“..تغرّبَ لا مُسْتعْظِمًا غيرَ نفسِهِ”..!.. بقلم : يوسف ناصر*

الأستاذ ميشيل الصّايغ ابن فلسطين البارّ وطريد نكبتها، علَم من أعلامها وشهاب من شهبها في الأردنّ ، صاحب الصّيت السّاطع والاسم اللّامع في الوطن العربيّ، ربيب أسرة زكيّة المغرِس طيّبة الفرع في مدينة يافا الغرّاء ، دفعته النكبة إلى اللّجوء طفلًا مع أسرته إلى عمّان في الأردنّ ليكابد فيها شظف العيش وقسوة الغربة، يُدنفه الحنين فيها إلى يافا الحبيبة، مرتع الطفولة ومهجع الصّبا ! حسناء فلسطين وحاضرتها، وغادة الوطن المقدّس ودُميَتُه! يحملها معه في جلجلان القلب في حِلّه وترحاله، وتتأجّج تباريح الشّوق في قلبه إليها كلّما طال الفِراق وشطّ المزار على رجاء العودة إلى ربوعها يومًا، ولسان حاله يردّد قول الشّاعرة الطّائيّة:
..بلادٌ بها نِيطَتْ عليَّ تمائمِي وأوّلُ أرضٍ مَسَّ جلدِي تُرابُها..!
إنّه واحد بين ألمع رجال فلسطين في الشّتات والمهجر ممّن كانوا نعمة على البلاد الّتي حلّوا بها في أرجاء المعمورة. وقد كان للنكبة فضل عليه أيّام الرحيل والتشرّد إذ فتّقت الشدائد مواهبه الخامدة، وفجّرت المحن قواه الدفينة حتّى امتطى ذروة النجاح الباهر، وتوقّل في قمة الشّهرة الواسعة بفضل عزمه الوثّاب وهمّته العصماء، وقد مضى هناك في غربته بجدّه واجتهاده لا يلوي على شيء حتّى نوال الأرَب، وبلوغ المبتغَى، ولسان حاله يقول ما قال أبو الطّيّب المتنبّي :
تَغرّبَ لا مُستعْظِمًا غيرَ نفسِهِ ولا قابِلًا إلّا لخالقِهِ حُكْمَا..!
ولا عجب! فعلى لظى الجمر المتوقّد تُقَوَّم السّيوف المواضي! ولولا ظلمة اللّيل الدّاجي لَـما شعّت الكواكب وسطعتْ يومًا!
وكان بفضل بأسه وذكائه وإقدامه، وما حباه الله من نفس طمّاحة تشرئِبّ إلى العلا، قد أقام شركة عُظمى بخدماتها وإنجازاتها المميّزة، تُعدّ في طليعة الشركات العالميّة في الأردنّ والوطن العربيّ عامّة، كما أقام إضافة لذلك محطّة البثّ التلفزيونيّ العريقة “رؤيــــــا ” لتكون لكلّ مشاهد عربيّ بين أعظم وسائط الإعلام في الأردنّ والوطن العربيّ كافّة.
.. وإنّه لحقٌّ عليّ أن أُنوّه بهذا الفارس الوطنيّ الشريف الّذي امتاز بلطفه وحكمته وسَعة صدره وسخائه، وما أسداه من خدمات جليلة وصنائع بيضاء تخرج عن التفصيل لكثرتها في الأردنّ وفلسطين خاصّة. وإن أنسَ لا أنسَ في هذا المقام أن أذكر عرفانًا بفضله، مساهمتَه في إتمام بناء ذلك الصرح الـمِشماخ في كفرسميع، والذي يشتمل على كاتدرائيّة فخمة تُعدّ بين أجمل ما يُقام اليوم من معالم في الجليلين والدّيار المقدّسة عامّةً، دعمًا منه لبقاء أبنائنا وأحفادنا في الوطن الحبيب، ومنع رحيلهم عن ثراه المقدّس.
وكما أنّ القلائد لا تتجلّى إلّا بلآلئها.. والتّيجان لا تتجلّل إلّا بدررها..! هكذا الأوطان لا تزهو إلّا برجالها الغُرّ الميامين، الصّادقين الصّالحين، وتبقى قيمة الرّجال دائمًا بما تنطق عنهم ألسنة أفعالهم لا أقوالهم مّما كابدوه وقدّموه وفعلوه لخير أوطانهم! وحسْبُ الأستاذ ميشيل شرفًا أنّ الله خصّ به يافا دون غيرها ابنًا بارًّا زادها قدرًا في غربته! وأنّ فلسطين جادت من رحِمها لشعبها برجل في قامته يبقى بيرقًا خفّاقًا من بيارقها يتألّق به تاريخها ويتمجّد.

كفرسميع الخميس 2\9\21
يوسف ناصر أديب معروف ومحاضر للّغة العربيّة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com