في عشرة أعوام اقتحامات الأقصى تزداد بنسبة 400%/بقلم الاستاذ هشام يعقوب*

 يومًا بعد يومًا تترسّخ أهميّة الاقتحامات الإسرائيليّة للمسجد الأقصى في أجندة “منظمات المعبد”، ومَن يتقاطع معها في النظرة إلى المسجد من الأطراف السياسيّة أو الأمنية أو القانونيّة أو الدينية في كيان الاحتلال. اقتحامات الأقصى تعني لهؤلاء باختصار إظهار أنّ المسجد يقع تحت سيادة الاحتلال، وأنّهم ماضون في انتزاع “حقِّهم” في الوجود الدائم وأداء الشعائر التلموديّة في المسجد الأقصى (يدّعون أنه “جبل المعبد”) في أي زمان وبأيّ طريقة وبلا قيود.
يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل لعبت دورًا مهمًّا في تطوّر اقتحامات الأقصى في الأعوام العشرة الأخيرة:
  1. تبلوُر فكرة تحقيق الوجود اليهودي الدائم في الأقصى لدى “منظمات المعبد”، وتطوُّر أداء هذه المنظمات والتنسيق في ما بينها من جهة، ومع الأجهزة الأمنية من جهة أخرى، وفرضُ هذه المنظماتِ نفسَها لاعبًا مهمًّا في الحراك السياسيّ في دولة الاحتلال.
  2. اتساع مظلّة الاحتضان السياسيّ والأمنيّ والدينيّ والقانونيّ لدعاة اقتحام الأقصى و”منظمات المعبد”، وصولًا إلى سعي بعض الأطراف السياسيّة والأمنيّة المؤثرة إلى أنْ تخطب ودّ هؤلاء، وتطلب رضاها، وتسعى إلى كسب أصوات مناصريها.
  3. نجاح الاحتلال في استهداف خطوط الدفاع المتقدّمة عن المسجد من مرابطين ومرابطات، وحراس المسجد، والحركة الإسلامية في الداخل- الجناح الشمالي بقيادة الشيخ رائد صلاح، فضلًا عن رموز الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى وروّاد المسجد، وذلك عبر الحظر، أو الإبعاد، أو الاعتقال، أو المنع من الدخول إلى المسجد، أو فرض الغرامات، إلخ.
هذه العوامل أسهمت في الزيادة المطّردة عمومًا في أعداد مقتحمي الأقصى في الأعوام العشرة الأخيرة؛ إذ تشير المعطيات الصادرة عن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إلى ارتفاع أعدادهم بنسبة 402% منذ عام 2009 حتى نهاية عام 2018، كما يبيّن الرسم البيانيّ الآتي:
أمّا المصادر الإسرائيلية فتذكر أنّ عدد مقتحمي الأقصى تضاعف أكثر من 6 مرات منذ بداية عام 2009 إلى نهاية عام 2018، وقد عرض مركز القدس للشؤون العامة تطوّر أعدادهم بين هذيْن العاميْن كما في الرسم الآتي:

يلخّص مركز القدس للشؤون العامة تراكم التطورات والتغيرات التي حصلت منذ عام 1967 وصولًا إلى فتح مصراعَي المسجد الأقصى أمام هذا الكمّ من المقتحمين.

يذكُر المركز أنّ موشي ديان ثبّت الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى ]جبل المعبد[ الذي تضمّن السماح لليهود بزيارة المسجد، وعدم السماح لهم بالصلاة فيه. وحتّى”زيارة اليهود للأقصى كانتْ تمنعها الشرطة الإسرائيلية في كثير من الأحيان. ولكنّ الأمور لم تبقَ على هذه الحالة، بل أصبحت الشرطة تسمح بزيارة أعداد متزايدة من اليهود للأقصى استجابةً لضغط هؤلاء الذين يعدّونه أقدس مكان للشعب اليهوديّ، ولا سيما بعد مجيء جلعاد إردان وزيرًا للأمن الداخلي، ويورام هليفي قائدًا للشرطة في القدس، وهما من أبرز القيادات الأمنية التي كانت جهودها منعطفًا فارقًا باتجاه السماح لأعداد كبيرة من اليهود بزيارة الأقصى، وفي عهدهما حُظرت الحركة الإسلامية في الداخل- الجناح الشمالي، وما سُمّي “تنظيم المرابطين والمرابطات” وحلقات العلم التي تُعقَد في ساحات الأقصى. إلى جانب الشرطة، حدثت تغييرات في القيادة السياسيّة، وكانت تصبّ في خانة دعم زيارة اليهود للأقصى.

