الإعلام الثقافي في الوسائل الإعلامية الفلسطينية.. قراءة في “كتاب الإعلام الثقافي في إذاعة فلسطين” الكاتب والباحث/ ناهـض زقـوت

أهدانا الصديق الكاتب الروائي عبد الله تايه الأمين العام المساعد للاتحاد العام للكتاب والأدباء كتابه الجديد “الإعلام الثقافي في إذاعة فلسطين” الصادر عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بغزة عام 2020.

قبل أيام تحدثنا في ندوة عن الثقافة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وكان سؤالنا الرئيس هل ثمة اهتمام بالثقافة في مؤسسات المنظمة التي تناولناها من دائرة الإعلام والتوجيه القومي إلى دائرة الإعلام والثقافة وصولا إلى دائرة الثقافة بعد فصل الإعلام عن الثقافة وتشكيل الدائرة الثقافة عام 1987 في منظمة التحرير، وقد أكدنا أن منظمة التحرير في مؤسساتها لم تلغ الثقافة ولكن همشتها إلى الدرجة الثانية، وركزت جهدها على الإعلام، ولم تأخذ الثقافة مساحتها الواسعة إلا بعد تشكيل دائرة الثقافة. ولكن بعد قيام السلطة الفلسطينية تم إلغاء دائرة الثقافة وتحويلها إلى وزارة الثقافة، وتم دمج الإعلام بالثقافة مرة أخرى في منظمة التحرير. وبذلك لم يبق حارسا للثقافة في منظمة التحرير إلا الاتحاد العام للكتاب والأدباء بصفته اتحادا من الاتحادات الشعبية في منظمة التحرير.

ويأتي كتاب الصديق الكاتب عبد الله تايه في هذا السياق يتناول الثقافة في الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو.

يفتتح الكاتب دراسته بالحديث عن الإذاعة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، بإنشاء هيئة الإذاعة والتلفزيون في سبتمبر عام 1993، وإنشاء إذاعة فلسطين في يوليو 1994، وفي قطاع غزة تم إنشاء محطة إذاعية ثانية هي صوت فلسطين البرنامج الثاني في مارس 2000، كما يؤكد الباحث أن السلطة الفلسطينية أعطت الفرصة لحرية الرأي والتعبير من خلال حق الأفراد والمؤسسات في إنشاء إذاعات خاصة، فانتشرت مجموعة من محطات البث الإذاعي الخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي تقوم بدور هام في الإعلام الفلسطيني والتثقيف والتوعية الجماهيرية.

أما من حيث الاهتمام بالإعلام الثقافي في برامج الإذاعة والتلفزيون، يشير الباحث إلى أن اهتمام الإذاعة والتلفزيون كان منصبا على البرامج الإخبارية والسياسية، وكان الاهتمام بالبرامج الثقافية محدودا ولا يستند إلى خطط واضحة ومتصاعدة، الأمر الذي أدى بالكتاب والمثقفين إلى توجيه النقد لهذا الأداء، ورغم محاولات الإذاعة والتلفزيون الاهتمام بالثقافة إلا أن السياسة الإعلامية لم تشهد أي تغيير في المجال الثقافي.

أما عن دور الإذاعات في ظل الانقسام، يؤكد على تراجع الرسالة الإعلامية، وتحولت الإذاعات إلى أصوات حزبية تبث برامجا تخدم الفصيل التابعة له، وغابت البرامج التي تخدم المصلحة الوطنية، يقول: “إن الملاحظ لأداء الإذاعات الخاصة بعد الانقسام يلحظ كيف انحرفت رسالة الإعلام السامية عن مهامها الحقيقية إلى مهام حزبية وفصائلية، وتشويه متعمد للحقائق، والادعاءات بالتمسك بالفضيلة السياسية واتهام الآخرين بالتقصير والتفريط والعجز والفشل”. كما ينتقد الكاتب مسالة المشاركة في البرامج بين شقي الوطن، من حيث أنه ليس من سياسة هذه الإذاعات استضافة خصومها السياسيين في برامجها لسماع وجهة نظرهم، فتكاد تبقى على لون واحد من المشاركين، وكذلك عدم وصول إذاعات غزة إلى الضفة وبالعكس. وهذا الأداء الإعلامي ساهم في زيادة الفرقة والانشقاق من خلال الانحياز للحزب أكثر من القضايا الكبرى.

