الغربال لا يحجب أشعة الشمس.. طلال عوكل

الادعاء الذي لا يتوقف من قبل بعض الفلسطينيين، بأن مؤتمر البحرين فشل، وأنه ولد ميتاً، يحتاج إلى شرح وتبرير، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني، مجتمع ذكي وفاعل، ويدرك حقيقة وأبعاد الأحداث. إن مجرد غياب الفلسطينيين عن حضور المؤتمر، لا يشكل أساساً لادعاء فشله، ذلك أنه يعني من بين استنتاجات أخرى لا تقل أهمية أن جزءاً من العرب الفاعلين، لم يعودوا متقيدين بالضوابط التي تحكم السياسة إزاء مقتضيات القضية الفلسطينية.

لا ينفي هذه الحقيقة، كثرة الادعاءات، التي تصدر عن مسؤولين عرب، بأنهم لن يقبلوا إلاّ ما يقبل به الفلسطيني، أو انهم لا يزالوا ملتزمين بدعم الحقوق الفلسطينية.

هؤلاء العرب، كانوا قد اتخذوا في قمة سابقة، قراراً بمقاطعة الدول التي تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فمتى اتخذ العرب قراراً؟ لا يستطيعونه بحق الولايات المتحدة، ولكن ماذا عن قدرتهم على ممارسة ذلك القرار على دول طرفية، أخذت الموقف ذاته الذي اتخذته الولايات المتحدة؟

في زمن سابق، كان شمعون بيريس قد تحدث في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، عن أن مزاوجة رأس المال العربي، بالتكنولوجيا الإسرائيلية من شأنها أن تحول الإقليم إلى جنة.

كانت اتفاقيات كامب ديفيد، ومن بعدها اتفاقية وادي عربة، قد تأسست من بين قضايا أخرى، على إقامة تحالف بين البرجوازية الإسرائيلية والبرجوازية العربية، التي ترى مصالحها خارج سياق الصراع وتبحث عن مصالحها الخاصة بمراكمة المزيد من الأموال.

لذلك، وبالرغم من مرور عقود على اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، ورفض المجتمعات للتطبيع مع إسرائيل، فإن الأخيرة لا تبدي اهتماماً أو انزعاجاً من موقف وسلوك المجتمعات العربية الرافضة للتطبيع طالما أن العلاقة والشراكة قائمة ومستقرة مع أنظمة الحكم.

مؤتمر البحرين، بمجرد انعقاده بحضور وفد إسرائيلي مدني، وبقيادة الولايات المتحدة، يشكل مؤشراً متقدماً نحو نجاح فكرة شمعون بيريس. المؤتمر لم يربط ولو بالكلام، بين السلام والازدهار الاقتصادي، فالكلام عن السلام صادرته الولايات المتحدة، بقراراتها العملية، حين شطبت الحق في القدس، والحق في العودة، وحين اعتبرت الاستيطان شرعياً بحكم الأمر الواقع، وهي تتجه نحو دعم إسرائيل في توجهها نحو ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية.

العرب هم الذين سيدفعون من خزائنهم، تكاليف المشاريع التي يجري الحديث عنها في إطار خطة الازدهار الاقتصادي، الأمر الذي سيفتح الأبواب مشرعة أمام تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، بما يفتح الطريق، أيضاً، للتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري.

العرب عليهم أن يدفعوا مرتين على الأقل، التفريط بالحقوق الفلسطينية والعربية، ودفع تكاليف خدمة مصادرة تلك الحقوق، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية.

صحيح أن موقف الرفض الفلسطيني من شأنه أن يشكل عقبة أمام إمكانية التسريع في تنفيذ ذلك المخطط، ولكن السؤال هو انه أمام إصرار الولايات المتحدة، وتخاذل العرب، هل يمكن أن يؤدي هذا الرفض فقط إلى المخطط؟ لقد قطع العرب شوطاً في طريق التطبيع مع إسرائيل، والدعوة لقبولها عضواً في النادي الشرق الأوسطي، بالرغم من وضوح الموقف الفلسطيني فهل سيتراجعون، أو يخجلون من متابعة الانخراط في هذا المخطط؟ يقتضي المخطط، وفق ما أفادت به بعض التسريبات، عما تحدث به، جاريد كوشنر، قيادة فلسطينية، إما القيادة الحالية في حال الموافقة وهي لن توافق، أو استبدالها بقيادة فلسطينية أخرى لا تنتمي إلى الفصائل، أو السياسة.

إذاك فإن من المتوقع أن تكثف الولايات المتحدة وإسرائيل من حملاتها للضغط، وشن حملات إعلامية، وربما مؤامرات، لتشويه صورة ومواقف القيادة الفلسطينية، وبموازاة ذلك، تحضير البدائل، وتلميعها. المطلوب قيادة تنتمي إلى عالم الأعمال الفلسطيني، والعمل الاقتصادي غير الوطني لتكون شريكاً للبرجوازيات العربية والإسرائيلية في رحلة البحث عن الازدهار الاقتصادي.

ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان والحسابات، أن الرئيس الراحل ياسر عرفات، قد قضى بقرار أميركي إسرائيلي، حين استنتج هؤلاء أنه يشكل عقبة أمام المخططات الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن يكون بعض القادة العرب، على علم مسبق بالقرار الأميركي الإسرائيلي، وخلال مسيرة التحقيقات بشأن أسباب وفاة الرئيس عرفات، تواطأت دول كثيرة من بينها أصدقاء للشعب الفلسطيني، وامتنعت عن تقديم المساعدة أو كشف الحقائق رغم علمها بها.

هذا الوقت هو وقت الالتفاف الشعبي حول الرئيس والقيادة الفلسطينية على كل ما يمكن تسجيله من انتقادات وملاحظات، شرط أن يستمر الموقف على صلابته ودون أن يدعي أحد أن الواقع القائم في الساحة الفلسطينية هو على أفضل حال. وهذا هو وقت امتحان الوطنية الفلسطينية لكل من يدّعي حرصه على حقوق الشعب، لإقفال صفحة الانقسام، الذي يشكل عقبة كأداء أمام إمكانية تعزيز منطق المواجهة لإفشال هذا المخطط أو على الأقل، تخفيف الأضرار والثمن. هنا تتجلّى القيادة التاريخية، التي تعلي المصلحة الوطنية فوق المصالح والحسابات الفصائلية أو الذاتية، فمن سيبادر لفتح الأبواب المغلقة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com