سياسات معالجة تشوّه هيكل الاقتصاد الفلسطيني لبناء اقتصاد مقاوم

هذه الورقة من إعداد: سعيد الآغا، مادلين الحلبي، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج “التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات” الذي ينفذه مركز مسارات – الدورة الخامسة 2018-2019.

مقدّمة

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من تشوه هيكلي يحد من قدرته على مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تستهدفه، ويمنعه من تحقيق أهدافه كاقتصاد وطني مستقل.  لم تستطع خطط التنمية الفلسطينية منذ العام 2008 وحتى الآن، أن تعالج هذا التشوه؛ وتتزايد الأسباب المؤدية إليه وتتنوع ما بين ذاتية وخارجية، ولكل منها تأثيره.

هنالك اتفاق كبير بين علماء التنمية والاقتصاد على أن القطاع الصناعي هو القطاع الرائد في أي عملية تنموية، وأن الإنتاج هو العمود الفقري لأي اقتصاد، ولكن هذا لا يعني أن يشكل قطاع الصناعة نقطة البداية نحو التحول الهيكلي في الأراضي الفلسطينية.  ما يميز هذه الورقة أنها تراعي الحالة الآنية للاقتصاد الفلسطيني التي تحتم علينا التوجه نحو معالجة الاختلالات الهيكلية في القطاعات المساندة للإنتاج؛ تمهيداً للتوجه نحو القطاع الصناعي.

لم يتم تعريف الاقتصاد المقاوم، بشكل علمي، في أيٍّ من الأدبيات السابقة، ولكن يمكن الاستدلال على المعنى المراد منه من خلال نموذج فنزويلا بعد وصول هوجو تشافيز للرئاسة في العام 1998، ثم غزة بعد العام 2007، إضافة إلى النموذج الإيراني بعد العقوبات العام 2012، أما النموذج الأكثر ريادة الذي سبقهم، فقد كان في كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991.

يمكن تعريف الاقتصاد المقاوم بشكل إجرائي بأنه “مجموعة السياسات والإجراءات الاقتصادية، التي يتخذها بلد ما لمواجهة عقوبات تقع عليه، عبر أدوات محلية تقلل الاعتماد على الخارج إلى أقصى درجة، والتحول نحو اقتصاد تكيفي، يسعى إلى إيجاد حلول إبداعية للأزمات المحلية والخارجية وتجاوزها”.

المشكلة السياساتية

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من اختلال قطاعي واضح في بنيته، يمكن الاستدلال عليه من مساهمة القطاعات المنتجة في الناتج المحلي الإجمالي.  بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” (UNCTAD)،[1] فقد أدى هذا الاختلال إلى ضعف القدرة على حماية القاعدة الإنتاجية، وبخاصة قطاعي الصناعة والزراعة، اللذين لم تتجاوز مساهمتهما 13%، و3% على التوالي من الناتج الإجمالي المحلي، إضافة إلى زيادة الاعتماد على قطاع الخدمات، وهو من القطاعات غير المتبادلة، وقيمتها المضافة منخفضة، وتشكل ما يزيد على 76% من الناتج الإجمالي المحلي،[2] فيما يعرف (بالمرض الهولندي) أو اللاتصنيع.[3]

في السياق ذاته، يتضح انحياز العمالة للقطاعات غير المنتجة في الاقتصاد الفلسطيني، فقد وصلت نسبة استيعاب قطاع الخدمات وحده 63% من العاملين بأجر في الأراضي الفلسطينية، فيما لم تساهم الصناعة إلا بنسبة 13%، ولم تتجاوز مساهمة القطاع الزراعي 7% من إجمالي العاملين بأجر.[4]  ولا يزال القطاع العام يشغل حوالي 25% من القوى العاملة، فقد أنفقت السلطة على الرواتب حوالي 7 مليارات شيكل، بنسبة 50% من إجمالي نفقاتها في موازنة 2018، شكلت رواتب الداخلية والأمن أكثر من 45% منها.[5]

إن النهج الاقتصادي المتبع حالياً، والمنطلق من فكرة اقتصاد الدولة، مضافاً إليه المنهج الاقتصادي النيوليبرالي الذي تم اتباعه في السنوات العشر الأخيرة منذ العام 2008، أدى إلى إحداث تأثيرات عميقة في اتجاهات المواطن الفلسطيني الاستهلاكية، التي لا تنسجم بالمطلق مع دخله المتاح.  يذكر أن نسبة الاستهلاك النهائي إلى الناتج المحلي الإجمالي وصلت إلى حوالي 120%.[6]  ما سبق ساهم، وبشكل مباشر، في ضعف الصادرات الفلسطينية، وتعميق العجز في الميزان التجاري الذي تجاوز 5 مليارات دولار لصالح الواردات، منها 3.5 مليارات دولار قيمة العجز التجاري بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لصالح إسرائيل.[7]

يضاف إلى ذلك الضغوطات والتقييدات الإسرائيلية التي ليس أقلها بروتوكول باريس الاقتصادي؛ فقد حاولت السلطة الفلسطينية ممارسة وظيفتها ضمن الإطار والضوابط الإسرائيلية -المتمثلة في سياساتها الاقتصادية والأمنية- المقيدة لسياسات السلطة الفلسطينية وبناها المؤسسية، ولم تستطع، منذ البداية، مقاومة هذه السياسات، ما أدى إلى مزيد من التشوه في هيكل الاقتصاد الفلسطيني، الذي بدوره عمق من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

أهداف الورقة

الهدف العام

تقديم آليات تساهم في تعزيز قدرة الاقتصاد الفلسطيني على مواجهة السياسات الإسرائيلية، وتنظيم العلاقات الاقتصادية الفلسطينية والحد من التبعية للاحتلال.

الهدف الخاص

  • اقتراح سياسات تساهم في معالجة تشوه هيكل الاقتصاد الفلسطيني، عبر تعزيز مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج الإجمالي المحلي، وهو ما سوف يؤدي إلى توليد مزيد من فرص العمل، والحد من العجز التجاري المتزايد لصالح الواردات.
  • اقتراح حلول تساهم في معالجة تضخم الجهاز البيروقراطي وتشوه هيكل النفقات العامة.

