لافتة.. القدس وطيف الهَمَل.. عدلى صادق

موضوع القدس في الانتخابات البلدية أخطر من موضوع القدس في الانتخابات العامة، لأن معظم المقدسيين في الانتخابات العامة كانوا قادرين على التصويت في صناديق قريبة، والجزء الذي يسكن البلدة القديمة كان وما زال يستطيع التصويت في جوارها، والتذرع بالقدس كان محض حيلة لإلغاء الانتخابات المرعبة والحيلة تتيح للقوالين السحيجة الإسهاب في التظاهر بالوطنية والتشدد.
في الانتخابات العامة يحصل المقدسيون على تمثيلهم في مؤسسة التشريع والرقابة، لكنهم في الإنتخابات البلدية لن يحصلوا على بلدية، لكنهم يطرحون ورقتهم في إهاب مجلس بلدي موازٍ.
موضوع بلدية القدس، جوهري في الصراع وفي التاريخ الفلسطيني. وقد مرت على بلدية القدس، خوازيق من داخلنا، وسيكون طريفاً ومفيداً أن نتطرق بإيجاز لأول تلك الخوازيق بإيجاز:
في تظاهرات 4 إبريل 1920 طلباً للاستقلال ورفضاً لوعد بلفور؛ استقوى اليهود الصهيونيون بحاكم القدس العسكري البريطاني رونالد ستورز (الخطير في دوره وتواطئه مع الصهيونية) وأطلق اليهود النار على التظاهرة الفلسطينية إذ ترأس جابوتنسكي (الجذر الصهيوني لأحزاب اليوم) للمرة الأولى في بلادنا، تظاهرة مسلحة شاركه فيها الجنود اليهود في الجيش البريطاني. وبعد إخماد تلك الأنتفاضة، اشترط ستورز على رئيس البلدية موسى كاظم الحسيني، أن يختار بين السياسة ورئاسة البلدية. رفض موسى كاظم الفصل بين الدورين، مطمئناً الى أجماع المقدسيين على رئاسته وعجز ستورز عن إيجاد البديل العربي الذي يقبل أن يكون ألعوبة في يد ستورز. لكن هذا الأخير، وجد ضالته في راغب النشاشيبي العائد من الاستانة منذ أيام، وليس له في الدبس ولا في الطحينة، فطلب منه موافقة خطية على تسلم البلدية والفصل بينها وبين السياسة، فأعطاه النشاشيبي الموافقة الخطية. ويقول المؤرخون، وكذلك ستورز نفسه حسب مذكراته، أنه من فرط فرحته، ذهب للحسيني في بيته خلال عشرين دقيقة، وبدأ معه الحديث بأن وقت التغيير قد حان. أجابه موسى كاظم:”سعادتك حر في هذا العمل، لكني أنصحك بالتريث وعدم التسرع. فمعلوماتي الأكيدة أن ما من عربي يجرؤ أن يأخذ مكاني”. وعندئذٍ ناوله ستورز موافقة النشاشيبي الخطية. وبكل أسف، كان ستورز صادقاً عندما كتب في مذكراته، أن تلك، كانت بداية الانقسام الذي نريده في الحركة السياسية الفلسطينية!
في العام 2021 كانت القدس ذريعة إلغاء الانتخابات لإبقاء الانقسام، واليوم يجري التغاضي عن القدس في الانتخابات البلدية، علماً بأن انتخاب مجلس بلدي للمدينة موازياً لمجلس إسرائيل، سيكون ذا قيمة سياسية, وسيُعنى بالمقدسيين واحتياجاتهم وسيفرض نفسه وأبعاد دوره إيجاباً، وسيعزز الموقف الوطني من قضية القدس، لا سيما وأن طيف الهمل، يضع مدينة القدس على لسانه كعاصمة أبدية لدولة فلسطين المستقلة!
في كل الأحوال، تصويت المقدسيين متاح. وفي مسألتي الانتخابات العامة والبلدية، يريد طيف الهمل، تغييب القدس، مرة بذريعة وجوب حضور المقدسيين مع الصناديق، ومرة بالتجاهل التام لحضورهم مع صناديقهم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com