أحد الوحدة الثّلاثيّة الإلهيّة ج  2019..لا ثلاثة ولا  شِرك ولا عجب، بل الله وكلمته وروحه، يا عرب!(يوحنّا 16: 12- 15)(بقلم الأب بيتر مدروس)

قالها الرّاهب إبراهيم الطّبراني (بداية القرن التّاسع الميلاديّ) إلى الأمير عبد الرّحمن الهاشميّ (فقرة 234- 235): “ليس الأمر كما تفكّرون: إنّما نعرف الله بكلمته وروحه”. والحقّ هذه المرّة على المسيحيّين (كما في تعريب “الغفرانات” الخاطىء!) إذ يعبّرون باليونانيّة والعربيّة مثلاً عن “الوحدة الإلهيّة الثّلاثيّة” بلفظة “ثالوث” التي لا تدلّ مع الأسف إلاّ على ثلاثة ، “ونحن لا نقول : ثلاثة” بل إله واحد بكلمته وروحه. وما توفّق العرب بلفظة “أحد” لأنها تطلب مضافًا إليه كقولك “أحد الأرباب” (حاشى) أو أحد المعلّمين، ولعلّها نقل حرفيّ للنعت العبريّ “إيحاد” (تثنية 6: 4) الذي يعني “واحد، الأحد”. أمّا اللّاتين فقد وُفقوا هذه المرّة في لفظة واحدة مركّبة هي “ترينيتاس”(ومنها الإنكليزية ترينيتي Trinity من “تراين يونيتي   “Trine Unity”) أي الوحدة الثلاثيّة.

أفكار تتكرّر: “الثالوث” أكبر مشكلة للمسلمين مع المسيحيّة”!

هذا ما أعلنه، أحد “أمراء الجماعة الأحمديّة”، على فضائيّته من لندن، في برنامج “الحوار المباشر”، مع أنه ليس مباشرًا بما أنّ أربعة أحمديّين في الأستوديو في حين لا يشارك سواهم إلاّ عن طريق الهاتف. صحيح أنّ الإسلام لا يعترف بالأحمديّة أي “القديانيّة” التي أسّسها ميرزا غلام أحمد (الهنديّ) سنة 1906. ولكنها في هذا الأمر تشترك مع الإسلام ليس فقط في رفض “الثالوث”، بل في حسبانه “أعظم مشكلة مع المسيحيّين أو النّصارى”. أوّلاً، ليس الكلام صحيحًا إلاّ في نصّ قرآني واحد ينهى المسيحيين “أن يقولوا ثلاثة” (سورة النساء 4، آخر 171). والنصوص القرآنية الأخرى التي تقول “كفر الذين قالوا أنّ الله ثالث ثلاثة” (سورة المائدة 5 ، 73) فلا تنتقد موقف المسيحيّة التي تؤمن بإله واحد بكلمته وروحه، وثانيًا لأنّ “الثّلاثية” التي يلحد إليها القرآن هي الله وعيسى ومريم. وهذه “الثّلاثية” ليست الإيمان المسيحيّ.

ثالثًا، أجاب أحد الكهنة، على الهاتف، بدقائق معدودة، ردّ على “أمير الجماعة في فلسطين” فورًا: “لا يا حضرة الأمير! ليس “الثالوث الأقدس” أكبر مشكلة بيننا معشر المسيحيين وبينكم أيها المسلمون والأحمديّون (لاحظ التّمييز!) فهذه قضيّة قديمة جدًّا بيننا وبين “أولاد عمّنا” اليهود منذ عشرين قرنًا”. وفعلاً، هكذا هو الأمر.

لماذا تكلّم المسيح عن “الأب والابن”؟

في قراءة اليوم وفي الفصول 14 – 16من إنجيل يوحنا يذكر يسوع “روح القدس” أو “الباراقليط، روح الحقّ، “والحقّ” هو الله. وهنالك غلطة شائعة عند المسيحيين النّاطقين بالضّاد (وحتّى الآن لا سبيل إلى إصلاحها!”) يقولون “الروح القدس” كأنّ “القدس” صفة أو نعت، في حين أنها اسم كقولك “مدينة القدس”. والأصل العبري والآراميّ هو “رواح هقودش” و “روحا دي قودشا” ويجب نقله “روح القدس” أي “روح القداسة” بالامتياز والكمال أي روح الله القدوس.

استخدم يسوع تشبيه “الأب” وهنا أيضًا غلطة شائعة عند المسيحيين بتأثير السّريانية “آبو” والكلدانية “آبا” فالعربيّة لا تعرف “آب” إلاّ بمعنى رجع (بطرس البستاني “قطر المحيط”). نعم، استخدم يسوع تشبيه “الأب” لتعوّد الشّعب العبريّ على أنه تعالى أب له (وله وحده، فهو الطّفل المدلّل!) وأنّ الشّعب اليهوديّ ابن لله (إرميا 31: 20). وكان صعبًا على السيّد المسيح، له المجد، أن يعلن لهم: “أنا تجسّد كلمة الله الأزليّ”!

خاتمة :الله وكلمته وروحه تعالى: إله واحد !

عندنا أيضًا، نحن المسيحيّين، الله هو الأحد، “لم يلد ولم يولد” جسديًّا بل روحانيًّا معنويّا مجازًا، كقولك عن أحدهم “أبا المكارم” وعن الكلمة “بنت الشّفة” وعن العابر “ابن السّبيل”…وفي العهد الجديد، عند الرسول الحبيب يوحنا الذي تلقّى الوحي الإلهام، كآخر الرّسل  أي الحواريّين زمنًا وأصغرهم سنًّا، تعريف آخر يُكمِل العنصر ثلاثي الوحدة هو: “الله محبّة”. ولعلّ قواعد اللسان اليونانيّ الكلاسيكيّ ثم الهليني اللاّحق، تفرض علينا أن ننقل العبارة بالتّعريف في الخَبَر: “الله هو المحبّة”، المطلقة الربّانيّة المُحبّة المحبوبة (وهذا أحد معاني لفظتَي “الرحمن الرحيم” في الأدب المسيحيّ حسب اللّسان الآراميّ).  وتقول الفلسفة: “المحبة تنشر نفسها” ، ففي الله الوحدة ليست وحشة، وفيه تعالى المحبة لذاته الإلهيّة ولكل مخلوقاته.

“يا ربّ، أجعلنا واحدًا كما أنت واحد!”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com