هيكل الاقتصاد الفلسطيني

إن الإشارة لوجود هيكل اقتصادي فلسطيني لا يعبر بالضرورة عن تكامل هذا الهيكل وصحة أدائه، ولا يظهر صورة الاقتصاد كما في الدول التي تملك السيادة الكاملة على قرارها.  يشير الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية إلى مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تتم ممارستها في عدد من المناطق التابعة لإدارة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي مناطق منقوصة السيادة بفعل السياسات والإجراءات الاقتصادية والأمنية الإسرائيلية، كذلك القيود التي يفرضها اتفاق باريس الاقتصادي، وتتمثل في القطاعات الآتية:

قطاع الخدمات

تتنوع الأنشطة الخدمية حسب ارتباطها بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، لذلك تعرّف الخدمات بأنها النشاطات التي لا تندرج تحت مظلة القطاع الصناعي والزراعي والإنشائي، والتي صنفت حسب المعايير الدولية لتصنيفات القطاعات الاقتصادية الصادرة عن الأمم المتحدة (ISIC3)[8] إلى: خدمات الإنتاج (الخدمات الوسيطة) وتشمل الأنشطة العقارية، وخدمات الأعمال والوساطة المالية، وخدمات التوزيع (الخدمات التقليدية) كتجارة الجملة والتجزئة والنقل والتخزين، خدمات الاتصالات والإقامة والطعام، إضافة إلى الخدمات الاجتماعية المتضمنة للإدارة العامة والتعليم والصحة.

يعدّ قطاع الخدمات الأعلى من حيث نسبة المساهمة في الناتج الإجمالي المحلي بنسبة تصل إلى 64%، وتتماشى هذه النسبة في مجملها مع النسب السائدة في الاقتصادات المتقدمة، فيما يختلف هيكل الخدمات؛ بحيث ترتفع نسبة مساهمة خدمات التوزيع والخدمات الاجتماعية لتصل مجتمعة إلى حوالي 81% من إجمالي ناتج الخدمات، ويأتي ذلك على حساب مساهمة الخدمات الإنتاجية الوسيطة، التي لا تتجاوز مساهمتها 15%.  حسب المنطقة تساهم الخدمات الاجتماعية بنسبة 60% من إجمالي ناتج الخدمات بغزة، فيما تساهم خدمات التوزيع بنسبة 47% من إجمالي ناتج الخدمات بالضفة، أما خدمات الإنتاج، فهي متساوية تقريباً في المنطقتين.[9]

يساهم قطاع الخدمات، أيضاً، في تشغيل حوالي 63% من إجمالي المستخدمين بأجر في الاقتصاد الفلسطيني، أما في هيكل الخدمات، فتصل أعلى مساهمة للخدمات الاجتماعية، وتليها خدمات التوزيع، حيث تشغلان ما نسبته 80% من إجمالي المستخدمين بأجر في قطاع الخدمات، فيما تساهم خدمات الإنتاج بنسبة 4% فقط منها.[10]

يتضح أن الاقتصاد الفلسطيني في مظهره الرئيسي يعتبر اقتصاداً خدمياً، تستحوذ خدمات التوزيع التقليدية على النسبة الأكبر منه، أما خدمات الإنتاج فهي محدودة جداً، فعلى الرغم من مساهمتها التي تصل إلى السدس في إجمالي ناتج الخدمات، فإنها ذات قدرة محدودة جداً في عملية التشغيل، ما يساهم في تعزيز ارتهان السلطة وقراراتها للعلاقات الخارجية.  يزيد التوسع في خدمات الإنتاج من فرص توسع القطاع الصناعي وما يرتبط به من قطاعات أخرى تساهم جميعها في تشكيل اقتصاد فاعل نحو تحقيق أهدافه، وبالتالي مزيد من الاستثمار وخلق فرص العمل، وهو ما يعزز من انتماء الفرد لأرضه والتوجه للقيام بدوره كمواطن فاعل.

القطاع الصناعي

تقدر مساهمة أنشطة الإنتاج السلعي حوالي 22.3%من الناتج الإجمالي المحلي للعام 2017، ويمثل القطاع الصناعي أكثر من نصف هذه المساهمة بنسبة تصل إلى 13%، فيما تساهم بحوالي 13.1% من إجمالي العاملين بأجر.[11]  يتميز الهيكل الصناعي الفلسطيني بالبدائية وضعف القدرة على التطور.  وعلى الرغم من وجود مشروعات تجارية وصناعية عريقة عملت في السوق الفلسطيني لزمن طويل، فإنها لم تستطع أن تطور منتجاتها، أو تحقق التوسع والانتشار مالياً أو حتى جغرافياً.

تمثل الصناعات الاستخراجية حوالي 12% من قيمة الناتج الإجمالي الصناعي، فيما تعد الصناعات التحويلية هي المسيطرة على القطاع الصناعي المحلي، وتعتمد بنسبة كبيرة على الصناعات الغذائية والمنتجات الزراعية.[12]  يعتبر السوق المحلي على الرغم من صغره المستوعب الأول للإنتاج المحلي، في ظل وجود ميزات تنافسية عالية لصالح الاقتصادات المجاورة، تحد من قدرة المنتج المحلي أمام منتجات مشابهة؛ فنجد أن ارتفاع متوسط الأجور في الصناعة الفلسطينية، يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، ويسهم في إضعاف تنافسية المنتج المحلي، ويلاحظ أن متوسط أجور العمالة غير الماهرة الفلسطينية أعلى بنسبة 25% من مثيلاتها في تركيا، و74% في الهند، أما متوسط الأجور، بشكل عام، فهو أعلى من الأردن بحوالي 44%، ومن مصر 65%.[13]  ما سبق لا يمثل السبب الوحيد في تدني تنافسية المنتج الفلسطيني، ولكن فرض القيود والضرائب على تدفق المواد الأولية اللازمة للصناعة بسبب الإجراءات الإسرائيلية، يمثل سبباً رئيسياً في الحد من تنافسيته لصالح السلع الأجنبية والإسرائيلية المدعومة، التي تحظى بميزات تفضيلية مقابل السلع الفلسطينية.

بلغت إنتاجية الدولار في الأراضي الفلسطينية 1:3.25 في العام 2016، وهي نسبة متدنية جداً يعود السبب فيها إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج (أجور مرتفعة وإنتاجية منخفضة)، أما نصيب العامل من القيمة المضافة، فقد تراجع من 0.48 في العام 2000، حتى وصل 0.31 العام 2016.  إن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتدني كفاءة عنصر العمل يؤديان، بشكل مباشر، إلى ضعف القدرة التنافسية للمنتج الفلسطيني محلياً وخارجياً.[14]

ما زالت المنشآت الصناعية تعاني، بشكل كبير، من ضعف التكنولوجيا وعوامل الابتكار، وبخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، التي تمثل حوالي 90% من القطاع الخاص الفلسطيني، (وهنا يبرز دورها المهم في توليد فرص عمل جديدة، وتقديم نماذج أعمال مبتكرة تساهم في تحسين الإنتاجية للفرد والمنشأة، كذلك فإن فرصتها للمناورة في السوق المحلي، والاتجاه نحو تدويل خدماتها، يزيدان من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على مقاومة إجراءات الاحتلال الموجهة للشركات الكبرى ذات الوزن النسبي المرتفع في رأس المال الفلسطيني، التي يمكن لإسرائيل الحد من عملياتها بسهولة)، هذا إضافة إلى عدم قدرة القطاع الصناعي على التشابك خلفياً مع مخرجات التعليم والابتكار، وأمامياً مع الأسواق ومتطلباتها، وأيضاً عدم القدرة على توظيف التوسع في قطاع الخدمات لخدمة الصناعة.

