نبض الحياة.. إرفعوا سقف التضامن.. عمر حلمي الغول

كأن العالم أدرك خطيئته الكبرى في تنبيه قرار التقسيم 181 لفلسطين التاريخية في 29 نوفمبر 1947، وتعمق لديه الشعور بالذنب لعدم تنفيذ القرار في الشق المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية على المساحة، التي قررها آنذاك، في الوقت الذي اندفع بقوة بمعسكريه الرأسمالي والاشتراكي لإقامة الدولة الصهيونية الكولونيالية على ارض الشعب العربي الفلسطيني، واندفعوا كل من موقعه وخلفياته وحساباته النفعية الضيقة والاستعمارية في تأمين مقومات دولة التطهير العرقي على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض والتاريخ والديموغرافيا والهوية في ايار / مايو 1948. لذا بعد 30 عاما من القرار المشؤوم، وتحديدا في الثاني من كانون اول / ديسمبر 1977 اعتمد العالم قرارا اعتبر فيه يوم ال29 من نوفمبر من كل عام يوما دوليا للتضامن مع الشعب الفلسطيني حتى يستعيد حقوقه السياسية والقانونية على تراب وطنه الآم من خلال إقامة الدولة المستقلة وذات السيادة على حوالي 44% من مساحة فلسطين التاريخية، والتي تقزمت نتاج قبول القيادة الفلسطينية على إقامة الدولة على أساس قرار الأمم المتحدة 242 الصادر في نوفمبر 1967، اي على مساحة لا تزيد عن 22% من المساحة الكلية لفلسطين.

ورغم كل التنازلات الضخمة من قبل القيادة الفلسطينية لصالح تحقيق سلام الممكن والمقبول استنادا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، بيد أن دولة الاستعمار الإسرائيلية رفضت، وترفض حتى يوم الدنيا هذا من حيث المبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، ليس لإنها دولة مارقة وخارجة على القانون، ولا لأنها تحاول تعويم روايتها المزورة، وفاقدة الأهلية التاريخية والمنطقية والسياسية والدينية، وإنما لأن العالم لم يرتق لمستوى المسؤولية، وكونه تخلى بالممارسة العملية عن تنفيذ الشق المتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، وأبقاه حتى الآن. رغم مرور 73 عاما على النكبة بلا دولة، ويعيش أكثر من نصفه ( سبعة ملايين فلسطيني او ما يزيد عن ذلك) في دول اللجوء والشتات، ومن هم داخل الوطن الفلسطيني يخضعون للاستعمار والعنصرية والتهويد والمصادرة والضم لأراضيهم وحقوقهم السياسية والقانونية، ويمارس عليهم أبشع ألوان وأشكال الانتهاكات بمسمياتها وعناوينها الأكثر سفورا وبشاعة من التنكيل والتعذيب والاعتقال والقتل واستلاب ابسط حقوقهم الإنسانية.

اليوم ومع حلول الذكرى ال43 ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، ومع اقتراب رحيل إدارة ترامب الأميركية، والأكثر عدوانية وإجراما وفجورا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن العالم مطالب بوقفة جدية ومسؤولة لمراجعة ذاته، وجملة قراراته الأممية والتي زادت على ال800 قرار اممي بين الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، فضلا عن المعاهدات والمواثيق والأعراف الأممية ذات الصلة بالصراع، وبذل جهد حقيقي لتنفيذ قرار التقسيم 181 الدولي، الذي تم تقزيمه إلى النصف، أو آخر قرار أممي صادر عن مجلس الأمن صاحب الرقم 2334 في 23 كانون اول / ديسمبر 2016 لإنهاء الصراع، وفتح قوس الأمل امام الشعب العربي الفلسطيني للعيش بكرامة وحرية على ارض وطنه الأم، الذي لا وطن له غيره، والدي لن يتخلى عنه مهما قدم من تضحيات جسام، ولن يقبل باي توطين للاجئين الفلسطينيين حتى لو حمل كل منهم مئة جنسية أخرى.

وكي يكون العالم منسجما مع نفسه، ومع قراراته الأممية، عليه أن يشرع وفورا بفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والأمنية والدبلوماسية دون تردد. وما لم يضع سلاح العقوبات محل ترجمة على الأرض لن تتراجع دولة الاستعمار الإسرائيلية عن خيارها الكولونيالي، ولن تصغي لكائن من كان. ولكنها ستذعن رغما عنها في حال رفع في وجهها الكرت الأحمر. وكخطوة أولى على الدول الأوروبية وغيرها من الدول، التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية، الاعتراف بها فورا، ورفع مكانتها كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والعمل على تبني مبادرة الرئيس محمود عباس، التي أعيد مناقشتها مؤخرا في مجلس الأمن، ومطروحة الآن على الطاولة الأممية لشق طريقها للتنفيذ. آن الأوان ليرفع العالم سقف تضامنه وتكافله مع كفاح الشعب العربي الفلسطيني. لا سيما وان التآكل في دور ومكانة الولايات المتحدة عالميا يسمح للأقطاب الدولية المعنية بالصراع فرض خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com