“عرب” يُطّبعون وأجانب يقاطعون..

في زمن غير بعيد، كانت هناك مقاطعة عربية للشركات والمؤسسات التي تتعامل مع اسرائيل، وكان لهذه المقاطعة وقعاً كبيراً على الاقتصاد وكذلك على السياسة الاسرائيلية لأن العديد من الشركات الكبيرة اضطرت وقف التعامل معها. وكان مكتب المقاطعة الرئيس في العاصمة السورية دمشق.

هذه المقاطعة العربية بدأت بالانحسار والتلاشي رويدا رويدا، حتى حل مكانها “التطبيع” مع اسرائيل، رغم انها لم تنه احتلالها لجميع الاراضي العربية المحتلة منذ حزيران 1967، ولم توقف سياسة التوسع الاستيطانية، ورغم عدم اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران 1967.

لا شك أن الاردن ومصر وقعتا اتفاقيات سلام مع اسرائيل، ولذلك فان التطبيع قد يكون مبرراً لهما، ولكن الشعبين الاردني والمصري الشقيقين رفضا التطبيع حتى الآن، وهناك تحفظ من أي نشاط قد يتسم بصفة أو حالة التطبيع. وفي المقابل فان دولا عربية لم توقع اتفاقيات سلام مع اسرائيل، وتدّعي انها مع حقوقنا وقضيتنا العربية العادلة، لكنها تقيم علاقات تطبيع مع اسرائيل، والغت ما تسمى بالمقاطعة العربية، حتى ان هناك اتصالات سرية وعلنية بين اسرائيل وهذه الدول لصالح اسرائيل وعلى حساب مصالح أمتنا العربية. وهذه الدول لم تلغ المقاطعة من سياستها فقط، بل وتمادت الى حد السماح لشركات اسرائيلية بالعمل على أراضيها بأسماء مستعارة أو أجنبية، وبكل حرية!

في الجانب الفلسطيني، هناك مقاطعة اقتصادية للمنتجات الاسرائيلية بشكل عام، ومنتجات المستوطنات المقامة على اراضينا الفلسطينية بشكل خاص، ولهذه المقاطعة آثارها السلبية على الاقتصاد الاسرائيلي، وهناك خسائر اقتصادية جرائها، مع ان هذه المقاطعة لم تكتمل بعد، اذ ان هناك تهريبا للبضائع الاسرائيلية الى داخل المناطق الفلسطينية وخاصة الى منطقة القطاع نظرا لحاجة ابنائها اليها نتيجة الحصار الاسرائيلي الظالم المفروض عليهم منذ حوالي ثماني سنوات.

لا يستطيع الجانب الفلسطيني مقاطعة الشركات التي تتعامل مع اسرائيل، ولكنه يعمل جاهدا على اقناع قادة هذه الشركات والمؤسسات على القيام بذلك. ولا ننسى قرار الكنيسة المشيخية في اميركا التي اوقفت استثماراتها في شركات تعمل في اسرائيل نظرا لتواصل سياسة الاستيطان، وها هي المقاطعة الفلسطينية تعطي ثمارا على مستويين: الاول رسمي، اذ ان الاتحاد الاوروبي قرر مقاطعة منتجات المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا القرار لم ينفذ بعد، ولكنه هزّ اسرائيل والعديد من المصانع في المستوطنات، اذ بدأت بعضها بالانتقال الى داخل الخط الاخضر لتفادي هذه المقاطعة.

اما المستوى الثاني فهو شعبي، اذ ان هناك حركة لاكاديميين ومثقفين اجانب تطالب بمقاطعة اسرائيل، وتطالب ايضا بفرض عقوبات اقتصادية عليها حتى توقف سياسة الاستيطان، وتنهي احتلالها للاراضي الفلسطينية، وتعتبر اسرائيل دولة عنصرية، وتحمل هذه الحركة الدولية الفعالة اسم “B.D.S” وهي مختصرة لثلاث كلمات بالانجليزية: “مقاطعة، عدم استثمار، وعقوبات”.

وبدأت المقاطعة في جامعات بريطانية، ثم انتقلت الى دول عديدة، وهناك اكاديميون ومجالس طلبة ومؤسسات عديدة تتبنى وتدعم هذه الحركة مما اثار غضب اسرائيل، لان حركة الـ “B.D.S” تساهم في عزل اسرائيل على مستوى الرأي العام العالمي، وتلحق خسائر في اقتصادها.. واصبحت قضية المقاطعة أو مجموعة “B.D.S” من اولى القضايا التي تؤرق اسرائيل، وتحتل مكانة كبيرة في الاهتمام بها على المستوى الحكومي. وتكاد تكون من القضايا التي تشكل خطرا على اسرائيل دوليا.

عرب يطبعون مع اسرائيل، واجانب يقاطعون.. انه لامر غريب وعجيب ومؤلم جدا.. هؤلاء العرب يظنون ان التطبيع مع اسرائيل سيقويهم ويدعمهم ولكنه يسيء اليهم، ويخرجهم من دائرة “العروبة”، و”الاستقلالية” ليصبحوا اتباعا للاقتصادي الاسرائيلي ويجعلهم يطبقون عن قصد أو من دون قصد مشروع الشرق الاوسط الاقتصادي الكبير الذي دعا اليه احد قادة اسرائيل البارزين، شمعون بيرس، رئيس وزراء اسرائيل اسبق ورئيس دولة اسرائيل السابق.. انهم يسيرون في ركب العداء للوطن العربي، وفي ركب المتآمرين عليه.

ولا شك ان هؤلاء الاجانب المقاطعين لاسرائيل يساندون شعبنا الفلسطيني بشكل عام، ولكنهم يتصدون للعنصرية الاسرائيلية بصورة خاصة، لانهم يقفون الى جانب الحق والعدل، ويعادون سياسة الظلم والقهر والقمع والتعسف التي تتبعها وتمارسها اسرائيل، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الشرعية، وكل الاتفاقات والمواثيق الدولية.

هؤلاء الاجانب هم اكثر وعياً واستقلالاً وادراكاً لاخطار السياسة الاسرائيلية على العالم كله.. اما “العرب” المطبعون فهم معنيون بانفسهم، وهم انانيون ولا ينظرون الى أبعد من انوفهم..

ان هناك دولا عربية ما زالت تؤمن بمبدأ المقاطعة العربية، ولذلك لماذا لا يتم تفعيلها ولو بصورة بسيطة، ليتماشوا ويدعموا مقاطعة حكومات وشعوب العالم للسياسة الاسرائيلية.

لن نراهن كثيراً على القادة العرب الذين وصفوا أنفسهم بأنهم “نعاج”، بل نراهن على شعبنا، وعلى أحرار وشرفاء العالم الذين يأبون الظلم ويتصدون له.. فهم كثر ونأمل ان يتضاعف عددهم لعل قادة اسرائيل غيّروا من سياستهم العدائية لشعبنا، وانهوا احتلالهم لارضنا، وادركوا ان سياستهم ليست لصالحهم على المدى البعيد، اذ أن ظاهرة معاداة العنصرية الاسرائيلية ستتعاظم وتتوسع لتعطي ثمارها الجيدة لصالح شعبنا ولصالح السلام، والاستقرار ليس في منطقة الشرق الاوسط  وحده فقط، بل في كل العالم.

20/6/2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com