هآرتس: القذافي يتقلب مسرورًا في قبره

القدس المحتلة- البيادر السياسي:ـ كتب تسيفي برئيل في هآرتس: لو أن معمر القذافي كان قد اجتاز ثورة الربيع العربي لكان يحتفل اليوم بالذكرى الخمسين للثورة التي قادها ضد الملك ادريس. الآن هو يستطيع فقط أن يصرخ من السعادة في قبره إزاء فوضى ثورة 2011 التي حولت دولة النفط إلى دولة فقيرة تحكم فيها حكومتان ومجموعة من المليشيات.

يصعب الحديث عن ليبيا كدولة فاشلة، لأن مفهوم “دولة” ليس هو التعريف المناسب لها. يبدو أن حكومة معروفة في المجتمع الدولي تقوم بقيادتها. الحكومة تدار بواسطة مجلس رئاسي يتكون من تسعة أعضاء وعلى رأسه يقف فايز سراج الدين. هذه التشكيلة الحكومية أقيمت في 2015 بعد اتفاق تم التوقيع عليه في مدينة سخيرات بالمغرب. ولكن هذه الحكومة التي مقرها في قاعدة سلاح الجو أبو ستة قرب العاصمة طرابلس، لا تحظى بالدعم وهي غير معترف بها من البرلمان الذي مقره في مدينة طبرق. ويترأس البرلمان أجيلًا صالح، حليف الجنرال خليفة حفتر، الذي يسعى إلى احتلال طرابلس ورئاسة الدولة.

حفتر الذي رافق القذافي في ثورة 1969 وخدم أيضًا في الـ سي. آي. ايه، يقف على رأس مليشيا مسلحة جيدًا باسم “الجيش الوطني الليبي”، الذي هو ليس جيش الدولة، بل سيطر على الأجزاء الشرقية من ليبيا وحدد مقره في بنغازي. من هناك أدار معركة ناجحة ضد القوات الإسلامية وقوات داعش، والآن هو يحظى بدعم مصر ودولة الإمارات والولايات المتحدة وروسيا، وقد التقى مع زعماء هذه الدول. التناقض هو أنه في حين أن المجتمع الدولي يحاول حل الصراع السياسي المعقد في ليبيا، فان هذه الدول الأربعة تقوم بإفشال جهود المصالحة وتضعضع قدرة سيطرة الرئيس سراج الدين، الذي يحظى بدعم تركيا وقطر، العدوتان لمصر ودولة الإمارات. الرئيس مؤيد حقا من مجموعة مليشيات مسلحة باسم “جيش الدفاع عن ليبيا”، لكنها غير قادرة على مواجهة قوات حفتر. إضافة إلى ذلك، يجب عليها أن تواجه أكثر من دزينة من المليشيات القبلية وقوات داعش التي تعمل في جنوب الدولة ومجموعة مستقلة باسم “قوات حماية آبار النفط”.

في شهر نيسان الماضي بادرت الأمم المتحدة والرئيس الليبي إلى عقد “لقاء وطني” استهدف تجميع جميع القوات السياسية المتخاصمة للالتقاء معا من اجل صياغة خارطة طريق تؤدي إلى إجراء انتخابات وصياغة دستور جديد. ولكن قبل بضعة أيام من موعد الاجتماع بدأ حفتر بهجوم ضد العاصمة طرابلس وتم إلغاء اللقاء. في موازاة ذلك حاول وسطاء دوليون وقف هجوم حفتر والتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينه وبين القوات الحكومية. وحسب طلب للولايات المتحدة فان مصر تحولت إلى عراب لهذه الاتصالات، لكنها لم تنجح في مهمتها. حفتر، بدعم من البرلمان في طبرق، ورئيس الحكومة عبد الله الثاني الذي مقره في مدينة بيادا، يطالب بالاعتراف بسلطته على طرابلس كشرط للمشاركة في حوار وطني.

يوجد للمواجهة العسكرية بطبيعة الحال أيضًا تداعيات اقتصادية شديدة، حيث أن قوات حفتر تسيطر على آبار النفط وموانئ التصدير في شرق الدولة. وبهذا فأنهم يمنعون الحكومة من مداخيل حيوية ضرورية لتمويل الإدارة اليومية. صحيح أن الحكومة نجحت في الأشهر الأخيرة في زيادة استخراج النفط من 350 ألف برميل نفط يوميا إلى 1.2 مليون برميل يوميا، لكن الفجوة بين إمكانية الاستخراج وبين المستخرج بالفعل ما زالت كبيرة. بسبب ذلك وجدت الدولة نفسها في عجز كبير يتوقع أن يصل في هذه السنة إلى 10 مليارات دولار، وهو ينبع في الأساس من الحاجة إلى اقتراض أموال الرواتب لموظفي الدولة وقوات المليشيات المؤيدة لها. إلى جانب 6.5 مليون مواطن ليبي يعيش في ليبيا أكثر من 800 ألف لاجئ ومهاجر من بينهم على الأقل 5 آلاف معتقل في معسكرات الاعتقال.

في الشهر الماضي حذر سكرتير عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بأن غياب حل سياسي في ليبيا يمكن أن يجرها إلى حرب أهلية. هذا تحذير غريب، لأن الحرب الأهلية – صحيح أنها على مستوى محدود – تجري منذ سنوات في الدولة. الانقسامات السياسية حول مسألة الحل المرغوب فيه في ليبيا بين فرنسا وايطاليا، وبين تركيا وقطر وبين مصر ودولة الإمارات العربية، إلى جانب قدرة الأمم المتحدة المحدودة لترسيخ قاسم مشترك سياسي – كل ذلك يمنع في هذه الأثناء إمكانية صياغة حل يكون مقبول على كل الأطراف، أو على الأقل على أصحاب القوة العسكرية في الدولة. طالما أن حفتر يثق بقدرته على تحقيق حسم عسكري واحتلال طرابلس، وطالما أن الحكومة المعترف بها تقدر أنها تستطيع كبح طموحاته بالقوة، فإن ليبيا ستواصل أن تكون دولة كل أجزائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com