يفرق الباحث في دراسته بين الإعلام والثقافة، حيث يرى أن الإعلام دائما يتجه إلى قضايا يرى أنها أهم من قضايا الثقافة خاصة ما له علاقة بالتغطيات الإخبارية والتحليل السياسي، مع العلم أن هذه القضايا آنية، تتجدد موضوعاتها بين ساعة وأخرى لأن الأحداث متلاحقة في عالم تتصارع فيه مصالح عديدة ومتضاربة. لكن القضايا الثقافية هي موضوعات إنسانية عميقة دائمة تدعو إلى فكر وإبداع وفنون، وتصقل رؤية إنسانية ذات بعد ثقافي، تتفهم الأصول والدوافع وراء الظواهر، وتنشغل بتأسيس مفاهيم وقيم إنسانية تكون مدعاة للتكيف الاجتماعي، والتواصل بين الشعوب، والتفاعل بين الثقافات، وتبني علاقات دولية قائمة على التعاون والعلاقات المشتركة.

الكتاب غني بالمعلومات والمعارف فيما يتعلق بالإذاعة والتلفزيون ودورهما في المجتمع، وفي ترسيخ الإعلام الثقافي بين أفراد المجتمع، وهو جدير بالقراءة سواء على المستوى الرسمي بهدف تفعيل الرسالة الإعلامية الثقافية، وعلى المستوى الشعبي لزيادة المعرفة والوعي بالإعلام الفلسطيني ودور الإعلام في حياة الشعوب.

وقد صاغ الباحث مجموعة من التوصيات في ختام دراسته أكدت على آليات تطوير وسائلنا الإعلامية من إذاعة وتلفزيون، وعلى تعزيز الوحدة الوطنية، وعلى رفع كفاءة العاملين، والعمل على جمع أرشيف الإذاعات الفلسطينية من البلدان العربية. أما من حيث الاهتمام بالإعلام الثقافي فقد جاء توصياته كالتالي: العناية بالتوجه الثقافي للفلسطينيين في الشتات بإبراز مجالات اهتمامهم في أماكن تواجدهم، والتعريف على أنشطتهم، وربط توجهاتهم الثقافية بالحركة الثقافية في فلسطين، والعمل على تنويع تقديم برامج الإعلام الثقافي، والتقليل من المقابلات، واختصار زمن برامج الحوار الطويلة والمملة برفدها بتقارير ومكالمات وتسجيلات، حسب وسيلة الإعلام إذاعة أو تلفزيون، وبما يتلاءم وطبيعة البرنامج، والدفع إلى تعزيز البرامج التي تشجع فئة الشباب على إبراز مواهبهم وتنمية الانتماء الوطني والمجتمعي لديهم، ودعوة هيئة الإذاعة إلى تبني تنشيط الإنتاج الإذاعي من التمثيليات والدراما، والعمل على زيادة زمن بث برامج الإعلام الثقافي بزيادة البرامج ونوعيتها وتحسين جودة المحتوى وفنية التقديم، والتركيز على برامج الثقافة التي يتلقاها الأفراد في الإذاعة على الثقافة العربية والإسلامية والثقافات الإنسانية الأخرى، كما يوصي بالاهتمام بالآداب الفلسطينية من رواية وقصة وتوظيفها في إعداد الدراما، وتشجيع الإعلانات الثقافية، والاهتمام بتغطية المؤتمرات والمهرجانات والمعارض الثقافية.

تبقى الثقافة هي محور اهتمام الكتاب والأدباء والمثقفين باعتبارها حارسة الحلم والداعية إلى التمسك بالثوابت الوطنية، فالثقافة لا تؤمن بالمرحلية بل تؤمن بالإستراتيجية الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com