كيف يبدو المشهد في القدس؟إعداد: وسام محمد*

يواصل الاحتلال احتلاله لمدينة القدس عاصمة فلسطين المحتلة، وصعد خلال السنوات القليلة الماضية  مشاريعه التهويدية في المدينة بهدف تتويجها كعاصمة له على الأرض كما أقرها الرئيس الأمريكي دونالدو ترمب بقراره في 14 كانون أول 2017.

واتخذ الاحتلال مسارات عدة في مشروعه التهويدي الذي يستهدف الأرض والسكان والمقدسات بهدف تزوير هوية المدينة العربية وزرع مكانها هوية يهودية جديدة.

ويتقلّب المشهد في القدس على رتابة، مشروع الاحتلال التهويدي الساعي إلى السيطرة الكاملة على القدس، جغرافيًا وتاريخيًا وديمغرافيًا، ومشروع الصمود والمواجهة في أرض تنتطق جذورها بهويتها وتاريخها.

ويحظى المشروع الأول بدعم أمريكي لا محدود وصمت دولي لا مثيل له، وتطبيع لم يشهده التاريخ، فيما يحظى المشروع الثاني بشعب صامد مقاوم، ووعد من الله بالنصر.

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالدو ترمب إلى سدة الرئاسة بدأت تتضح معالم صفقة خبيثة سميت بصفقة القرن، تهدف لتصفية القضية الفلسطينية وتشريع الاحتلال في فلسطين.

وأصدر ترمب بعد نحو عام من ولايته قرارًا بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي ونَقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وتَبع ذلك سلسلة من الإجراءات والقرارات التي تستهدف جوهر القضية “القدس – اللاجئين- الحدود”، وتماشى الاحتلال مع هذه القرارات بسلسلة من الإجراءات الميدانية التهويدية ودفع عدد من الدول للسير على نهج الولايات المتحدة الأمريكية لنقل سفارة بلادهم إلى القدس والاعتراف بالاحتلال كما فعلت أمريكا، والعمل على تحضير المنطقة العربية والإسلامية لهذه الصفقة بدءً من اللقاءات التطبيعية وصولًا إلى تفاهم سياسي استراتيجي بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي في العمل المشترك لما يسمى “حل القضية الفلسطينية” وهذا ما تجلى في ورشة البحرين الاقتصادية التي عقدت في المنامة في 25-26 حزيران 2019.

وتسعى الإدارة الأمريكية إلى ضرب وكالة الأونروا الشاهد الدولي على قضية اللاجئين، فيما يعمل الاحتلال على استهداف الوكالة ميدانيًا وطردها من مدينة القدس وتصفية قضيّة اللاجئين، بهدف ضرب أهم عنصرين في القضية الفلسطينية ” القدس- اللاجئين”، فلا يعقل أن تكون عاصمة للاحتلال ويسكن فيها فلسطينيون مقدسيون أو فلسطينيون هجروا من حيفا ويافا، وهم الآن شاهدين على نكبة حلت بهم وبوطنهم.

وصعد الاحتلال الإسرائيلي مشاريعه التهويدية في مدينة القدس المحتلة من خلال تكثيفه للاستيطان الذي استوحش قلب القدس وأطرافها، ووافق على آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات المنشأة منذ سنوات أو تلك التي يستحدثها مؤخرًا. وهدم الاحتلال مئات المنازل العربية في مدينة القدس المحتلة خلال السنوات القليلة الماضية تحت حجج واهية أبرزها البناء غير المرخص، فيما يحاول قتل الروح المقدسية من خلال إجبار المقدسيين على هدم منازلهم بأنفسهم، فضلًا عن أشكال متنوعة من الهدم لأصحاب العمليات الفدائية كإغلاق منازلهم بالباطون المسلح، ويواصل الاحتلال اتباع سياسة “الاستيلاء والتسريب” وهي سياسة قديمة جديدة يستعملها للسيطرة على منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة والتموضع في وسط الأحياء العربية بغية جعلها أحياء نافرة للسكن العربي، وكثّف الاحتلال وجمعياته العمل بهذه السياسة الممنهجة التي تتوكل فيها الجمعيات اليهودية عن طريق شراء المنازل عبر وسطاء فلسطينيين أو عرب بمالغ مالية ضخمة وعقود معقدة.

المسجد الأقصى وخطر التقسيم

يستمر الاحتلال في مشروعه التهويدي بالسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى المبارك وتحقيق الوجود اليهودي الدائم داخل المسجد من خلال تكثيف الاقتحامات وتشريعها باقتحامات سياسية وتشريعات قانونية فضلًا عن محاربة عناصر حماية المسجد الأقصى المبارك.

وعمل الاحتلال خلال السنوات الماضية على ضرب ومواجهة أبرز عناصر الدفاع عن الأقصى وفي المقدمة منها، حظر الحركة الإسلامية في الداخل المحتل والتي كان لها دور بارز في دعم واسناد الأقصى برئاسة الشيخ رائد صلاح، بالإضافة إلى حظر حركة الرباط ومصاطب العلم في الأقصى، ما جعل الأقصى شبه وحيدًا أمام اقتحامات المستوطنين الصهاينة.

