من يُخرج منظمة التحرير الفلسطينية من غرفة الإنعاش؟.. مهند إبراهيم أبو لطيفة

تفرض التحديات الجديدة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، مراجعة شاملة للحالة الفلسطينية، بغرض تحقيق أفضل وضع تنسيقي بين قوى الشعب المنظمة، شريكة العمل الوطني الفلسطيني. وبما أن المصالحة هي المطلب الشعبي الدائم على أساس تطوير إستراتيجية للصمود ومقاومة الاحتلال ومشاريع التصفية، وتهميش الشعب الفلسطيني، فلا بد أن تكون أيضا من أولويات القيادات الفلسطينية في هذه المرحلة.

من أكبر الأخطاء  التي يمكن أن ترتكبها الحركة الوطنية الفلسطينية، هي استمرار وجود منظمة التحرير الفلسطينية – للأسف – في غرفة الإنعاش. فمنذ تأسيسها عام 1964 ، وبالرغم من التناقضات والمشاكل الكبيرة التي واجهتها ، إلا أنها حققت الكثير من النجاحات ولعبت أدوارا مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية، وحققت التفافًا شعبيا كبيرا حولها من قبل الشعب الفلسطيني، وكانت رايتها تُعبر عن الهوية الوطنية والتمثيل الفلسطيني.

وبالرغم من السلبيات الكثيرة، التي رافقت مسيرتها، إلا أنها قامت بأدوار مهمة في المحطات الفاصلة ، وساهمت بدوائرها المختلفة ( العسكرية ، الإعلامية، الثقافية، التنظيم الشعبي، الشؤون الاجتماعية، الإدارية، الصندوق القومي، شؤون الأرض المحتلة ) في تأكيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ودعم وجوده وصموده واستمرارية نضاله، ورسخت حضوره على مختلف الأصعدة.

ليست منظمة التحرير الفلسطينية مُلكا لفصيل أو إطار بعينه، بل هي أداة كفاحية طورها الشعب الفلسطيني، بفضل تضحياته ودمائه وكفاحه، هي مُلك أجيال خاضت غمار العمل الوطني  في الداخل والخارج وفي المخيمات، مُلك من دعمها وساندها من أحرار العرب والأمميين. ولا يجوز بأي حال من الأحوال استمرار تهميشها أو السماح بمصادرة دورها التاريخي تحت أي ظرف من الظروف.

ما زالت قطاعات عريضة من الشعب الفلسطيني ، تراهن على نهوض هذه المنظمة، وتحملها لمسؤولياتها لتحقيق غرضين أساسيين:

أولا: العمل على تحقيق المصالحة على أسس جديدة ، واقعية وعملية ، عنوانها الصمود والمقاومة.

ثانيا: قيادة العمل الوطني، والتعبير عن التمثيل الحقيقي الأوسع لشعبنا الفلسطيني.

لم تعد المتغبرات السياسية الدراماتيكية ، تسمح بأن تغيب منظمة التحرير عن أداء دورها في هذه المرحلة، ولا تملك الحركة الوطنية ترف إستمرار حالة الجمود والتباطوء، وعلى القيادة الفلسطينية أن تتخذ قرارات وإجراءات تاريخية ، تتجاوز الضغوط الكبيرة والحصار الذي تتعرض له.

لقد طرأ على منظمة التحرير الفلسطينية ، ومنذ نشأتها الكثير من التغيرات الفكرية والهيكلية ، وما زال بالإمكان إحداث مثل هذه التغيرات لصالح دعم صمود ووحدة شعبنا، وأيضا إعادة هيكلة المنظمة بما يتيح المجال لأوسع مشاركة ممكنة من قبل قوى العمل الوطني.

من يراجع تاريخ الحركة الصهيونية، يُدرك أن أحد أهم أسباب نجاحها، إضافة للحليف الداعم، هو تراكم التجارب والخبرات الإيجابية والبناء عليها ، وتقدير أهمية التكاملية والتعددية في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.

تقف منظمة التحرير الفلسطينية  الآن أمام الاختبار الأصعب في تاريخها، فإما أن تنهض من بين الرٌكام ، وتكون وبحق الجهاز التنفيذي للشعب وحركته الوطنية ، وإما ستتجاوزها الأحداث، وسيكون من الصعب أو شبه المستحيل ، أن تقوم لها قائمة في المستقبل. فإن لم تؤدي دورها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ القضية الفلسطينية ، فستفقد آخر ما تبقى لها من رصيد، خصوصا بين الأجيال الشابة التي لم تكن شريكة في معارك المنظمة من أجل وجودها ودورها خصوصا منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة.

في مرحلة من مراحل التاريخ، كانت  عصابات ” الأرجون ” الصهيونية ، توزع المنشورات في بعض المدن والقرى العربية ، تعرض على العرب الفلسطينيين ، أن تضمن لهم التمتع بالمساواة والحكم الذاتي ، شريطة أن يقبلوا بالعيش كأقلية في وطنهم، وإلا ستكون نتيجة مقاومتهم  الطرد والتصفية. ومن يتابع بدقة ما يجري حاليا من تطورات في المنطقة، يُدرك أن هذا هو أقصى ما يتم عرضه على المستوى السياسي. لكن شعبنا رفض في ذلك الوقت هذا الإبتزاز والتهديد ، والتحجيم لوجوده وحقوقه، وما زال يقدم الشهيد تلو الشهيد ، وما زالت السجون تستقبل وتودع الأحرار من الشعب الفلسطيني وأغلبهم تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.

