عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثاني للزمن الأربعيني، السنة ب

القدس – ابو انطون سنيورة – بقلم ،بطريرك اللاتين – بييرباتيستا بيتسابالا :  (مرقس ٩: ١–٩)   يُشكّل حدث التجلّي جزءاً من مسيرة التنشئة لفهم الرسالة المسيحانيّة الحقيقيّة الّتي يحملها يسوع إلى تلاميذه. يمكننا القول، اليوم، أنّ يسوع يعطي التلاميذ تعليماً عن مسيحانيّته وعن الفصح. في الواقع، قبل ستّة أيّام، تحديداً، (مرقس ٩: ٢) كان يسوع قد كلّمهم، للمرّة الأولى، عن موت الصليب الذي كان سيعانيه في أورشليم (مرقس ٨: ٣١). وفي وقت لاحق، كان قد أوضح للجمع ولهم أيضاً طبيعة الشروط التي تجعل التلميذ مُستحقاً لاتّباع يسوع: “من أراد أن يَتبعني، فليَزهد في نَفسِه ويَحمِل صَليبه ويتبعني” (مرقس ٨: ٣٤).

ولكنّه لا يُكلّمهم عن الصليب وحسب: وإلا كانت التنشئة، بالتالي، غير كاملة. على جبل طابور، بينما هو متجلّ ومُتألّق بالمجد، يُكلّم التلاميذ عن القيامة أيضاً، ويُعلن لهم، ليس بالكلام بل من خلال حدث مُنير، أنّ خاتمة الصليب الأخيرة ليست الفشل، بل العبور إلى المجد، وإلى حياة الآب. بينما تدنو الآلام، يُعدّ يسوع التلاميذ، مُبيّناً لهم صورة مُسبقة للمجد، كي لا يتعثّروا من الصليب.

ولكن هل هذا كلّ شيء؟ هل تعليم يسوع عن الفصح يؤدّي حقّاً إلى فهم أكبر من جانب التلاميذ؟ هل يُجنّبهم المعثرة، والخيانة، والإنكار، والهروب، والعار؟ هل ذاكرة خبرة جبل طابور ستحفظهم من الخوف؟ في الواقع كلاّ.

إنّ التجلّي، مَثَلُه كمَثَلِ الإعلان عن الآلام، لا يجنّب التلاميذ معثرة الصليب. فإنّه ليس خبرة قويّة جدّاً إلى حدّ جعلهم قادرين على البقاء مع يسوع حتّى النهاية. فعلى الرغم من الإعلانات الثلاثة عن الآلام، وعلى الرغم من التجلّي، فإنّ جميع التلاميذ يُظهرون، تحت الصليب، عدم قدرتهم على اتّباع معلّمهم. هم تلاميذ لا يعرفون كيفيّة إنكار أنفسهم. وكما نعلم، فهم يخونون (مرقس ١٤: ٤٣)، ويهربون (مرقس ١٤: ٥٠) وحتّى يُنكرون (مرقس ١٤: ٧٢).

 وهذا يفتح لنا الباب على معنيين آخرين.

هذا هو المعنى الأوّل: بما أنهم، في الواقع، لم يفهموا إعلان الآلام، فإنّ التلاميذ الآن لا يفهمون أيّ شيء عن خبرة التجلّي (مرقس ٩: ٦ و ١٠). وهذا ليس لأنّهم بطيئو الفهم وأغبياء، بل لأنّهم، في قلب الإيمان الّذي يسيرون بموجبه، هناك شيء لا يمكن فهمه بالقدرات البشريّة وحدها، لأنه يتعدّى الصفات البشريّة الّتي يمتلكها التلاميذ لقراءة الحياة. لا يمكننا فهم الصليب والفصح من خلال تعليم ما، كما لو كان شيئاً معرفيّاً، أي ما يُقارب معلومات نستمع إليها كي نستوعبها. لفهم الفصح بشكل عميق سيتوجّب على التلاميذ أن يختبروا فشلهم الشخصي وسوء فهمهم، على الرغم من أنّهم، خلال خدمته، كانوا قد حصلوا على الإعداد اللازم من خلال حوارات يسوع معهم. ولكن بعد فشلهم وخيانتهم، سيتمكّنون من إعادة قراءة المسيرة الّتي قاموا بها مع يسوع، وأن يتذكّروا كلّ شيء بذاكرة جديدة، تُغيّر الحياة، وتُعطي المفتاح لفهم لأحداث. والروح القدس وحده يمكنه إتمام هذا العبور في التلاميذ (يوحنّا ١٤: ٢٦). إلى حدّ أن طبع وجه الربّ الحقيقي في قلوبهم؛ الربّ المصلوب والقائم من الموت.

والمعنى الثاني هو أنّ التجلّي –الّذي لم يؤدِّ إلى الحفاظ على أمانة التلاميذ– هو لحظة مجانيّة على الإطلاق من حياة يسوع ومن علاقته مع خاصّته: يسوع، ببساطة، يُبيّن أنّ الحياة الحقيقيّة هي عبارة عن حياة إنسانيّة مُغلّفة بالمجد، يسكنها الربّ. وهذه الحياة يلدها الرب ويمنحها.

الآب هو الّذي يدخل في هذه اللحظة، على جبل طابور، كي يضع ختمه، وكي يقول إنّ هذه الحياة المليئة والجميلة هو مصدرها الوحيد. لا يوجد تجلّي دون الآب، لأنّ الحياة الجديدة الّتي تُشرق في يسوع هي حياة الأبناء: “هذا هو ابني الحبيب” (مرقس ٩: ٧).

في ليلة عيد الفصح، ستعمّد الكنيسة العديد من الأطفال والبالغين، وسوف تلد أبناءً كثيرين إلى حياة جديدة: سوف تمنحهم هذه الحياة، الحياة الّتي نراها اليوم تتألّق في يسوع: تلك الحياة الّتي تلقّتها الكنيسة من جنب الرّب يسوع المطعون، حياة الأبناء الذين يعرفون كيف يفقدون أنفسهم في الحبّ. وسوف يلبس هؤلاء الأبناء الجدد ثياباً بيضاء، تماماً مثل يسوع على جبل طابور.

بطرس، من كلّ ما يجري أمام عينيه، يفهم فقط أمراً واحداً وهو أن ذلك كان حسناً (مرقس ٩: ٥) وبالتالي تنشأ الرغبة في البقاء والتوقف والسكنى على الجبل.

ومع ذلك، فإنّ الطريق للبقاء هناك، لا تتمثّل في إقامة ثلاث خيام. إنّ الطريق هي الّتي يشير إليها الآب: “له اسمعوا” (مرقس ٩: ٧).

إنّ عبارة “استمعوا إليه” هي النبوءة الّتي وعدت إسرائيل بموسى جديد (تثنية ١٨: ١٥). استمعوا إليه وحده (مرقس ٩: ٨)، هو الربّ والطريق الجديد للحريّة الجديدة، للفصح الجديد والنهائي.

 تأملات البطريرك بيتسابالا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com