الإمام (الشهرستاني) في كتابه “الملل والنحل” الدليل والخلاف في هذه القضية بقوله: (والمسلمون قد بينوا أن الأمتين قد بدلوا وحرفوا، وإلا فعيسى كان مقرراً لما جاء به موسى عليه السلام، وكلاهما مبشران بمقدم نبينا نبي الرحمة صلوات الله عليهم أجمعين، وقد أمرهم أئمتهم وأنبياؤهم وكتابهم بذلك، وإنما بنى أسلافهم الحصون والقلاع بقرب المدينة لنصرةفرسول آخر الزمان، وأمروهم أن بمهاجرة أوطانهم بالشام، إلى تلك القلاع والبقاع حتى إذا ظهر وأعلن الحق بعد أن هاجروا إلى يثرب هجروه وتركوا نصره، وذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ {البقرة:89}. وإنما الخلاف بين اليهود والنصارى ما كان يرتفع إلا بحكمة إذ كانت اليهود تقول: ﴿لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾، وكانت النصارى تقول: ﴿لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ {البقرة:113}. وكان النبي عليه السلام يقول: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ {المائدة:68}. وما كان يمكنهم إقامتها إلا بإقامة القرآن، وتحكيم نبي الرحمة، رسول آخر الزمان. فلما أبوا ذلك ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ {البقرة:61}.

وقد ختم الله تعالى في كتابه العزيز بأنه الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي نزل من عنده تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ {آل عمران:19}، وأن الإسلام هو الدين الوحيد المقبول عند الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ {آل عمران:85}. لذا فليس هناك دين سماوي على وجه الأرض سوى دين واحد هو الإسلام من لدن آدم إلى محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام، أمن به واعتنقه أتباع الرسل على مر العصور والأزمنة، وقد كان كل رَسول من الرُسُل يمثل حجراً في بناء صرح وحدة الأمة المؤمنة، وهذه الحقيقة هي جزءً أساسياً من العقيدة الإسلامية، ومحمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم أكمل الله به صرح النبوات وختم به الرسالات. رُوي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم قال: “مثَلِي ومثلُ الأنبياءِ من قبلِي كمثلِ رجلٍ بنَى بنيانًا فأحسنَهُ وأجملَهُ . إلَّا موضعَ لبنةٍ من زاويةٍ من زواياهُ . فجعلَ النَّاسُ يطوفونَ به ويَعجبونَ له ويقولونَ : هلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنةُ ! قال فأنا اللَّبِنَةُ . وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ” وفي روايةٍ : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مثَلي ومثَلُ النَّبيِّين” قال: “فأنا اللَبِنة وأنا خاتم النبيين”.

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم النبي صلَ الله عليه وعلى آله وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: “ما هذا؟” قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: “فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه”. قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فرأَى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراءَ، فقال : ( ما هذا ) . قالوا : هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومَ نجَّى اللهُ بني إسرائيلَ من عدُوِّهم، فصامه موسى . قال : ( فأنا أحقُّ بموسى منكم ) . فصامه وأمَر بصيامِه .

ذلك تصديقاً من رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم لدعوة موسى عليه السلام فالأنبياء جميعهم إخوة يصدق فيهم اللاحق السابق، وجميع الأنبياء السابقين لمحمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم يؤمنون به، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ }آل عمران:81 – 82{. لذلك وعدُ الله تعالى أن يُظهر دين الحق الذي أرسل به محمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم على الدين كلِّه، أي الدعوات السماوية السابقة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ }التوبة:33{. وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ }الصف:9{. وشهد سبحانه على هذا الوعد في مرةٍ ثالثة اقترب تحقُّقها بإذن الله لِخير البشر ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾ }الفتح:28{. كما أخبر الله تعالى أن الدين قد اكتمل، وأنه أتم نعمته سبحانه على عباده، ورضي لهم الإسلام ديناً، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ }المائدة:3{.

ومن نعمة الله تعالى على المسلم أنه يعترف بجميع الأنبياء والرُسل ويؤمن بهم ولا يُفرق بين أحد منهم ولا يفضل واحداً على آخر؛ لأن الأصل في العقيدة الإسلامية هو: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾ {البقرة:285. فالله واحد والأنبياء وحدة واحدة وأمتهم أمة واحدة، والُوعُود التي قُطعت لهم عالمية، لا تخص قوم أو شعب دون شعوب العالم.

التاريخ: 15/6/2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com