الحاكم العربي يلهف أموال الشعب ويتبرع للفقراء من “ماله الخاص!”.. د. كاظم ناصر 

الثروات التي حصل عليها الوطن العربي خلال السبعين عاما الماضية لا مثيل لها في التاريخ، ولهذا فإنّه ليس من الممكن تحديد عدد تريليونات (آلاف مليارات الدولارات) التي قبضها الحكام العرب ثمنا للنفط والغاز والمصادر الطبيعية الأخرى والضرائب، ونهبوها، وأضاعوها هم وعوائلهم وأعوانهم الفاسدين والمفسدين، أو ضحكت عليهم دول أجنبية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها وابتزتهم بمبالغ طائلة.
فلا غرابة إذا أن الفقر ” ضارب أطنابه ” في الوطن العربي، بجائحة كرونا وبدونها، بسبب السرقات وسوء الإدارة وعدم الاهتمام بالتطوير، والمواطن العربي الغلبان الذي لا يعرف من أين يتلقاها ” مبهدل “، ويركض لاهثا وراء رغيف الخبز له ولأسرته، ولا يحصل عليه الا مغمسا بالعرق والمعاناة والذل، ويطلب من الله في صلواته ان ييسر له أو لأحد أولاده الهجرة إلى دولة غربية توفر له عملا ليساعد أسرته، وتمنحه فرصة ليعيش بكرامة في غربة اختارها قسرا ويأسا وهروبا من واقع يتغير دائما للأسوأ.
والعناية الصحية في وطننا ” أحسن من هيك ما في ” حيث إنه لا يوجد في كل قطر من أقطارنا إلا القليل من المستشفيات والمستوصفات التي غالبا ما يسميها الحاكم باسمه كدليل على إنجازاته واهتمامه بصحة المواطنين، والتي يفتقر معظمها إلى التقنية الطبية الحديثة والإدارة والنظافة، ولا تكفي لتقديم خدمات صحية أساسية إلا لشريحة صغيرة من المواطنين؛ وفوق ذلك فإنها مكلفة جدا وإذا مرض المواطن لا يمكن فحصه وعلاجه إلا بعد أن يدفع، وإذا انتقل إلى رحمة الله لا يسمح لأسرته التي غالبا ما تعاني من الفقر باستلام جثته، والحصول على شهادة وفاته ودفنه إلا بعد أن تدفع نفقات إقامته وعلاجه، مما يعني أن المواطن العربي “مبهدل في حياته ومماته!” والدليل الساطع على ثقة الحاكم العربي بالنظام الصحي في دولته هو أنه إذا .. عطس أو شعر بصداع .. يهرول إلى طائرته الخاصة، ويطير إلى بريطانيا أو أمريكا أو ألمانيا أو فرنسا طلبا للعلاج؟!
وعن التعليم فحدث ولا حرج؛ معظم مدارسنا الابتدائية والثانوية متهالكة، وتعاني من نقص في المدرسين والمدرسات، وفصولها مكتظة حيث يصل عدد الطلاب في معظمها إلى ما يزيد عن أربعين طالبا، وتفتقر للنظافة والتقنية والمختبرات الحديثة والتدفئة والتبريد، ولا تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين، ومناهجنا التعليمية محشوة بأكاذيب عن أمجادنا، وعن قدرات وبطولات وانتصارات وإنجازات حكامنا الوهمية.
وجامعاتنا تعاني من غياب الحرية الفكرية وتدخل الدولة والمحسوبيات في تعيين رؤسائها وعمداء كلياتها وأساتذتها، وتفتقر لوجود مراكز أبحاث مجهزة تقنيا، ومكتبات تزخر بالكتب الحديثة التي تحتوي على أفكار إبداعية، وأساتذتها يبصمون على الولاء والطاعة للدولة، وكل أستاذ يغرد خارج سرب الانبطاح والاستسلام والنفاق والتعفن الثقافي والفكري يتهم بألف تهمة، ويحارب حتى يتم اسكاته، أو يسجن، أو يهرب من البلاد إذا أتيحت له الفرصة.
أما عن الصناعة والزراعة في معظم دولنا العربية فلا تسأل! فنحن ما زلنا نستورد القمح والطحين والأرز والذرة واللحوم والملابس والأحذية والحمص والفول وسياراتنا ودراجات أطفالنا الهوائية وألعابهم إلخ. من عدد من دول العالم، وندفع عشرات بلايين الدولارات ثمن تقنية وأسلحة لأمريكا والدول الصناعية ” وصديقتنا الجديدة إسرائيل “، أي إننا أمة مستكينة مستهلكة لا تنتج حتى ما تأكل وتلبس، ونعيش عالة على دول العالم.
أما حرية المواطن فهي من كبائر المحرمات، إذ لا يحق له أبدا التعبير عن رأيه بصدق وصراحة، ويرتكب جريمة لا تغتفر قد يعاقب عليها بالسجن لسنوات، وقد يودع الوجود ثمنا لها إذا انتقد كامل الأوصاف ” ولي الأمر حفظه الله ورعاه “، الذي جند جيشا من الصحفيين ورجال السياسة والدين المنافقين والجواسيس الذي يعلنون ويفسرون ويدعمون ويباركون كل ما يفعله ويقوله، ويعتبرون ” طاعته أمرا إلهيا ” على الرغم من أن ديننا والأخلاق والقيم الإنسانية تحثنا على مقاومة الظلم والظالمين والتمرد على الحاكم الفاسد الجائر.
وأما عن احترام وتسهيل معاملات المواطنين في الدوائر الحكومية فحدث ولا حرج؛ فتأخير المعاملات والرشاوي والواسطة والمحسوبية جزء لا يتجزأ من مهام موظفي دوائرنا الحكومية؛ ولهذا فإن المواطن الغلبان الذي لا واسطة له، ولا يستطيع إرشاء الموظف يعاني من الإهانات وهدر الوقت حتى يتمكن من توقيع ورقة مدفوعة الأجر.
” أولياء الأمر” في وطننا أساتذة في نهب المال العام، حيث إن قصورهم وطائراتهم العملاقة الخاصة، ” وخدمهم وحشمهم”، ومئات مليارات الدولارات التي هربوها لبنوك الغرب تشهد على ذلك! إنهم يملكون 6 من أغلى 10 طائرات خاصة في العالم، وأحدهم دولته عايشه على المساعدات يملك طائرة ” إير باص 340 ” ثمنها 275 مليون دولار فقط لا غير. ولهذا فإن أكثر ما يعجبني فيهم هو أمانتهم وحرصهم على أموال الشعب! فهم يسرقون ثرواته ويتبرع الواحد منهم بجزء لا يستحق الذكر منها ” يعني بالبخشيش” للفقراء والمحتاجين، ويحرص على نشر تبرعاته ومكرماته في وسائل الإعلام، وعلى القول للفقراء بأنه تبرع بهذا المال من ” ماله الخاص”! ويتجاهل الحقيقة المرة وهي أن ميزانية الدولة كلها في جيبه، يعتبرها ” ماله الخاص “، ويتصرف بها كما يشاء ويلهف منها بغير حساب ودون مساءلة! فمن يريد أن يودع الحياة ليسأله من أين لك هذا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com