وفي مسار آخر، يحاول الاحتلال الإسرائيلي اقتطاع قسم من الأقصى ليكون مخصصًا لليهود ضمن ما يعرف بالتقسيم المكاني بعد أن قطع شوطًا في التقسيم الزماني.

وباختصار، فإن التقسيم الزماني يعني تخصيص وقت حصري اليهود للصلاة داخل الأقصى من الساعة السابعة صباحًا حتى صلاة الظهر ومن بعد صلاة الظهر حتى الساعة الثانية، فيما يخصص وقت آخر للمسلمين للصلاة فيه وهي الأوقات الخمسة المخصصة للصلاة، بينما يأتي التقسيم المكاني، لتقسيم المكان نفسه بين المسلمين واليهود حيث تسعى سلطات الاحتلال للسيطرة على المنطقة الشرقية للأقصى وتخصيصها لليهود.

وتتعرض جميع المقدسات في القدس المحتلة لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، وكذلك الأمر مع الكنائس والأديرة المسيحية التي لم تسلم من عنصرية الاحتلال ومستوطنيه الذين يواصلون التهجم والاعتداء على الكنائس وخط الشعارات العنصرية على جدرانها، وإحراق عدد منها، فيما يواصل الاحتلال سياسة الابتزاز ضد الكنائس المسيحية من خلال المطالبة بضرائب مرتفعة جدًا مع مفعول رجعي لعشرات السنوات، ونجح الاحتلال في تخفيض عدد المسيحيين في القدس المحتلة إلى نحو 1% فقط بعد سلسلة من الإجراءات التي والسياسات والاعتداءات.

ويواجه المقدسيون حربة شرسة تستهدفهم وتستهدف وجودهم وممتلكاتهم وأرزاقهم، حيث يعمل الاحتلال على اعتقال العشرات منهم بشكل يومي تحت حجج واهية، ويمارس أبشع أنواع التعذيب بحقهم لأنهم أصحاب الأرض، فيقتل ويضرب وينكل بآخرين بهدف تدمير روحهم النضالية الأمينة على الأرض والمقدسات.

صمود وانتصار

ورغم قساوة المشهد، إلا أن مشاهد النصر كانت حاضرة وجلية في القدس وفلسطين خلال العامين الماضيين، ففي شهر تموز 2017 انتصر المقدسيون على الاحتلال الإسرائيلي في “هبة باب الأسباط” وأجبروا الاحتلال على التراجع عن قراراته التعسفية العنصرية وإزالة الأبواب الإلكترونية وكاميرات المراقبة التي وضعها في محيط المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة في القدس المحتلة، وذلك بعد أسبوعين من الرباط والمواجهة عند باب الأسباط، وفور تراجع الاحتلال عن إجراءاته، دخل عشرات الآلاف من الفلسطينيين المسجد الأقصى المبارك بمشهد أقرب إلى النصر النهائي. وفي شهر شباط 2019 انتصر المقدسيون أيضًا على الاحتلال الإسرائيلي ونجحوا في فتح مصلى باب الرحمة بعد 16 عامًا من الإغلاق، وفرضوا شروطهم على الاحتلال الإسرائيلي ودخل مئات المصلين المصلى وأقاموا صلاتهم فيه بعد أن ظنّ الاحتلال أنه أجهز على المنطقة الشرقية من الأقصى وسيطر عليها بالكامل ( بما فيها مصلى باب الرحمة ) ضمن مشروع التقسيم المكاني. وما بين عام 2017 و 2019 وما قبلهما وما بعدما، تبقى أرض القدس وفلسطين مشتعلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، فلا القدس وأحياءها ومخيماتها وشوارعها تهدأ طالما بقي الاحتلال فيها، ولن تهدأ كل فلسطين حتى يعود الحق لأصحابه وتعود المقدسات لهذه الأمة.

هذا ما يحصل في القدس وفلسطين، نصر وصمود ومواجهة رغم بطش الاحتلال وعنصريته، فيما شعوب أمتنا لم تنس فلسطين وقضيتها وهم على قناعة تامة أن فلسطين أرض مباركة لا وجود لمحتل فيها ولا بقاء له على هذه الأرض، فالأرض عربية كانت وستبقى وهؤلاء الجنود ليسوا سوى احتلال زائل، فقدمت شعوب أمتنا الدعم الشعبي والسياسي والمعنوي والمادي للقدس وفلسطين وتبرأوا ممن طبّع مع الاحتلال وشاركه جرائمه واحتلاله.

وفي غزة والضفة وكل فلسطين نضال مستمر منذ عقود لم يتوقف ولن يتوقف حتى تعود الأرض لحضن هذه الأمة العريقة، ولن يوقف الفلسطينيون نضالهم ومقاومتهم حتى يكنسوا هذا الاحتلال البغيض ويخرجوه من فلسطين. فلا قرارات ترمب ولا غيرها يمكن أن تغير الحق وتسلبه من أهله، وسيسقط قرار ترمب وستبقى القدس وستبقى فلسطين.

*صحفي متخصص في شؤون القدس
مؤسسة القدس الدولية 
نحميها معاً .. نستعيدها معاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com