مع الأديب ياسين السعدي وديوانه الشعري ( يا عاشقا وطنا ).. عبد السلام العابد

أهداني الأديب الأستاذ ياسين السعدي ديوانه الشعري الجميل ( يا عاشقا وطنا ) الذي يضم قصائد شعرية ، كتبها منذ شبابه الأول، في ستينيات القرن الماضي حتى ما قبل طبعته الأولى عام ٢٠١٨م، بقليل.
ويُعد أديبنا ياسين السعدي واحدا من أدبائنا المثابرين والمتابعين لمسيرة الثقافة والأدب ، وأذكر أنني استعرت منه أعدادا كاملة من مجلة (الأفق الجديد ) التي كان يحتفظ بها مجلدة ومرتبة، حسب تاريخ صدورها، وأذكر أنني قرأت صفحات منها، وكتبت عنها قراءة ثقافية مطولة، ولكن هذه الدراسة ضاعت للأسف الشديد، بعد أن أعطيتها لأحد الأصدقاء؛ كي ينشرها، ولم أتمكن من استعادتها ، غير أنني بررت بوعدي للأديب ياسين السعدي، فأعدت له ملف المجلات التي كان يحتفظ بها ككنز ثمين .
تفتحت براعم الموهبة الأدبية لديه، وهو طالب في الثانوية العامة ، ونماها بالقراءة والتثقيف الذاتي، ومواصلة التعليم ، حيث حصل على الشهادة الجامعية في اللغة العربية ، وعمل معلما في مدارس الوطن، إلى أن أحيل إلى التقاعد ، ولكنه خلال هذه السنوات الطويلة لم ينقطع عن كتابة الشعر ، والمقالات الأدبية والصحفية التي كان ينشرها في الصحافة ، ولا سيما مقال (هدير الضمير )في صحيفة القدس منذ العام ١٩٩١م . وله العديد من المؤلفات المنشورة .
تزيّن غلافَ الديوان صورةٌ تراثية جميلة لمسجد فاطمة خاتون الأثري في جنين ، كما كان سنة ١٩٦٧ م ، وقبل أن يبدأ القاريء بقراءة القصائد تلفت انتباهَه مجموعةٌ من الأبيات الشعرية للشاعر الفلسطيني المرحوم خالد نصرة، ويؤكد أديبنا أن هذا الشاعر من أكثر الشعراء الذين تأثر بهم .
ويبدأ السعدي ديوانه بالمدينة التي أحبها ولم يغب عنها ، مدينة جنين التي ارتسمت صورتها في ذهنه ووجدانه، في الماضي والحاضر ، حيث ترافق القصيدة صورٌ للمدينة في ستينيات القرن الماضي ، ببساتينها ونخلها وفضائها الجميل.
هذه القصيدة التي تفيض عذوبة ورقة وحبا وجمالا كتبها الشاعر ونشرها في مجلة رسالة المعلم عام ١٩٦٥م ، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاما .يقول الشاعر:
جنين يا جنة الأحلام والأمل //يغفو لديك جلال الدهر والأزل
يا صفحة من كتاب الكون قد نُشرت //أطرافها بين عنق السهل والجبل
خطت يد الله فيها سر فتنتها // فأودعتها جمالا غير ممتثل
وفي موقع آخر:
تزغرد الريح في أغصانها طربا // فتنثني خجلا ، يا روعة الخجل
والطير تصدح في أرجائها سحرا //تستقبل النور في شوق وفي جذل
تموج رائحة الليمون عابقة //تحيي النفوس وتجلوها من العلل
والبرتقال ثريات لها ألق //والطل يغفو على الأوراق كالنحل
يطرز العنبر المسطور أسيجة // خضرا تحف بها كالهدب بالمقل
هذي جنين وعين الله تحرسها //يضفي الربيع عليها رائع الحلل !!.
يا لها من لوحة فنية آسرة تتمازج فيها الألوان والروائح والمشاهد والصور والأخيلة والأحاسيس..!!.
أما القصيدة الرائعة التي حملت عنوان الديوان (يا عاشقا وطنا ) فقد هزتني من الأعماق، وأذكر أنني قرأتها سابقا أكثر من مرة ، وكلما قرأتها شعرت بهذه الأحاسيس الوجدانية . ترسم الأبياتُ الشعرية في ذهني مشهدَ مجموعة من الشباب الأنقياء الذين حملوا دماءهم على أكفهم ، في بدايات الانتفاضة الأولى ، وجاءوا إلى الحي، والشمس تجنح نحو المغيب، فيما كان الأهالي يرنون إليهم بمحبة وإعجاب ، مرّ الشباب سراعا،تلف رؤوسَهم الكوفياتُ الفلسطينية،يتدفقون رجولة وشجاعة، ومن بين الأهالي الذين يراقبون المشهد بإعجاب أبو أحمد الذي نادى زوجته ، وقال لها: انظري ، يا أم أحمد إلى هذا الشاب ، إنه يشبه ابننا الشهيد أحمد ،في حركاته ونظراته وطوله وشكله وخطوه الرتيب ، وشموخ جبينه ..!!. وترسم كلمات القصيدة المشحونة بصدق الأحاسيس صورة ابنهم الشهيد أحمد ، ففيه شيء من الشحوب الناجم عن فرط عشقه ،للوطن وترابه الذي سلبه الأعداء، وهب دفاعا عنه ، فعاد مستشهدا، ليسكن في القلوب ،ويخلد في الذاكرة ،عاطرا ونبراسا مضيئا …ويستعيد أبو أحمد تلك اللحظات التي علم فيها برحيل ابنه ، قال رفاقه: بشراك، نال أحمد الشهادة شامخا ، وتلقى الرصاص بصدره . وتنتهي القصيدة بمشهد وداع الأب والأم لحبيبهم الغالي .فالوالد ودّعه وروحُه مشرقة بالرضا ، والأم راحت تلثم جبهته بالقبل .فيما كان يطلب من زوجته التجلد والصبر ، فأحمد ابننا فدى لفلسطين الحبيبة.
وتتوالى قصائد ديوان (يا عاشقا وطنا ) و الملاحظ أن كل قصيدة ترتبط بتاريخ محدد، وصورة ، وذكرى معينة، ألهمت الشاعر ، وتتعدد المضامين وتتنوع ، فهو يكتب عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، والمدن الفلسطينية والقرى المهجرة، واحتلال العراق، وحرب الخليج، وأحداث الوطن العربي ، وكوريا الجنوبية وزيارته لها، والأصدقاء، والمعلمين ، والأسرة والأقارب والأحفاد، والشخصيات الوطنية والقومية، والشهداء، والأسرى ، والظواهر السلبية ، والإيجابية.
وختاما، فإنني أحيي أديبنا ياسين السعدي الذي ما انقطع يوما عن القراءة والكتابة والمشاركة الفاعلة في المشهد الثقافي الفلسطيني العام ، سواء على صعيد النشر، عبر الكتب المطبوعة ،أو في الصحافة الورقية والإلكترونية، وأتمنى له مزيدا من السعادة والصحة والعطاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com