وعلى مستوى موقف الحاخامات من دخول اليهود إلى الأقصى فقد تبنّى جميع الحاخامات المتديّنين الأرثوذكس والمتديّنين رأيًا دينيًّا يحظر على اليهود دخول المسجد منذ احتلاله عام 1967، ولكنّ ذلك تغيّر أيضًا، وهناك اليوم أكثر من 600 حاخام من جميع الاتجاهات الدينيّة يجيزون دخول اليهود إلى الأقصى، بل يشجّعون ذلك. وحين كان موقف الحاخامات سلبيًّا لجهة منع زيارة اليهود للأقصى، كان الجمهور الدينيّ القوميّ ينأى بنفسه عن الاهتمام بمسألة زيارة الأقصى تاركًا الزيارات للمجموعات السياحيّة والإسرائيليين العلمانيين، إلا أنّ هذا الجمهور بدأ يتأثر بتغيّر موقف العديد من الحاخامات وتشجيعهم على زيارة الاقصى، فاتجهت أعداد منه إلى زيارة المسجد، وتكثّفت زياراتهم في عام 2017 وعام 2018.

تطور آخر يذكره المركز يتمثّل بتأسيس منتدى للحوار والتنسيق بين الشرطة الإسرائيلية و”نشطاء المعبد”، ويضمّ ضباطًا من الشرطة الإسرائيلية في القدس ونشطاء في “منظمات المعبد”، ومن ثمرات هذا المنتدى اتفاق غير رسمي بين الطرفيْن يتنازل فيه نشطاء “المعبد” عن أداء الصلاة في “جبل المعبد” مقابل موافقة الشرطة على زيادة عدد اليهود المسموح لهم بزيارة “جبل المعبد”.

تتفاوت كثافة الاقتحامات بالنظر إلى أسباب عديدة، منها:

  • الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية الإسرائيلية؛ إذ تزيد وتيرة الاقتحامات فيها، ولا سيما في عيد الفصح العبريّ، وذكرى احتلال الشطر الشرقيّ من القدس (ذكرى “توحيد القدس” على زعم الاحتلال)، وذكرى “خراب المعبديْن”، وعيد “العُرْش أو سكوت أو المظال”، ورأس السنة العبرية، و”يوم الغفران”، وعيد الأنوار “هانوكاه”، وعيد الأسابيع “شفوعوت”.
  • التطورات الأمنية التي تدفع الشرطة الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراءات تقيّد فيها اقتحام الأقصى.
  • قوة التصدي والمواجهة من طرف المسلمين، ولا سيما حراس الأقصى، والمرابطين والمرابطات، والمصلين عمومًا.
والملاحظ أنّ “منظمات المعبد” التي تتزعم الدعوات إلى اقتحام الأقصى تحاول فكّ الارتباط بين هذه الأسباب واقتحامات الأقصى، أي أنها تسعى إلى المحافظة على وتيرة الاقتحامات متصاعدة بمعزل عن أي ظرف.وبغضّ النظر عن أعداد المقتحمين، والمحطات التي تتكثف اقتحاماتهم فيها، فإنّ المسألة لا تتعلق بقلة عدد المقتحمين أو كثرتهم، بل بمبدأ السيادة الحصريّة الإسلاميّة على الأقصى، ومخططاتِ الاحتلال لتقويض هذه السيادة، وفرضِ نفسه مرجعيّةً في إدارة شؤون الأقصى. وضمانُ استمراريّة الاقتحامات أيًّا كان عدد المشاركين فيها من أهمّ وسائل الاحتلال لبلوغ تلك الغايات.

ويُظهر رصد الاقتحامات الإسرائيلية للأقصى تنوّع الفئات التي تشارك في اقتحامه من مستوطنين، ونساء، وأطفال، وطلاب، وجنود، ومسؤولين سياسيّين وأمنيّين، ورجال دين، وغير ذلك. ومع تطوّر الوظيفة الأمنية لشرطة الاحتلال لتؤدي دور الحامي والداعم بقوة لمقتحمي الأقصى من المتطرفين، تزايدت الطقوس الدينية المرافقة للاقتحامات بعدما كانت محظورة إلى حدّ بعيد.

*رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com