قطاع الإنشاءات

تبلغ مساهمة قطاع الإنشاءات في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 6.5%، فيما يساهم في تشغيل حوالي 17.2% من العاملين بأجر، إضافة إلى كونه يمنح أعلى معدل أجر يومي بين القطاعات الاقتصادية يصل إلى 181 شيكل/يوم.[15]  تنطلق أهمية هذا القطاع من كونه شريكاً رئيسياً في عملية التنمية وتسريع النمو، وذلك لارتباطه بالعديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، إضافة إلى كونه جاذباً للعمالة والاستثمار، ويسهم في توليد فرص عمل متنوعة للعديد من التخصصات.

على الرغم من الطفرة التي شهدها هذا القطاع بعد إنشاء السلطة الفلسطينية -وبخاصة البنية التحتية والإسكان- حتى وصلت مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي إلى 26% العام 2000، فإنها تراجعت، بشكل مستمر، بفعل الإجراءات الأمنية والإغلاقات المتكررة حتى وصلت العام 2007 إلى 13.8%.[16]  ثم جاء عدوان 2014 على قطاع غزة، فخلف دماراً غير مسبوق في المنشآت والبنية التحتية تم تقديره بـ 10 آلاف وحدة سكنية ومبنى خدمي كتدمير كلي، و34 ألف مبنى كتدمير جزئي.[17]

لا يزال النمو في قطاع الخدمات متعطلاً، وفي تراجع، ويرجع ذلك إلى جهود إعادة الإعمار غير المنتظمة بما فيها خطة سيري[18] لتدفق مواد البناء عبر المعابر، إضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تقلل من الكميات الموردة لقطاع غزة من حديد تسليح وإسمنت، وهو ما يزيد من الزمن المتوقع لإتمام إعادة الإعمار، الذي إذا استمر بهذه الوتيرة قد يصل إلى عشر سنوات.

قطاع الزراعة

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية حوالي 1.854 مليون دونم، 91% منها في الضفة الغربية، فيما تشكل المناطق الزراعية المصنفة (ج) حوالي 63% من إجمالي المساحة الزراعية، وهي مناطق لا تزال تحت السيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية.  وتعتبر الزراعة أحد أهم وأقدم القطاعات الاقتصادية الفلسطينية عبر الزمن، إلا أن مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي تراجعت بشكل ملحوظ، حتى وصلت إلى 3.1% من إجمالي الناتج، فيما تساهم بحوالي 7% من إجمالي العاملين بأجر.[19]

تزيد معاناة المزارعين بفعل الإجراءات والقيود الإسرائيلية المرتبطة بمزاجية إسرائيل في السماح بتصدير المنتجات الزراعية الفلسطينية؛ سواء للضفة أو الدول الأخرى، وهو ما يمنع الاستفادة من أسعار التصدير الجيدة، ما يزيد من المعروض منها في السوق المحلي، وهو ما يعني تدني الأسعار وخسارة المزارع.  على الجانب الآخر، تقوم إسرائيل بالتعامل مع الأراضي الفلسطينية كفناء خلفي للتخلص من نفايات بضائعها في السوق الفلسطينية، واستخدام سياسة الإغراق في ظل غياب سياسات فلسطينية حمائية تجاه المزارع والمنتج المحلي في مواجهة المنتج المستورد.

ولا يقتصر دور الزراعة على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث حماية الحقوق المائية، وحماية الأراضي من المصادرة، والحد من توسع البؤر الاستيطانية في الضفة؛ أي إن الزراعة تعتبر إحدى أهم أدوات مقاومة الاحتلال، وبخاصة أنها نشاط يمكن أن يتم في مناطق (ج) بسهولة، ولا يرتبط بتصريح وموافقة أي جهة.

الاقتصاد الفلسطيني والتنمية

وضعت السلطة الفلسطينية على مدار السنوات العشر السابقة (2008-2018) مجموعة من خطط الإصلاح والتنمية تبعاً للأزمة المالية التي عانت منها، كنتيجة للحصار الإسرائيلي والمقاطعة الدولية، وما تسببت به من تراجع ملحوظ في أداء القطاعات المنتجة، برفض حماس قبول شروط الرباعية الدولية، بعد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني العام 2006.

ابتداءً بخطة الإصلاح والتنمية (2008-2010)، ثم خطة إقامة الدولة وبناء المستقبل (2011-2013)، وتبعها خطة التنمية الفلسطينية (2014-2016)، وأخيراً أجندة السياسات الوطنية-المواطن أولاً (2017-2022)، فإن جميعها استندت إلى رؤية تنموية وسياسات جل تركيزها على مجموعة من الأهداف المشتركة الآتية:[20]

تحقيق الاستقرار المالي

  • خلق بيئة لتعزيز القطاع الخاص، من خلال امتلاك اقتصاد معرفي منفتح على الأسواق الأخرى.
  • الحفاظ على الموارد المادية والبشرية وتطويرها.
  • تشييد المناطق الصناعية وتطوير قطاع الطاقة البديلة.
  • استصلاح الأراضي، أيضاً توسيع السيطرة على الموارد الطبيعية.
  • تطوير البنية التحية المادية والمؤسسية والقانونية مع الالتزام بمعايير الاستدامة.
  • تشجيع الريادة والابتكار بين الشباب.

تمكنت الحكومات المتعاقبة من تحقيق بعض الإنجازات الإصلاحية من حيث بناء المؤسسات، وتأهيل البينية التحتية، إلا أن إخفاقات في الأداء الكلي للاقتصاد الفلسطيني، حالت دون تراكم الإنجازات باتجاه تحقيق التنمية، في حين عكست المؤشرات الاقتصادية عدم استقرار، سواء في الضفة أو في قطاع غزة -حيث كان أكثر وضوحاً بفعل الحصار ومشكلة الانقسام وسيطرة حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة- في النمو الإجمالي، وتباطؤاً في نمو دخل الفرد، وارتفاعاً في نسب البطالة والفقر، وتزايداً في الإنفاق الاستهلاكي مع مستويات ادّخار محلية سالبة، واختلالاً في هيكلية الموازنة وتشوهات هيكلية في القطاعات، وأشارت إلى ضعف شديد في السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، وهيمنة إسرائيلية على التدفقات السلعية.[21]

يعاني الإطار الذي تقوم على أساسه خطط التنمية من ثلاث نقاط ضعف أساسية:

  • لا تركز أهداف السياسة العامة على مواجهة أهم التحديات القائمة.
  • لا يوجد ما يلزم الحكومة بالأهداف من حيث البرامج والإجراءات.