ساهم مئات الآلاف من شعبنا الفلسطيني بعرقه وطاقته وماله وعمره من أجل حريته،  وهو يهتف بحياة منظمة التحرير الفلسطينية، وخاض المعارك الدموية من أجلها ، كانت عنوانه العريض ، ورافعة حُلمه من أجل العودة والتحرير والاستقلال، وهو لا يريدها أن تدفن هذا الكفاح الطويل والمرير تحت التراب.

من لا يتقدم شعبه في المنعطفات التاريخية، عليه أن يتوقع أن يبحث الشعب عن بدائل جديدة، وهي موجودة وأصبحت خيارا لقطاعات كبيرة جدا من شعبنا الفلسطيني، فهل ما زال بالإمكان انتظار أن تُبعث في المنظمة روح جديدة ؟

في عام 1923 كتب الزعيم الصهيوني زئيف جابوتينسكي يقول:

”  من المستحيل أن نتصور إمكانية التوصل إلى إتفاق نهائي تلقائي، بيننا وبين عرب أرض إسرائيل… سواء كان ذلك الآن أو في المستقبل المنظور… إن كل أمة سواء كانت متحضرة أو بدائية تؤمن بأن أرضها ، هي وطنها القومي ، الذي تريد أن تبقى مهيمنة عليه إلى الأبد ،ولا يُمكن أن تفكر مثل هذه الأمة أو تقبل بوجود سيد جديد، أو حتى بوجود شريك لها..”.

وعندما أصبح مناحيم بيغن رئيسا للوزراء، عمل على أن يكون هناك حاجز حديدي بين الكيان والعرب الفلسطينيين ، لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية.

وهذا ما يجب أن يكون جوهر أي دور مستقبلي ، يمكن أن تقوم به المنظمة – لو كُتب لها أن تخرج من غرفة الإنعاش- المشروع الوطني الواضح والقوة الحديدية، على كافة المستويات. لقد تغيرت الظروف والمُعطيات، وعلى  القيادات الفلسطينية أن تسترجع روحها المقاومة وتتذكر رفاقها الذين إرتقوا طوال المسيرة ، فلم يعد يُسمع صوت اللجنة التنفيذية من رام الله ، حتى وهي تصدر بيانا رافضا  لمؤتمر المنامة يصل كالهمس الخجول، بينما كانت بيانات منظمة التحرير الفلسطينية سابقا ، يصل صداها إلى أقصى مكان يتواجد فيه الفلسطيني على كوكب الأرض، لأنها كانت صدى صوت شعبها في خضم كفاحه.

من منطلق الحرص على وحدة شعبنا الفلسطيني وصموده وعنفوانه ، يجب  إعادة الاعتبار للمنظمة وتفعيلها وإعطائها فرصة لتكون عنوانا لانطلاقة جديدة، تجمع كل ألوان الطيف الفلسطيني، وتوحد شتات الشعب في الداخل والخارج.

منذ البدبات الأولى كان جوهر الصراع مع الاحتلال واضحا، وهو وجودي بطبيعته ، وما زال وسيبقى كذلك، وما مر من تجارب هي دروس ومسارات اضطرارية، ولكن تجاوزتها الأحداث الآن، ولا يفل الحديد سوى الحديد، إستحقاقات المرحلة القادمة واضحة كل الوضوح، إما أن أن تكون أو لا تكون. وشعبنا لن يحزم حقائبه للسفر أو الهجرة القصرية مجددا إلى خيام اللجوء وذل الغربة والمنافي.

 ولا يملك فقراء شعبنا تذاكر سفرجاهزة ولا ضمانات أو جنسيات وحسابات خاصة في البنوك. ليس أمامهم من خيارات سوى الصمود وإستمرار الكفاح الوطني، ولا يحمل الفلسطيني الذي يعيش في المنفى في عقله وقلبه أعز وأغلى من وطنه، وحُلمه  الدائم هو عودته إلى أرضه وأرض أجداده، وتحقيق كرامة وحرية شعبه، وهي أغلى من كل جنسيات الدنيا، وإمتيازات وظروف معيشة أفضل في أية بقعة على الأرض.

يحتاج شعبنا الفلسطيني، إلى بندقية حركة حماس المقاومة البطلة  و عقيدة حركة الجهاد الإسلامي الملتزمة ، وباقي الفصائل التي تُمارس المقاومة المشروعة ، ويحتاج إلى الروح الثورية الواقعية  لدى أبناء حركة فتح الرصاصة الأولى ، وليسار مقاوم كالجبهة الشعبية، وباقي فصائل العمل الوطني. ويحتاج لأجراس الكنائس وآذان المساجد ، هذا الكل الفلسطيني هو شعبنا الفلسطيني، دون إقصاء أو استعداء.

على أخوة ورفاق الشهداء….والأسرى…والمنفيين في بلاد الغربة…أن يُخرجوا منظمة التحرير الفلسطينية من غرفة الإنعاش ، لتقوم بدورها الوطني  قبل فوات الآوان. روحنا نائمة فمن يوقظها ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com