حرب متعددة الأطراف في سوريا.. تركيا تشنها وروسيا تناور وأمريكا تتراجع عنها

واشنطن- وكالات:ـ القوات التركية التي دخلت سوريا لمحاربة المقاتلين الأكراد بعد أن تخلت عنهم الولايات المتحدة قد تمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون قصد انتصاراً استراتيجياً في الشرق الأوسط.

بعد مرور نحو أسبوع على إصدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوامره لقواته بدخول الأراضي السورية، تناور روسيا لكي تدفع الحكومة السورية إلى إرسال قواتها للأراضي التي ظلت طوال سبع سنوات تحت سيطرة المسلحين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، حتى قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من هذه المناطق.

وتمثل الحملة التركية على المسلحين الأكراد خطوة كبيرة في جهود الرئيس بوتين لإعادة سيطرة حكومة بشار الأسد على كامل التراب السوري، بعد نجاح القوات الروسية في تحويل دفة الصراع في سوريا لصالح حكومة الأسد.

ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن أيهم كامل رئيس إدارة أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز “أوراسيا جروب” للأبحاث، قوله إن “بوتين نجح في إجبار حلفائه وخصومه على القبول باعتباره مهندس التوازن السياسي والعسكري في الصراع السوري، ورغم أن محاولة إدارة الصراع الإسرائيلي الإيراني السعودي، والمصالح التركية في سوريا ليست مهمة سهلة، فإن نفوذ ومكانة بوتين في المنطقة يتصاعدان”.

وأشارت بلومبرج إلى أن الولايات المتحدة حاولت أمس استعادة زمام المبادرة في الأزمة التركية السورية عندما طالبت أردوغان بـ “وقف فوري لإطلاق النار” وفرض عقوبات على تركيا وإن كانت أقل من العقوبات التي يطالب بها بعض أعضاء الكونجرس.

وجاء هذا بعد يوم واحد من إعلان السلطة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا التوصل إلى اتفاق مع حكومتي دمشق وموسكو للسماح للجيش السوري بحماية حدود سوريا الشمالية مع تركيا بعد قرار الولايات المتحدة سحب الـ 1000 جندي أمريكي المتبقين في المنطقة.

ورغم أن قوات الأسد لا تستطيع مواجهة جيش تركيا عضو حلف شمال الأطلسي “ناتو” والتي سيطرت بالفعل على 30 كيلومترا داخل سوريا، يمثل تحريك القوات السورية نحو الحدود التركية إشارة إلى اعتزام بوتين تحجيم طموحات أردوغان.

في الوقت نفسه فإن هذه الخطوة، أعطت روسيا دوراً قيادياً لا ينازع في صياغة مستقبل سوريا، وتعزيز صورة بوتين في الشرق الأوسط، حيث صاغ بالفعل شراكة مع إيران وأقام تحالفاً نفطياً مع السعودية وعلاقات وثيقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

كما يرتبط بوتين بعلاقة وثيقة مع أردوغان الذي تحدى التهديدات الأمريكية وأصر على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم إس 400، ويبذل الرئيسان جهوداً منسقة لحل الصراع في سوريا رغم التوترات المتعلقة بالأكراد.

ويجري بوتين اليوم الثلاثاء، محادثات في الإمارات العربية المتحدة بعد زيارته للسعودية أمس، مما يمثل تعزيزاً لجهود الكرملين للاستفادة من تراجع النفوذ الأمريكي في ظل رئاسة الرئيس ترامب وسلفه باراك أوباما.

وتريد روسيا التزام أردوغان بالاتفاق الأمني الموقع عام 2006 والذي يسمح للقوات التركية بالعمل ضد مليشيات وحدات حماية الشعب الكردية السورية بالقرب من الحدود “لكنه لا يسمح بوجود عسكري تركي طويل المدى” على الأراضي السورية بحسب فلاديمير فرولوف الدبلوماسي الروسي السابق والمحلل السياسي في موسكو.

وأضاف فرولوف إن “هذا يعني وضع حدود أرضية للعملية التركية الحالية وبالنسبة للأكراد يعني إقامة منطقة حظر طيران بالنسبة للطائرات التركية”.

ويبدو أن موسكو ودمشق تعتمدان على المسلحين الأكراد الخاضعين الآن للحكومة المركزية في دمشق لكي يسيطروا على الأراضي في شمال شرق سوريا ومنع عودة الجماعات الإرهابية إليها.

وتقول قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يقودها الأكراد إن إدارة الحكم الذاتي في هذه المناطق مازالت مسؤولة عن القيادة السياسية والأمن الداخلي فيها، في حين أن دور قوات الأسد التي تم نشرها يتمثل في وقف التقدم التركي.

يقول قائد القوات الكردية في شمال شرق سوريا، مظلوم عبدي في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إن الأكراد يواجهون “حلاً وسطاً مؤلماً” بالعمل مع موسكو والأسد “لكن إذا كان لنا أن نختار بين الحلول الوسط وتعرض شعبنا لإبادة جماعية فإننا سنختار الحياة بالتأكيد”.

في الوقت نفسه فإن المسؤولين الروس حذرين بشأن كيفية اعتزام روسيا تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة لشركائها في سورية في الغالب. وردا على سؤال حول ما إذا كانت التطورات الحالية في سورية تتفق مع الموقف الروسي الداعي إلى ضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري، قال يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية “ليس صحيحا .. نحن سننتظر لنرى التطورات”.

وعلى صعيد آخر تقول تركيا إن عمليتها العسكرية الحالية تستهدف إبعاد المسلحين الأكراد الذين تعتبرهم إرهابيين وعلى صلة بالانفصاليين الأكراد في تركيا عن الحدود التركية السورية. في المقابل فإن هذه العملية العسكرية أثارت موجة انتقادات دولية واسعة.

وحذر بوتين يوم الجمعة الماضي، من أن العملية التركية يمكن أن تؤدي إلى تعافي تنظيم “داعش”، في ظل وجود آلاف الدواعش المحتجزين لدى المسلحين الأكراد والذين قد يفرون من السجون بسبب الهجوم التركي، وتردد أن بعضهم فروا بالفعل.

وقال في مقابلة مع نظرائه من رؤساء دول آسيا الوسطى في تركمانستان “هذا خطر حقيقي يهددنا جميعا”. وبعد ذلك كرر هذا الموقف ودعا إلى انسحاب كل القوات “المنتشرة بشكل غير شرعي” في سوريا، و”نحن الآن نناقش الموقف بشكل صريح مع كل شركائنا بما في ذلك تركيا وإيران”.

وأخيرا تقول إيلينا سوبونينا خبيرة شؤون الشرق الأوسط في روسيا إن الهجوم التركي والانسحاب الأمريكي يمثلان فرصة مثالية لتحقيق أهداف روسيا في سوريا واستعادة السيطرة على شمال شرق سوريا الغنية بالنفط، مضيفة “روسيا تريد دائماً استعادة سيطرة الحكومة السورية على أكبر مساحة ممكنة من أراضي سوريا” وهو ما يحدث الآن بفضل العملية التركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com