ويضيف (الخالدي 2016) أيضاً، الفجوة القائمة بين ما هو مرغوب من جهة، وما هو متاح للسلطة من أدوات السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وموارد لتحقيق الأهداف الطموحة من جهة ثانية.

الاقتصاد الفلسطيني .. التشوه الهيكلي والأداء الكلي

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من تشوه في قطاعاته وأدائه، ويظهر هذا التشوه من خلال معدلات النمو الضئيلة، وضعف القاعدة الإنتاجية، والتحول نحو الاستهلاك، إضافة إلى فقد القدرة على توليد فرص عمل جديدة، ثم التضخم غير المبرر في الجهاز البيروقراطي.

معدلات نمو غير معتبرة وغير مستدامة

يمثل النمو الاقتصادي أحد أهم مقومات الصمود الفلسطيني، وعلى الرغم من الزيادة التي يشهدها الناتج الإجمالي المحلي؛ فإن الاقتصاد الفلسطيني لم يستطع النجاح في تحقيق تراكم في النمو يمكن أن يفضي إلى تنمية حقيقية ومستدامة، في ظل زيادة الاحتياجات نتيجة للزيادة في السكان.  وقد بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي العام 2016 حوالي 4.7%، وتلاه العام 2017 بنسبة 3.1%، ثم جاء العام 2018 ليشهد نسبة نمو ضئيلة لم تتجاوز 0.7%.[22]

ويرجع السبب في ذلك إلى حالة النمو السالب التي حققها قطاع غزة، والتي وصلت (سالب 8%)، في حين أن نسبة النمو في الضفة لم تتجاوز 2.3%.[23]  وهو ما يوضح حالة الانكماش في أداء الأنشطة الاقتصادية وضعف مساهمتها في النمو.  يذكر أن تراجع المساعدات وانخفاض الإنفاق الحكومي، وتطبيق قانون التقاعد المبكر على موظفي السلطة، عزز من هذه الحالة بشكل كبير.

ضعف الإنتاج .. مجتمع استهلاكي

تمثل قطاعات الصناعة والزراعة والإنشاءات القطاعات المنتجة في الاقتصاد الفلسطيني، ولا تزيد مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مجتمعة على 23.5% العام 2018، وهي نسبة تعتبر متدنية جداً مقارنة بمساهمة الأنشطة الخدمية التي وصلت إلى 76%، والتي تعاني من تشوه واضح يرتبط بتدني مساهمة الخدمات الوسيطة في الناتج الإجمالي للخدمات، التي لا تتجاوز 15%، وهي خدمات محفزة وداعمة لعملية الإنتاج.[24]

يذكر أن مساهمة القطاعات المنتجة في الناتج الإجمالي المحلي تراجعت، بشكل كبير، منذ العام 2000، بعد أن ساهمت فيه بما يقارب النصف، فيما وصلت نسبة إجمالي التكوين الرأسمالي في حينه، إلى 34.2% من إجمالي الناتج الإجمالي المحلي، ووصلت نسبة الاستثمار إلى 25% منه.[25]

إن ضعف القاعدة الإنتاجية، واعتماد الأسواق على السلع المستوردة، وانحياز رؤوس الأموال والعمالة للأنشطة الخدمية، زاد من سلوك المجتمع الاستهلاكي، ورفع من قيمة الاستهلاك الكلي حتى وصل إلى 120% من الناتج المحلي، ما يعني ببساطة أننا نستهلك أكثر مما ننتج بنسبة 20%.[26]  ولتعويض نسب الاستهلاك المرتفعة، يجب تعويض نقص الأسواق المحلية من السلع، ولن يتم ذلك إلا عبر الواردات.  وصلت قيمة الواردات الفلسطينية 8730 مليون دولار، فيما بلغت الصادرات 2903 مليون دولار، ما يعني ميزاناً تجارياً فلسطينياً سالباً، وعجزاً يصل إلى حوالي 5822 مليون دولار، أي ما نسبته حوالي 40% من الناتج الإجمالي المحلي.  يذكر أن حوالي 75% من قيمة الواردات إسرائيلية المصدر، وحوالي 90% من قيمة الصادرات تتجه إلى السوق الإسرائيلي.[27]

فقد القدرة على توليد فرص عمل جديدة

إن افتقاد أي اقتصاد لمعدلات نمو معتبرة، نتيجة ضعف القاعدة الإنتاجية، وتراجع التكوين الرأسمالي والاستثمار، إضافة إلى كونه يعمل في ظل حالة عدم يقين مستمرة؛ يجعل منه اقتصاداً غير كفء، وغير قادر على تحقيق أهم الأهداف الاقتصادية، والمتعلقة بقدرة هذا الاقتصاد على توليد فرص عمل جديدة عبر التوسع في الأنشطة الاقتصادية.  ما سبق يعني، بشكل حتمي، تآكل الطبقة الوسطى، وهي الطبقة الأكثر استهلاكاً، والأكثر قدرة على الإنتاج، وبالتالي مزيد من الارتفاع في معدلات البطالة، وعجز سوق العمل عن استيعاب الخريجين من المؤسسات الأكاديمية، ثم زيادة في معدلات الفقر والعوز، ما يعني زيادة الاعتماد على المساعدات والإنفاق الاجتماعي للفئات الهشة، على حساب الإنفاق الموجه نحو الصحة والتعليم والإنفاق الرأسمالي، وبالتالي مزيد من الاستهلاك وغياب للادخار والاستثمار.

يقدر عدد السكان في فلسطين العام 2018 بحوالي 4.854 مليون نسمة، 46% منهم قوى عاملة، ومعدل بطالة يصل لحوالي 31%، فيما يصل في غزة وحدها لأكثر من 60%، ولم يتجاوز 18% في الضفة.  واصلت معدلات الفقر ارتفاعها حتى وصلت لنسب قياسية، حوالي 29% يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ساهمت غزة وحدها في أكثر من 70% من هذه النسبة، حيث إن حوالي 53% من سكان غزة يعتبرون فقراء، فيما يقبع حوالي ثلث قطاع غزة تحت خط الفقر المدقع، ولم تتجاوز النسبة في الضفة 5.8%.[28]

اختلال هيكل الموازنة .. تضخم الجهاز البيروقراطي

يرتبط أداء الموازنة الفلسطينية بالتطورات السياسية إلى حد كبير، وهو ما ينعكس على أداء الاقتصاد بشكل عام، ويظهر تأثر أداء الموازنة؛ إما من خلال ظهور أعباء إضافية على الموازنة في جانب النفقات، وهو ما حدث خلال الأعوام التي تعرضت فيها غزة للعدوان 2006، و2008، و2012، وأخيراً 2014، وإما من خلال تراجع جانب الإيرادات كما يحدث حالياً فيما يتعلق بتحويلات المقاصة.  يذكر أنها ليست المرة الأولى، فقد تكرر الأمر في الأعوام 2002، و2006، و2008، و2014.  أيضاً تراجعُ دعم الموازنة عبر المساعدات الدولية (كمصادر سهلة) يساهم في تراجع جانب الإيرادات.[29]

