ليلة قتل مدحت يوسف.. هادي زاهر

جلست القيادة السياسية لدراسة الأوضاع الأخيرة وقد بدا الغيض واضحًا على قسمات وجه القائد وهو يقول بحدة: إن الأوضاع رائعة بالنسبة لنا حيث إن العالم العربي لم يعد يرى في القضية الفلسطينية قضيته وجميعكم يعلم بأن هناك دول عربية تتودد إلينا كي تسهل أمورها لدى الإدارة الأمريكية، من هنا فإن فرصتنا ذهبية من أجل فرض إرادتنا على أرض الواقع في كافة منطقة “يهودا وشمرون” واليوم علينا أن نطرد المسلمين من “مَرقد يوسف الصديق” بالقرب من ” شخيم”.

أحد الوزراء قال: علينا أن نتوخى الحذر كي لا نثير الرأي العام العالمي أو ردود فعل المتطرفين العرب، إلا أن القائد اعترض قائلًا وهو يضحك بصوت عال: إن هذا الأمر آخر ما يقلقنا، ثم من أي ردود فعل تخشى، لقد سبق وحرقنا المسجد الأقصى واعتقدنا بأن الأمة العربية ستتدفق علينا معًا في ليلة ظلماء ونصبح فيها في خبر كان، قوضنا أساسات المسجد، قمنا بقتل المصلين في الحرم الإبراهيمي ولم تحرك هذه الأمة ساكنة، المشكلة تكمن في اعتراض الفلسطينيين ليس إلا، وهم ليسوا بمقدرتنا إلا أنهم يشكلون عقبة بإصرارهم على الدفاع على ما يعتقدون أنه من حقهم.

وزير آخر قال: المهم أن نقوم بما نريد أن نقوم به بعيدًا عن الإعلام لأن وسائل إعلام كثيرة لا تفتأ عن اتهامنا بالعنصرية.

القائد: لا يهمنا ما يقال، ما دام “العم سام” يقف إلى جانبنا أيا كانت رغباتنا.

وبسرعة صدرت الأوامر للقيادة العسكرية للعمل بحزم لكسر صلابة الأهالي المقاومين بكل ثمن من اجل السيطرة الكاملة على مَرقد يوسف الصديق، وكانت قد قررت في السابق شن هجمات محددة ثم الانسحاب لاعتقادها بان عدد المقاومين سيتناقص إلا ان ذلك لم يحدث.

 أمر قائد الكتيبة جنوده بأخذ مواقعهم وإحاطة الموقع من كافة الجهات وأرسل ثلاثة جنود ليشقوا طريقهم إلى الداخل من خلال ثغرة لم يتواجد فيها احد، تسلل الجنود خلف بعضهم البعض بحذر، وصعد قائد الكتيبة إلى موقعٍ عالٍ واخذ يوجه تعليماته للجنود بواسطة جهازه اللاسلكي وما هي إلا لحظة حتى أمر بالانقضاض معا وارتفع صوت إطلاق النار في كل تجاه لحسم المعركة سريعًا، وفي خضم المعركة أصيب أحد الجنود، الجنود المرافقين اختبئوا خلف حائط ليتحاشوا الإصابات، ابلغ احد الجنود قائده بإصابة احد الجنود إصابة بالغة تخللها نزيف حاد.

 حالة من الارتباك سيطرت على القائد الذي اتصل بالسلطات الحكومية التي أمرت بالقيام بعملية إنزال لانتشال الجندي وإنقاذ حياته، وما هي إلا لحظات حتى أخذت طائرة تحوم فوق المكان للتنسيق مع قائد الكتيبة لتحديد كيفية القيام بالعملية، ذلك لان إسرائيل لا تترك جنودها وتهرب وفقا لتصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين

 طل أحد الجندي ممن كانوا في الداخل من خلف الحائط بعد ان توقف إطلاق النار وأمعن النظر، فتح عينيه وفغر فاه ثم حدث نفسه:

– انه مدحت.. مدحت يوسف رفع السماعة وأخبر قائد الكتيبة بصوت منخفض: إن المصاب الجندي مدحت يوسف.

القائد متسائلًا وقد ارتسمت البسمة على وجنتيه: مدحت.. مدحت يوسف؟

الجندي: أي نعم انه مدحت يوسف

قائد الكتيبة: رائع.. رائع جدًا، وليذهب إلى الجحيم هو وجميع الاغيار.

 ثم تحدث إلى القيادة قال إن الجندي المصاب ينتمي لأبناء الطائفة الدرزية، فجاء الجواب، ما دام الأمر كذلك فلا لزوم للمخاطرة من أجل إنقاذ حياته، وهنا تحدث القائد إلى الطيار وأعلمه بأن عليه أن يغادر فسأل الطيار: هل تم إنقاذ الجندي؟*

– قائد الكتيبة: لا.. إن المصاب يدعى مدحت يوسف.

الطيار: وماذا يعني ذلك.*

 قائد الكتيبة: أنهم مرتزقة-

الطيار: وهل هذا معناه أن يُترك مع نزيفه حتى الموت ما دام في خدمتنا. *

– القائد الكتيبة: قلت لك إنهم مجرد مرتزقة، ثم إن هذه هي الأوامر التي وصلتنا

* الطيار: أرجو أن لا تتحدث بهذه اللهجة لأننا لا نستطيع في كل مره يتحدث بها أحد المسؤولين بهذه المصطلحات أن نقول، بأنها مجرد زلة لسان.

 قائد الكتيبة: حسنًا، رفقتك السلامة، يمكنك أن تعود من حيث أتيت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com