عظة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد الثالث للزمن الفصحي، السنة ب، ٢٠٢١

القدس – ابو انطون سنيورة -عظة-  بقلم – البطريرك بيير باتيستا بيتسا بالا بطريرك القدس للاتين – ان إدراك التلاميذ لقيامة يسوع من بين الأموات لم يكن سريعا ولا متوقعاً. في الواقع، في كل ظهورات يسوع، يواجه تلاميذه صعوبةً في إدراك أن الشخص الذي يقف أمامهم هو نفسه يسوع الذي عاشوا معه وآمنوا به.

كما وأن مقطع إنجيل اليوم (لوقا ٢٤: ٣٥– ٤٨) ليس خروجًا عن القاعدة: يخبرنا القديس لوقا أن التلاميذ قد “أخَذَهم الفَزَعُ والخَوف” حتى “ظنّوا أنّهم يَرَونَ روحاً” (لوقا ٢٤: ٣٧). وها هو يسوع يطمئنهم موبخًا إياهم: “ما بالُكم مُضطَربين، ولمَ الشُكوكُ في قُلوبِكم؟” (لوقا ٢٤: ٣٨).

يساعدنا مقطع إنجيل اليوم على فهم الصعوبة الحقيقية التي تواجه التلاميذ: يعتقدون أنهم يرون روحاً وليس شخصاً حقيقياً من لحم ودم. ويطمئنهم يسوع بالتحديد إزاء هذا الأمر: “إلمسوني وانظروا، فإنّ الروح ليسَ له لحمٌ ولا عظمٌ كما تَرِون لي” (لوقا ٢٤: ٣٩).

تتمثل الصعوبة التي يواجهها التلاميذ في عدم قدرتهم على تصوّر إمكانية أن يكون يسوع شخصا حقيقياً.

يعتقدون أن كل شيء يمرّ بالموت ينتمي الآن إلى عالم عابر يتكون من ذكريات الماضي، وليس إلى عالم حياتنا: كل شيء قد عبر من خلال الموت لا يمكن أن يكون بعد الآن جزءاً من تجربتنا الحقيقية والعادية.

والعكس هو الصحيح: لا يوجد هناك أمر أكثر حقيقة وواقعية ويقيناً من الذي قد عبر من خلال الموت وخرج حياً. ينتمي يسوع الآن إلى الحياة بمعناها الكامل وذلك بالتحديد لأنه مات وقام من جديد: لقد انتصر على الموت، فليس للموت عليه من سلطان؛ لقد أصبحت حياته حياة حقيقية.

ولكي يدرك التلاميذ هذا الأمر ينبغي مساعدتهم على المرور بمرحلة انتقالية، هي وثبة إيمانية: إلا أن هذه الوثبة ليست بمقدورهم. وسيكون يسوع هو من سيساعدهم على اجتيازها. سيقوم بذلك بطريقتين: الأولى تتمثل في تناول الطعام بمرأى منهم (لوقا ٢٤: ٤٢– ٤٣). وليس أكثر طبيعية وانسانية من الأكل. إذاً ليس يسوع روحاً فقط فقد ظل إنساناً حقيقياً مثلنا: في داخله تكمن إنسانيتنا الكاملة.

وعندما يحدث هذا الأمر، يمضي بهم يسوع إلى أبعد من ذلك ويفتح أذهانهم على فهم الكتب المقدسة. إن لِفعل “فتح” في الأناجيل قيمة شفائية، فهي تستعمل دائماً في معجزات يُرجع  فيها يسوع حاسة البصر إلى العميان وحاسة السمع للصم. ويشفي يسوع هنا تلاميذه ويعطيهم القدرة على فهم الكتاب المقدس، لقراءة تاريخ الخلاص من جديد، ويقودهم لكي يروا أن أسلوب السر الفصحي هو الروح الحقيقي للعهد بين الله وشعبه، وأن هذا الأسلوب هو أسلوب الله. يخلق يسوع حوارا بين تجربة التلاميذ وبين تاريخ الخلاص ويقوم بذلك ليفتح أذهانهم.

ولكن حتى هذا ليس كافياً: ليس من الكافي أن يفهم التلاميذ أنه لم ينته كل شيء بفشل. ينبغي عليهم أن يدركوا الآن أن كل شيء قد بدأ بالنسبة إليهم، وأن فصح يسوع، تتميم الكتب المقدسة، وهو بداية جديدة لهم: “ستُعلَنُ بِاسمه التوبة وغُفرانُ الخطايا لجَميع الأمم، ابتداءً من أورشَليم. وأنتم شُهودٌ على هذه الأمور” (لوقا ٢٤: ٤٧).

في هذه الآية، من المهم أن نشير إلى عنصرين. العنصر الأول هو ثنائية التوبة وغفران الخطايا. هذه الثنائية ستعود في تعليم الرسل: بعد شفاء المقعد، يُخبر بطرس حشد الناس الذين ينظرون إليه بدهشة: “…أتمَ اللهُ ما أنبأَ من ذي قَبلُ بِلسانِ جميع الأنبياء، وهو أنَّ مَسيحَهُ سَوفَ يَتألّم. فتوبوا وارجعوا لِكي تُمحى خطاياكُم” (أعمال الرسل ٣: ١٨– ١٩).

بعد ذلك بقليل، وأمام المجمع اليهودي الأعلى، سيكرر الأمر ذاته: “الله رَفعه بيَمينِه وجعله سيّداً ومخلّصاً ليَهِب لإسرائيلَ التوبة وغفران الخطايا، ونحن شهودٌ على هذه الأمور. وكذلك يَشهَدُ الروحُ القُدُس الذي وَهَبَه الله لمَن يُطيعُه” (أعمال الرسل ٥: ٣١– ٣٢).

ذلك يعني أن بطرس والتلاميذ قد فهموا جيداً أن هذه الثنائية هي أساسية: أدركوا أن الغفران هو المفتاح لفهم الكتب المقدسة، وأنه لكي نصل إلى الغفران من المهم أن نتوب ونغيّرعقليتنا.

التوبة في الأناجيل لا تعني كمال الأخلاق أو العيش في حالة لا نقترف فيها خطيئة. التوبة هي التغيير في العقلية التي تجعلنا نرى خطيئتنا ورفضنا قبول الرب، وعليه نصبح متسولين للغفران. التوبة إذاً هي فتح قلبنا للرب. إن التلاميذ شهود على ذلك ولا شيء آخر. هم شهود أنه بفضل الرب القائم من بين الأموات ستمتد إمكانية التوبة والغفران إلى الجميع.

للجميع، ولكن “ابتداءً من أورشَليم” (لوقا ٢٤: ٤٧): هذا هو الأمر الثاني المثير للاهتمام.

يقول يسوع أن التوبة والغفران سيتم تعميمها على جميع الأمم. وبالنسبة إلى كلمة “الأمم“، يستعمل القديس لوقا مفهوماً يونانياً يرد فقط في معرض حديثه عن الوثنيين.

إذاً نستطيع القول أن دعوة يسوع يمكن صياغتها كالآتي: “اذهبوا إلى الوثنيين، ابتداءً من الوثنيين الذين في أورشليم!” إن أول الأمم الوثنية التي علينا إعلان البشارة لها هي دائما نحن، ثم عائلتنا وبلدنا ومدينتنا. ليس الآخرون هم الوثنيون بل نحن.

يهدف الفصح لأن يعطينا هبة التوبة وغفران الخطايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com