بلغ صافي الإيرادات العامة في موازنة 2018 حوالي 13504 مليون شيكل، 70% منها كانت عبر إيرادات المقاصة، أما الإيرادات المحلية، فوصلت إلى 4533 مليون شيكل.  وفيما يتعلق بجانب النفقات، فقد وصلت 18089 مليون شيكل، نسبة الرواتب والأجور فيها 50%، تلتها النفقات التشغيلية 24%، فيما لم تتجاوز النفقات الرأسمالية 1%.  ووصل عدد الموظفين الحكوميين في نهاية 2018 إلى 128038 موظفاً، 60% منهم موظفون مدنيون، يمثل موظفو الصحة والتعليم 70% منهم، فيما يشكل الموظفون العسكريون 40% من العدد الإجمالي.[30]

وعلى الرغم من سياسة الاحتواء التي اتبعتها الحكومة تجاه إنفاقها الموجه للأجور، فإن التدفقات النقدية ما زالت غير كافية، ويعود الخلل الهيكلي في فاتورة الرواتب الحالية إلى الأسباب الآتية:

  • التبعات المالية لقانون التقاعد العام، وما يتبعه من تحويلات المساهمة الإلزامية الحكومية.
  • النمو الطبيعي لفاتورة الرواتب من غلاء معيشة ووظائف جديدة في الضفة الغربية.
  • القطاع العام هو المشغل الرئيسي للعمالة الفلسطينية في ظل غياب دور القطاع الخاص.

بلغ عجز الموازنة الإجمالي للعام 2018 حوالي 4584 مليون شيكل، ويتم تمويل العجز إما عن طريق الدعم الخارجي للموازنة من المساعدات العربية والأجنبية وتمويل النفقات التطويرية، وإما عبر التمويل المحلي بالاقتراض من المصارف المحلية، فيما بلغ الدين العام الإجمالي في بداية 2018 حوالي 2458 مليون دولار، 41% منه ديناً أجنبياً، و59% ديوناً داخلية.  لقد حاولت الحكومة اتباع سياسات وإجراءات لتعزيز الإيرادات عبر رفع مستوى كفاءة التحصيل الضريبي وسياسة التحفيز الضريبي، فيما تراجعت المساعدات الخارجية الداعمة للموازنة من 1309 مليون دولار العام 2010، حتى وصلت إلى 500 مليون دولار العام 2018.[31]

ما زالت مستويات العجز الجاري في الموازنة مرتفعة، حيث تعتمد الحكومة على الدول المانحة في سد فجوة التمويل ودعم تراجع العجز، إلا أن حجم المساعدات تراجع بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ العام 2010، وتزايد التراجع بعد الإجراءات الأميركية بقطع المساعدات على السلطة والشعب، ما ساهم في تعميق هذه الفجوة.  ولمعالجتها، لجأت الحكومة إلى تأخير دفوعاتها للموردين، وتأخير التحويلات المستحقة لهيئة التقاعد، إضافة إلى تأخير جزء من مستحقات الموظفين، حتى أن التأخير طال جميع بنود النفقات تقريباً، ووصلت المتأخرات إلى حوالي 6% من الناتج الإجمالي المحلي، وهو ما زاد من حجم اقتراض الحكومة، حتى وصل الدين العام الإجمالي مع المتأخرات إلى حوالي 39% من الناتج الإجمالي المحلي.[32]

البدائل المقترحة

لتدارك الانهيارات المحتملة الناتجة عن الأسباب التي تمت الإشارة إليها مسبقاً، تطرح الورقة البدائل السياساتية الآتية:

البديل الأول: إعادة هيكلة القطاعات المساندة للإنتاج

يعتبر هذا البديل أن بناء القطاعات المنتجة، بشكل معتبر، لا يتم فقط عبر الدعم المباشر للقطاع الصناعي، ولكن بتهيئة الظروف الملائمة في القطاعات المؤثرة والمتشابكة معه، وهي قطاعات تتشابك أمامياً وخلفياً مع قطاع الصناعة، وتمهد لنمو منظم في القاعدة الإنتاجية، ويقلل من فرص انهيارها بسبب عوامل ذاتية على الأقل.  بحسب نظرية مراحل النمو الاقتصادي لـ والت روستو (Walt Rosto)،[33] فإن الاقتصاد الفلسطيني كان يعتبر في مرحلة ما بين التهيؤ للانطلاق ومرحلة الانطلاق، وقد كان ذلك واضحاً من خلال المؤشرات الاقتصادية العام 2000، قبل اندلاع الانتفاضة الثانية.  ويذهب هذا البديل باتجاه معالجة الأسباب الذاتية المتعلقة بالقطاعات الاقتصادية بشكل مباشر، عبر ثلاثة قطاعات لها تأثير مباشر على القاعدة الإنتاجية والقطاع الصناعي، وهي كما يأتي:

قطاع الإنشاءات

يتميز قطاع الإنشاءات الفلسطيني بوجود كفاءات عالية من أصحاب الشركات والعمال المهرة، نتيجة عملهم واحتكاكهم بقطاع الإنشاءات الإسرائيلي، واستفادتهم من التقنيات المتاحة هناك.  ساهم قطاع الإنشاءات في حوالي 26% من الناتج الإجمالي المحلي في فلسطين، وهي نسبة متقدمة ساهمت في ذلك الوقت بتطوير البنية التحتية في فلسطين بشكل عام، إضافة إلى بناء الآلاف من الوحدات السكنية لحل مشكلة العجز في توفيرها؛ إلا أنه الآن لا يتجاوز 6.5% بفعل الإجراءات والسياسات الإسرائيلية المختلفة.[34]  إن دعم قطاع الإنشاءات يمكن أن يساهم في توليد فرص عمل كبيرة، إضافة إلى استيعابه الكفاءات، وتنشيط القطاعات الاقتصادية المرتبطة به، والمتشابكة معه أمامياً وخلفياً، ويمكن دعم قطاع الإنشاءات المساند عبر مجموعة من السياسات الآتية:

  • إعادة تأهيل البنية التحتية المادية (شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق).
  • تحقيق أكبر استفادة ممكنة من المساعدات المقدمة في هذا المجال كالمنح (القطرية، السعودية، الكويتية)، وتوجيهها بالشكل الملائم للاحتياجات السكانية.
  • الشروع في بناء مقرات ودوائر الحكومة الفلسطينية في المحافظات لتحسين الخدمات.
  • تطوير الأنشطة المتعلقة بمواد البناء (قطع الحجر، إنتاج الأسمنت).
  • السماح لشركات الهندسة والمقاولات العربية والأجنبية بالدخول إلى السوق الفلسطيني عبر شركاء محليين.

