على أعتاب عرس حماس الانتخابي.. عماد عفانة

عودتنا حماس على أن قراراتها وسياساتها واستراتيجياتها، ترسم وتؤخذ وتقر بشكل جماعي، كونها حركة تعتمد النظام الشوري في إدارة مؤسساتها، مع عدم إغفال مسحة شخصية القائد، وكاريزما الزعيم في التأثير، على تفاعل وحيوية الملفات والتوجهات ضمانا للتقدم والانجاز.

وكون الانتخابات الداخلية لحماس، لتجديد هيئاتها الإدارية والقيادية، كانت وما زالت تتم بصورة سرية، تمنع معها الدعاية الانتخابية أو الترويج لأشخاص بعينهم دون غيرهم.

فاجأنا الدكتور أحمد يوسف، بتصدير عدد من المقالات التي تروج لعودة الأستاذ خالد مشعل، للامساك بدفة قيادة حماس من جديد، بالتزامن مع مراسيم الرئيس عباس لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بها.

واختار احمد يوسف الترويج لزعامة مشعل من بوابة عن الحديث عن خطاب الوحدة وجمع الشمل، وخطط إصلاح أوضاع البلاد الداخلية،  بعدما مزَّقت الفرقة والخلافات نسيجنا الاجتماعي وأصابتنا بالتهتك، واستشرت بين المواطنين حالة من العداء والكراهية، وتعاظمت مظاهر العنصرية الحزبية تجاه الآخرين، نتيجة للاصطفافات الحزبية والتنازع على الكراسي، في سريالية صدمت القريب قبل البعيد.

للحظة ذهب خيال احمد يوسف وكأنه يروج لشخصية كانت بعيدة عن مشهد ساحتنا الفلسطينية، وكأن مصيبة الانقسام تمت في غير عهد قيادته، وكأن مشعل لم يفلح عبر كثير من المحاولات لرأب الصدع ولم الشمل،  وذلك لأسباب خارجه عن إرادته وعن إرادة حماس، لأن الانقسام تم بإرادة دولية وإن كان بأيدي فلسطينية.

وكأن إرادة المصالحة وإنهاء الانقسام ولم الشمل وترميم الحالة الفلسطينية رؤية خاصة بمشعل وليس إستراتيجية لدى حماس.

غريب أن يروج رجل بحجم وعمر وتاريخ احمد يوسف صاحب اكثر من 40 كتاب تاريخي وثقافي، لخالد مشعل من بوابة الشخصنة، متجاهلا البعد الاستراتيجي الذي شكل هذه الشخصية على مدار نحو 20 عاما في قيادة مكتبها السياسي، هذه الإستراتيجية كانت تعمل حماس على انجازها قبل مشعل واستمرت في العمل على انجازها بعد مشعل، فالإستراتيجية غير مرتبطة بأشخاص، بل بإرادة جماعية بوصلتها المصلحة العامة للوطن والأمة.

يا سادة خالد مشعل وإسماعيل هنية ومن قبلهم موسى أبو مرزوق مع حفظ الألقاب، ينطلقون من مشكاة واحدة، ويسعون لتنفيذ إستراتيجية واحدة وان اختلفت التكتيكات، قراراهم كان شوريا وما زال، كونهم يقفون على رأس هرم اللجنة التنفيذية لحماس، فهم ينفذون السياسة التي ترسمها وتقرها المؤسسات الشورية، وليس توجهاتها ورؤاهم الشخصية حول الأحداث.

من هنا جاء وجه الغرابة، أن تروج لشخصية كبيرة ووازنة بحجم ووزن خالد مشعل من بوابة الإستراتيجية التي تجمع عليها أطراف الحركة وامتداداتها في كل مكان.

فإذا تأملنا الخطاب الذي يقدمه مشعل في نبرته الوطنية والإنسانية، والمتلفع بالزخم العاطفي والأخلاقي والسياسي العابر للحزبيات والعرقيات، نجد انه هو ذات الخطاب الذي كان يقدمه الرئيس الأسبق لحماس موسى أبو مرزوق، وهو ذات الخطاب الذي يقدمه زعيم حماس الحالي إسماعيل هنية، وان اختلف الأسلوب تبعا لكاريزما كل قائد منهم، فهو خطاب بالمجمل يُقدِّم مصلحة البلاد فوق مصلحة الحزب أو التنظيم، فحماس وغيرها من التنظيمات في نظرنا وسيلة وليست غاية،  لذا يدفعهم الإحساس بالمسؤولية الوطنية للبحث عن القواسم المشتركة ونفي التناقضات السياسية والأيدولوجية مع الآخر، ما دام يجمعنا السعي لهدف واحد.

لست من يحدد لأحمد يوسف كرجل مخضرم رؤيته للأمور والأشخاص، ولكن كنت أتمنى أن يذهب هذا الرجل السبعيني العتيق، للترويج لتعاضد الجهود، وتكامل العقول، وتزامن السير نحو أهدافنا، عبر توزيع محكم للأدوار بين هذه الشخصيات، كونها باتت تشكل أهرامات حماس، بما يضمن الوصول لما نتمنى، فحماس بحاجة اكثر من أي وقت مضى لكاريزما مشعل، وحماس وحيوية هنية، ولرزانة وهدوء أبو مرزوق، ولإبداع وتجديد برامج مختلف الهيئات الإدارية والقيادية على امتداد الساحة الفلسطينية والساحات التي تنتشر فيها حماس سياسيا وشعبيا، وبعث الروح الثورية فيها من جديد.

فحماس التي طالما اكتوت بنار دكتاتوريات العرب، يجب أن تصبح أبعد ما تكون عن تقديس الأشخاص لصالح رأي الجماعة، وأبعد ما تكون عن العدوى بمصيبة التنافس على الكرسي والزعامة، فقد علمتنا حماس ان الارتقاء في مناصبها هو ارتقاء نحو الشهادة، فحركة ثورية مقاتلة لا ينبغي أن يتقدم فيها ولا يرتقي سوى الفدائيون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com