فتحي القاسم الشاعر المنسي الغائب عن ساحة الأدب..!

بقلم/ شاكر فريد حسن

فتحي القاسم، ابن مدينة الناصرة، المسكون بالوطن والقصيدة، واحد من الأصوات الشعرية الجميلة التي برزت على ساحة الشعر والأدب والإبداع في سبعينيات القرن الماضي. عرفناه من خلال كتاباته الشعرية وتجاربه الإبداعية التي كان ينشرها في صحافة الحزب الشيوعي ” الاتحاد، الجديد، الغد “، وفي مجلة ” الأسوار ” العكية “، ومجلة ” الآداب ” التي أصدرها الكاتب الصحفي عفيف صلاح سالم في الناصرة وغيرها من الملاحق الثقافية والمجلات والدوريات الأدبية والصحف المحلية.

وهو ينتمي أدبيًا إلى جيل د. فاروق مواسي ونواف عبد حسن وعفيف سالم ونزيه خير وسلمان ناطور وحسين مهنا وادمون شحادة وشفيق حبيب ونبيل عودة وسيمون عيلوطي وعدوان ماجد ومحمد نجم الناشف وغيرهم من نوارس الشعر والأدب.

ومن يتأمل فتحي القاسم بعمق يستطيع أن يقرأ في تجاعيد وجهه صدق وهموم شعبه ووطنه وعذابات الإنسان وأوجاع الطبقات الشعبية العاملة الكادحة، فهو مهموم وملتصق ومسكون بالوطن الفلسطيني، وبشوارع وأزقة وحارات ناصرته، ومنحاز فكريًا لأدب الحياة والالتزام، ويقف ضد الظلم والقهر والطغيان، وينتصر للإنسانية المعذبة ولقضايا الكادحين والمسحوقين.

وتشكل قصائده زفرات ألم وصرخات وجع ونفثات غضب، وجاءت تعبيرًا عن مأساة الإنسان الفلسطيني والعربي المعاصر والقلق الوجودي الحضاري، بين الينابيع وأناشيد الأبدية. فهو يعيش في ذاكرة الحلم، يتزاوج الهم والطموح ويصبو للحرية، ويختار مفرداته بعناية، ومتمكن من لغته وأدواته الشعرية والفنية.

وما يميز قصيدته شفافية اللغة وارتفاع في مستوى الفنية والجمالية، والدقة في الحبكة، والإيحاء والألفة والشدة في مواضعهما من البلاغة والبديع والسلاسة، والوضوح والغموض، فضلًا عن توظيف المكان والتراث بشكل جميل موفق.

وشعر فتحي القاسم بسيط وواضح وعميق في آن معًا، والمواضيع التي يركز عليها هي القضايا الوطنية والفكرية والهموم الفلسطينية الحارقة، ومعالجة الواقع العربي والقهر الإنساني. ويحتل الوطن والاغتراب والمنفى والحرية الصدارة في نتاجه، وقد كتب قصائده بحبر الأصابع المبتورة، وبدم القلب عن وطن جريح وذبيح، وعن قضية وطنية عادلة لم تجد حلًا لها، وأناشيده الأبدية محاولة لتغيير الواقع.

واللغة عند فتحي القاسم هي التعبير الضالع في اليومي، ويؤلف عمارته الإيقاعية من تلك الفنية والغنائية والإنشاد البلاغي السجعي والبوح الشفيف الأنيق الصادق، ومن لغة الحياة والشعب والناس يغزل حروفه ويصنع تراكيبه اللغوية وبها يكتمل الانتظام الخفي لنصه الإبداعي.. فلنسمعه يقول في قصيدته ” أعيش للحظة كبرى ” التي نشرها في صحيفة ” الاتحاد ” الصادرة بتاريخ 5 تشرين أول 1984:

رأيتكِ أمس في وجه علاه الظلمُ والأحزان

أسيرُ وحزنكِ الأبديّ يلحقني لكل مكان

جرح القلبِ أتبعك وأرنو للرؤى ظمآن

لقاؤكِ أمس ذكرني بيوم غاب فيه النسيان

أعاد لخاطري أملٌ عزيز عاش في الوجدان

أسير الوجد والذكرى أسيرُ وخافقي حيران

على الطرقات تصلبني عيون صدها الحرمان

فمذ رحلت قوافلنا وضاع البحر والشطآن

يقرب بيننا ألم يغيظ السجن والسجان

وبين آلاء والدمعاتِ بحر من لظى التيجان

رحيل طال واللقيا ترد الروح للأوطان

صحوت ممزقًا أرثي زمان الزيف والبهتان

طقوس الصمت تقلقني وتاج الوحل والادران

” هلا عرب ٌ ” تمزقني وتصفعني يدا الخُسْران

فمذ رحلت قوافلنا وطارت فوقنا العقبان

أعيش للحظة كبرى تمزق عالم الطغيان

وعندما توفي الشاعر والقائد الوطني ورئيس بلدية الناصرة توفيق زياد رثاه بقصيدة مؤثرة، قال فيها :

سيظل في قلب الزمان مخلدا

صوت الهدى

صوت النضال مجلجلا متمردا

يومي لنا بمبادئك

ويضمنا لمواقفك

رغم الفناء ورغم أصفاد الردى !!

يا صاحبي ذكراك بين جوانحي

لا تمحى

عهد النضال يهزني،

ويصيح بي :

توفيق بين صفوفنا

لم يبرح

دكع القوافي منبع لمشاعري

وتمدني بالعنفوان بثائر

غنى لجرح غائر

غنى لنا

لجراح أم ثاكلة

لدموع أخت ذاهلة

وأمدنا رغم الكوارث بالأمل

ومشى عللا درب الكفاح يقودنا

رمزًا تورع بالعمل

روّى القلوب حرارةً وتمردا

سيظل رمزًا للفداء

مدى الزمان مخلدا

فتحي القاسم شاعر وطني وإنساني، شعره روحي إحساسي، فيه نبض وجداني، ويعبّر عن موقف فكري وسياسي واجتماعي- طبقي، وهو وصاف ماهر يجيد اختيار المفردة وسبك العبارة، وتوليد الكلمات، وصياغة الفكرة، وغزل الحروف، والإيقاعات اللفظية.

إنه شاعر منسي لم يأخذ حقه من الاهتمام النقدي، وهو منذ سنوات بعيد وغائب عن المشهد الأدبي ودوائر الشعر، وانقطعت أخباره عنا، بعد ان كان غزير الإنتاج والنشر في أواخر السبعينات والثمانينات.

وتحية حب من القلب لفتحي القاسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com