قطاع الزراعة

تبرز أهمية هذا القطاع باعتباره قضية أمن قومي فلسطيني؛ بسبب الحاجة لتأمين الاحتياجات الغذائية للسكان الفلسطينيين، وعلى الجانب الآخر؛ يمثل أحد أهم المدخلات في أنشطة الصناعات الغذائية ذات المساهمة الأكبر في ناتج الصناعة الفلسطيني، فقد بلغت مساهمة الزراعة في الناتج الإجمالي المحلي في العام 1993 حوالي 32%، واستمرت بالتراجع حتى وصلت العام 2000 إلى 8.1%، وساهمت الزراعة الفلسطينية في تطوير قطاع الصناعات الغذائية كأحد أهم مدخلاته، إضافة إلى تصدير المحاصيل الفلسطينية المختلفة.[35]  إن الفرص الكامنة المتاح الاستفادة منها تعتبر مرتفعة، وغير محدودة في حال كانت هنالك سياسات وآليات متوازنة تتيح أكبر قدر من الاستفادة، وتقترح الورقة السياسات الآتية:

  • الاستفادة من المناطق (ج) وتوطين الزراعة فيها، لحمايتها من المصادرة، عبر تطبيق نموذج التحول الهيكلي (أرثر لويس-Arthur L) بشكل عكسي.[36]
  • التحول نحو تأسيس ودعم نماذج للتعاونيات الزراعية، وبناء شراكات مع تعاونيات خارجية ناجحة لتناقل المعرفة والخبرات.
  • تعزيز مشاريع الريادة والابتكار في مجال الزراعة، والتوسع في استخدام تقنيات مثل الزراعة المعلقة والمائية، وتقنيات أخرى، تساهم في رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف.
  • اعتماد أسلوب الزراعة الآمنة، مع وجود هيئة رقابية تعنى بسلامة الغذاء.
  • بناء محطات للتعبئة والتغليف والتجهيز للتصدير، مع توفير جهاز فحص السموم، وتحسين خدمات النقل والمواصلات والخدمات اللوجستية اللازمة.
  • التوجه نحو توسيع الاستزراع السمكي، والاستفادة من مخلفاته كسماد زراعي.
  • بناء محطات معالجة للمياه العادمة، بهدف إعادة استخدامها بشكل صحي في الزراعة.
  • وقف مزاحمة المزارع الخاص عبر برامج الزراعة الحكومية (في غزة) التي تستهلك من الموارد العامة دون تحقيق أي أرباح، والتوجه نحو برامج الدعم عبر إعادة تصميم عمليات وزارة الزراعة لتحقيق تدخلات أكثر فعالية.
  • التحول نحو توسيع قاعدة الإنتاج الحيواني، وهو ما يتيح التخلص تدريجياً من الاعتماد على السوق الإسرائيلي في اللحوم والأجبان والألبان.

قطاع الخدمات/الخدمات الوسيطة

إن أهمية قطاع الخدمات تجاه تعزيز الصناعة الفلسطينية تتضح من كون أن هذا القطاع يشكل النظير غير المادي للسلع، وهي كنشاط اقتصادي لا تؤدي إلى الملكية، وتتعلق بالأنشطة العقارية، خدمات الأعمال، الوساطة المالية، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات.  يعتبر كل من الأنشطة السابقة حجر زاوية في طريق أي نمو قد يحصل في أيٍّ من قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، وحيث إن هذه الخدمات -على الرغم أهميتها- لا تتجاوز 15%[37] من ناتج الخدمات الكلي؛ فإن ضرورة تقديم سياسات لتطويرها يعتبر أمراً عاجلاً، ويمكن تقديمها كما يلي:

  1. التطوير العقاري:
  • التوجه نحو جذب شركات تطوير عقاري كشركاء إستراتيجيين، يمكنهم المساعدة في تقديم حلول إسكانية مبتكرة، ويمكن أن تساهم في تغيير النمط الإسكاني المتبع حالياً إلى نمط أكثر فعالية واستدامة في ظل تقلص المساحات المتاحة للبناء وازدياد أعداد السكان.
  • منح القطاع الخاص فرصة التخطيط والتطوير والتمويل تحت إشراف ورقابة الحكومة.
  • فرض إجراءات محددة لحقوق العملاء والمطورين العقاريين، وهو ما سوف يسرّع من وتيرة النمو وجذب الاستثمارات.
  1. خدمات الأعمال:
  • استقطاب شركات استشارية أجنبية لتطوير نماذج أعمال جديدة تلائم البيئة الفلسطينية وتعمل لتكاملها من النظام العالمي، إضافة إلى المساعدة في توطين الاستثمارات الفلسطينية الخارجية.
  • تعزيز دور الاتحادات والغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال في صنع القرار الاستثماري؛ كونهم الجزء الأهم والأداة المحلية لتفعيله.
  • السعي إلى تنظيم فعاليات دورية للترويج والتسويق والتطوير، ما يساعد على ربط الاقتصاد المحلي بالخارجي، ويمنح فرص بناء شبكة علاقات محلية وخارجية.
  • إتاحة البيانات والإحصاءات الضرورية المؤشرة على طبيعة البيئة الاستثمارية المحلية.
  • بناء نموذج لتطوير سياسات خدمات الأعمال يشمل تحديد احتياجات لأصحاب المصلحة والمستفيدين والأسواق المستهدفة، وتحليل هذه الاحتياجات لبناء سيناريوهات وبدائل مواجهة المخاطر، يتبعها برامج ملائمة لتدخلات كفؤة.
  1. الوساطة المالية:
  • إطار سياساتي موجه للقطاع المالي والمصرفي نحو مزيد من التسهيلات لقطاع الأعمال، وللشركات الريادية خاصة.
  • إيجاد بدائل تمويلية للأنشطة الاستثمارية، مع ضمان أقصى قدر من السهولة للتحويلات الخارجية.
  • التوسع في سياسة الشمول المالي لتعزيز مبادئ الحوكمة، والسيطرة على حركة التحويلات للأفراد والشركات، ما يعني التخلص تدريجياً من الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، والحد من التهرب الضريبي.
  1. الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات:
  • إعادة النظر في سياسة المنافسة بين مزودي الخدمات، وبخاصة الهاتف المحمول والإنترنت لحماية البيئة الاستثمارية المحلية، يصحبها بناء سياسات حمائية تمنع تغول مقدمي الخدمة على المستفيدين واستغلالهم.
  • العمل على إيجاد مراكز دراسات وأبحاث مختصة بمواضيع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعنى بتقديم دراسات وصفية تحليلية للسوق المحلي، مع تبيان مواطن الفرص المحتملة لتطوير هذا القطاع.
  • العمل على بناء سياسة (الشمول التكنولوجي) بالتكامل مع قطاع التعليم؛ لمحاولة دمج جميع فئات المجتمع في هذا القطاع لاستخدامه في أعمالهم اليومية.
  • تطوير دليل إجراءات عقابي تجاه المخالفين للسياسات المحلية والمقترحة من أي جهة.

