رائحة التمر حنّة.. رشاد أبو شاور.. بقلم/ مهند طلال الأخرس

رائحة التمر حنة.. كتاب من ٢٠٧ صفحة لرشاد أبو شاور إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة ١٩٩٩، وهو عبارة عن مجموعة من الخواطر والنصوص تجتمع في كتاب واحد لتنقل لنا مشاهدات وانطباعات زيارته لفلسطين، فرشاد أبو شاور ابن ذكرين واللاجيء منها منذ عام ١٩٤٨ والنازح عن فلسطين ومخيماتها منذ عام ١٩٦٧ يتحصل على تصريح زيارة بدعوة من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية (بعد تأسيس السلطة الوطنية)، وبعد النكبة والنكسة وبعد سنين ضارية وغارقة في التشريد في عدة عواصم يعود ذلك الحب الذي لم ينقطع أصلًا في كل مسيرته وفي كل آماله وأعماله الأدبية يعود ذلك الحب إلى التفجر من جديد طارحا تلك الخواطر لمشاهداته وانطباعاته لتلك الزيارة التي سمحت له باستعادة التاريخ وباستعادة الذكريات والأحلام والأمنيات من جديد .

في هذا الكتاب المزدحم بالحكايا والدموع والذكريات أن تمعنت في كثير منها تجد نفسك وكأنك تطالع لب الحكايا وبؤر الحبكات من كتابات رشاد السابقة واللاحقة، فأنت تنظر إلى شغاف القلب وتنظر إلى كبد الحقيقة الواسعة التي سبق لك وأن قرأتها أو اطلعت عليها نتيجة تجربة آبائك وأجدادك، أم لأنك قرأتها في كتاب آخر سواء لرشاد أو كاتب فلسطيني آخر ، أم هي كل ذلك وأكثر، ربما شيء من هذا وذاك، فهذه سيرة يختلط فيها الخاص بالعام وتلك حكاية معظم الشعب الفلسطيني وميزته الأثيرة.

في هذا الكتاب أن تمعنت جيدًا ستجد نفسك قد قرأت الكثير من فصوله بالتفصيل في مجمل أعمال رشاد أبو شاور الروائية والقصصية وحتى المقالات؛ ففي هذا الكتاب تجد نفسك تقرا في رواية العشاق ووداعا يا ذكرين والحب وليالي البوم وشبابيك زينب وآه يا بيروت هذا عداك عن انك تمسك بتلابيب كثير من قصصه مثل عازف اليرغول هذا أيضًا إلى اطلاعك على صفات وسمات هذا الكاتب والعاشق لفلسطين الأرض والإنسان.

يطوف رشاد أبو شاور بنا كعادته بين ثنايا الوطن وحكاياه، ولا يبخل علينا بالسماح لنا بالتجوال معه كرفيق للدرب وكسادن للذاكرة بكل آلامها وآمالها، نستشعر معه الونات والآهات والحب المتجدد لفلسطين ذلك الحب الذي لا يمكن أن ينتهي أو يموت.

في هذا الكتاب يسجل رشاد أبو شاور لرحلته ويوثق لها منذ لحظة هبوطه إلى “جسر اللنبي” فيأخذنا برفقته في ثنايا الذاكرة أولا ومن ثم لا يبخل علينا بأن نسير معه في مدن فلسطين كل فلسطين، دون أن ينسى أن يقص علينا كثيرًا من سيرته في ذكرين ومن ثم في مخيمات أريحا عين السلطان والنويعمة وعقبة جبر ويتحفنا بكثير من ذكريات الزمن الجميل المعطر برائحة أشجار التمرحنة، ويكمل تجواله وتنساب خواطره وكذلك آهاته ودمعاته وهو يصحبنا في ربوع فلسطين وجبالها وبحرها ومدنها وقراها وطرقاتها مستعرضا لنا خلال هذا التجوال كثيرا من سطور التاريخ ومروياته التي تؤكد عروبة هذه الأرض وانتسابنا إليها حبا وطواعية.

في هذا الكتاب أن لم تسنح لك فرصة الجلوس مع أجدادك وسماع حكايتهم وذكرياتهم عن أيام البلاد فبإمكانك قراءة هذا الكتاب. فرشاد في هذا الكتاب يوفر لنا فرصة الجلوس مع الأجداد مرة أخرى، لكن هذه الجلسة وهذه الرحلة في مرافيء الذاكرة مع رشاد هي جلسة بمحض إرادتنا إذا رغبنا أن نعود للوطن. فرشاد في هذا الكتاب ينوب عن كل أجدادنا الذين غابوا وبقيت الحكاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com