المعايير

المقبولية: يحظى هذا البديل بقبول عام، وبخاصة أن رئيس الوزراء د. محمد اشتية صرح بأنه سيسعى إلى بناء اقتصاد مقاوم ذي قاعدة إنتاجية قوية.

المعقولية: تتجلى معقولية هذا البديل كونه يحقق عملية البناء التراكمي من أسفل إلى أعلى نحو الإنتاج.

الربح والخسارة: إن استمرار الوضع الحالي لقطاع الصناعة دون دعم وتعزيز، يعني مزيداً من الخسارة في المنشآت والوظائف، وتآكلاً لرؤوس الأموال، ومزيداً من الاستيراد.

الرأي العام: يعتبر البديل مطلباً شعبياً لدى شرائح مجتمعية واسعة؛ كونه يساهم في توليد فرص عمل جديدة، ويوسع من عمل القطاع الخاص، ويساهم في جلب الاستثمارات.

البديل الثاني: تطوير الأداء الحكومي وتفعيل مبادئ الحوكمة

إن وجود خلل في تطبيق الأهداف التي أقرتها الحكومات المتعاقبة في خططها التنموية المتلاحقة منذ العام 2008، وبخاصة في ظل وجود موارد كان من الممكن أن تساهم في تحقيق هذه الأهداف، ينذر بوجود خلل في الأداء الحكومي، وفساد في المؤسسات الرسمية، يصحبه تدنٍّ لمستوى الرشادة في التعامل مع الموارد المتاحة بحسب تقرير واقع النزاهة في فلسطين للعام 2017.[38]  فليس كل الأمور يمكن إحالتها بشكل مباشر إلى الاحتلال، وهذا يتطلب تحقيق السياسات الآتية:

استكمال تطوير البنى التحتية المؤسسية

  • استكمال تطبيق قانون الخدمة المدنية على جميع الوزارات والمؤسسات.
  • الاتجاه نحو تراكم الإنجاز، وإلزام الحكومة بتنفيذ أهدافها.
  • الانتهاء من مدونة السلوك في الوظيفة العمومية.
  • تبني الأساليب الرسمية وغير الرسمية لتطوير أداء الموظفين.
  • استكمال بناء المؤسسات العامة التي تعاني من نقص الكادر والصلاحيات.
  • توحيد الأجهزة ذات الصلاحيات المزدوجة.

البنى التحتية القانونية

  • ملاءمة القوانين المحلية للاتفاقات الدولية.
  • تفعيل قوانين الاستثمار، والضريبة، والإعسار والإفلاس، والمنافسة ومنع الاحتكار.
  • توجه الحكومة نحو الدور التنظيمي مع مزيد من المساحة للقطاع الخاص.

البنى التحتية الاجتماعية

  • هيكلة نظام التعليم والمنظومة المرافقة له، مع هيكلة عمل الجامعات وربطها باحتياجات سوق العمل، إضافة إلى تشجيع برامج التعليم المهني.
  • اتباع سياسات إنفاق صحية متوازنة، مع تطوير البنية التحتية الصحية بشكل متكامل.
  • تنفيذ التأمين الصحي الإلزامي، وتطبيق قانون الضمان الاجتماعي.

مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الحوكمة

  • شفافية الإجراءات الحكومية مع جميع الجهات.
  • المصادقة على قانون الحق في الحصول على المعلومة.
  • مراجعة الامتيازات الممنوحة للفئات العليا من الموظفين.
  • حماية المبلغين عن الفساد من الادّعاء المضاد.

الحكومة الإلكترونية

إن استكمال العمل على الحكومة الإلكترونية يمثل فرصة مهمة للربط بين تنفيذ جميع السياسات السابقة لضمان الرقابة عليها، وتسهيل الالتزام بها.

المعايير

المقبولية: يحظى هذا البديل بقبول واسع في الأوساط الرسمية، إلا من بعض المتنفذين والمستفيدين.

المعقولية: تتمثل في كونه يتلاءم مع سعي الحكومة إلى تطوير أدائها، وأيضاً كونه غير مرتهن لأطراف خارجية، ويمكن العمل على تطوير الأداء ومكافحة الفساد بشكل متزامن.

الربح والخسارة: إن فرص الاستفادة من هذا البديل، سوف تظهر من حجم الاستفادة من الموارد المتاحة، فيما يمثل عدم تنفيذه مزيداً من الهدر.

الرأي العام: تحسن الأداء ومكافحة الفساد يعتبر مطلباً أساسياً لجميع الأطراف.

البديل الثالث: سياسات حكومية خارجية لدعم الاقتصاد الوطني

تتمحور فكرة هذا البديل حول قيام السلطة الفلسطينية والحكومة بالدخول في المعترك الدولي وتطويعه للاستفادة من الفرص المتاحة لخدمة الاقتصاد الفلسطيني، عبر تبني السياسات الآتية:

  • تحسين شروط المساعدات الدولية لتبني أوجه صرف جديدة.
  • الاستفادة من البنود التي تخدم الاقتصاد الفلسطيني من اتفاق باريس، مثل اللجنة الاقتصادية المشتركة، وتحويل عوائد المقاصة بشكل منتظم.
  • تفعيل الديبلوماسية الفلسطينية نحو خدمة الاقتصاد الفلسطيني.
  • الاستفادة من التكتلات الاقتصادية العالمية (ميزات تجارية، مواجهة السياسات الإسرائيلية، تحسين القدرة على التفاوض).
  • توفير البنية القانونية والفنية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (البديلان الأول والثاني).
  • سياسة اقتصادية موجهة نحو الدول العربية، تستند إلى رؤية سياسية نحو تحقيق مصالح مشتركة.

المعايير

المقبولية: يحظى بقبول فلسطيني واسع، ويحارب إسرائيلياً، فيما يعتبر مقبولاً دولياً استناداً إلى حل الدولتين كخيار أممي.

المعقولية: ترتبط بمدى القدرة على تحقيق متطلبات تنفيذه كما في البديلين الأول والثاني، فيما ترتبط معظم دول التكتلات الاقتصادية بعلاقات مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى تحقيق متطلبات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

الربح والخسارة: حيث إننا نعتبر في حالة خسارة كبيرة، فإن أي تقدم يحدث بفعل هذا البديل يعتبر مكسباً كبيراً.

الرأي العام: يدعم الرأي العام العالمي في مجمله الحقوق الفلسطينية استناداً إلى حل الدولتين، فيما يقف الرأي العام الأميركي عقبة ليس من السهل تجاوزها.

الخلاصة

لتتمكن السلطة الفلسطينية من تحقيق متطلبات بناء اقتصاد مقاوم؛ عليها البدء بمعالجة الأسباب الداخلية التي تعيق ذلك، ومن أهمها تشوه هيكل الاقتصاد، الذي يحد، بشكل رئيسي، من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على تحقيق الأهداف المرجوة منه بتوليد فرص عمل عبر القطاع الخاص، والعمل كرافعة لمواجهة السياسات الإسرائيلية.

يكمل البديلان الأول والثاني كل منهما الآخر نحو معالجة التشوهات في الهيكل الاقتصادي الفلسطيني، وحيث إن البديل الثاني بحاجة إلى تحقيق الأول لتوفير التمويل اللازم، فإن البديل الأول بحاجة إلى البديل الثاني نحو الانطلاق.  ترى الورقة أنه يمكن البدء بالبديل الثاني، بشكل جزئي، لتحقيق متطلبات الانطلاق، ثم العمل بكليهما بشكل متزامن.

أما البديل الثالث فيعتمد على العمل السياسي والنشاط الديبلوماسي الحكومي، إضافة إلى المتغيرات الدولية، قد يحدث تأخير في تنفيذه في ظل الصعوبات الحالية، لكن ترى الورقة أنه يمكن البدء في تفعيل الديبلوماسية لخدمة الاقتصاد، والعمل على تحقيق متطلبات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، والبدء بمحادثات ثنائية لاتفاقات مباشرة مع دول جديدة.

الهوامش

[1] الاقتصاد الفلسطيني: وضع سياسات الاقتصاد الكلي والتجارة في ظل الاحتلال، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD، 2012. bit.ly/2NvJUQR

[2] كتاب فلسطين الإحصائي السنوي (2018)، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. bit.ly/2Npcm6D

[3] جوزف ستيلنغز،  بروفسور اقتصادي، حاصل على جائزة نوبل، للاستزادة يمكن الاطلاع. econ.st/2XnT2GZ

[4] كتاب فلسطين الإحصائي السنوي (2018)، مصدر سابق.

[5] الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية (2018)، وزارة المالية والتخطيط. bit.ly/2xv8PJe

[6] بسام صالح، تقدير دالة الاستهلاك الكلي الفلسطيني (1994-2014)، 2018. bit.ly/2LwzDRL

[7] التقرير السنوي 2018، سلطة النقد الفلسطينية، دائرة الأبحاث والسياسات النقدية، حزيران 2018. bit.ly/2WXW6ct

[8] التصنيف الدولي الموحد للأنشطة الاقتصادية (2009)، إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية – الأمم المتحدة UNSD. bit.ly/2KULKbO

[9] بلال الفلاح، قطاع الخدمات الفلسطينية: بنيته وأثره، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، رام الله، 2018. bit.ly/2XpAQ4s

[10] كتاب فلسطين الإحصائي السنوي (2018)، مصدر سابق.

[11] المصدر السابق.

[12] الصناعة في فلسطين، هيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية. bit.ly/2FNdZVt

[13] محمد اشتية وآخرون، الاقتصاد الفلسطيني: حصار عوامل الإنتاج، المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار – بكدار، رام الله، 2017.

[14] المصدر السابق.

[15] كتاب فلسطين الإحصائي السنوي (2018)، مصدر سابق.

[16] قطاع الإنشاءات، هيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية. bit.ly/2xrqTE7

[17] تقرير إعادة الإعمار، وزارة الأشغال العامة والإسكان، 2018. bit.ly/2Jk5CSt

[18] آلية إعادة إعمار غزة: تعزيز وتشريع للحصار، مركز العمل التنموي – معا، 2016. bit.ly/2JsosGW

[19] قطاع الزراعة الفلسطيني المحاصر، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، 2016. bit.ly/2NvN9b2

[20] خطط التنمية الوطنية (2008-2017)، مجلس الوزراء الفلسطيني. bit.ly/2KzXkbZ

[21] رجا الخالدي، أبرز ملامح الاقتصاد الفلسطيني: التحديات القائمة أمام صموده، والرؤى القائمة لمواجهتها، مؤتمر ماس الاقتصادي، 2016. bit.ly/2Y6pTRF

[22] علا عوض، أداء الاقتصاد الفلسطيني للعام 2018، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، كانون الثاني 2019. bit.ly/2Rumvxu

[23] المصدر السابق.

[24] كتاب فلسطين الإحصائي السنوي (2018)، مصدر سابق.

[25] القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، مركز التجارة الفلسطيني – بال تريد.bit.ly/2Jk7ryN

[26] تقدير دالة الاستهلاك الكلي الفلسطيني، مصدر سابق.

[27] صافي الميزان وحجم التبادل التجاري في فلسطين، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2018. bit.ly/2J5I5V1

[28] معالم الفقر في فلسطين الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2018. bit.ly/2Jne6Iq

[29] تقرير استدامة المالية العامة 2018، سلطة النقد الفلسطينية، دائرة الأبحاث والسياسات النقدية، 2018. bit.ly/2IyvOtj

[30] موازنة المواطن للسنة المالية 2018، وزارة المالية والتخطيط، 2018. bit.ly/2J5L9AL

[31] موازنة المواطن، مصدر سابق.

[32] التقرير السنوي 2018، سلطة النقد الفلسطينية، دائرة الأبحاث والسياسات النقدية، حزيران 2018. bit.ly/2WXW6ct

[33] نظرية مراحل التطور الاقتصادي (روستو): يتكون النُّمو الاقتصادي من مراحل معينة ذات تتابع زمني، بحيث إن كل مرحلة تمهد الطريق أوتوماتيكيًاً للمرحلة التي تليها، وهذا يعني أن على البلدان المتخلفة أن تعيش الطريق نفسه الذي مشته الدول المتقدمة في الفترة ما بين 1850 -1950، حتى تقطع هذه المراحل، وتصل إلى المجتمع الصناعي، فما بعد الصناعي، ويرى روستو أن هذه المراحل ليست إلا نتائج عامة مستنبطة من الأحداث الضخمة التي شهدها التاريخ الحديث.

[34] قطاع الإنشاءات، مصدر سابق.

[35] قطاع الزراعة الفلسطيني المحاصر، مصدر سابق.

[36] Todaro & Smith, Economic Development, 12th Edition, 2017.

[37] قطاع الخدمات الفلسطينية، مصدر سابق.

[38] تقرير واقع النزاهة في فلسطين (2017)، ائتلاف النزاهة والشفافية-أمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com