نبض الحياة.. انقلاب العسكر متوقعًا.. عمر حلمي الغول

يخطأ من يعتقد ان انقلاب الفريق الركن عبد الفتاح البرهان وفريقه العسكري في السودان فجر أمس الاثنين الموافق 25 أكتوبر الحالي (2021) مفاجئا، او غير متوقعا. لإن كل المؤشرات كانت تشير إلى حدوثه بين لحظة وأخرى، لأكثر من عامل، منها أولا تمكن المجلس العسكري وجهاز المخابرات السوداني من تمزيق وحدة حركة الإعلان والتغيير في مايو الماضي، ثانيا وضع العراقيل امام حكومة عبد الله حمدوك لمنعها من تحقيق أية إنجازات حتى لو متواضعة، ثالثا دس الفتنة بين الحكومة وفريق الإعلان والتغيير/ الميثاق الوطني من جهة، والحزب الشيوعي ويعض المهنيين من جهة أخرى، رابعا فتح أبواب الصراعات على مصاريعها بين القوى المختلفة، مما سمح لمجموعات فلول النظام السابق بالدخول على خط الصراعات، رغم انها لم تتمكن من تحقيق مىربها؛ خامسا الإعلان اكثر من مرة من قبل العسكر خلال الشهر الأخير بدءا من 25 سبتمبر الماضي عن محاولات انقلابية، وذلك بهدف تخويف القوى السودانية المدنية مما ينتظرها، والايحاء بعدم تمكنها من مواجهة التحديات القادمة، سادسا خلط الأوراق في المشهد السياسي السوداني، ودفع التناقضات بين القوى المتصارعة الى الشارع لتلقي بظلالها الثقيلة والقاتمة على المرحلة القادمة في حال تولت القوى المدنية السلطة في نوفمبر القادم بعد انتهاء مدة قيادة البرهان والعسكر للمجلس السيادي.
وعلى الصعيد الموضوعي جرت خلال الشهر الأخير حركة ديبلوماسية وامنية غير مسبوقة بين السودان والقوى الإقليمية والدولية، ومنها أولا زيارة الموفد الأميركي، جيفري فلتمان السودان اكثر من مرة خلال الشهر الاخير للتمهيد للانقلاب، واخرها زيارته يوم السبت الماضي والتي انتهت بعد حدوث الانقلاب امس الاثنين؛ ثانيا بين زياراته (فلتمان) للسودان زارت وزيرة الشؤون الافريقية في الخارجية البريطانية السودان، فيكي فورد يوم الثلاثاء الموافق 19 أكتوبر الحالي بذريعة تعزيز الشراكة بين البلدين، والتي حملت رسالة واضحة للقيادة العسكرية للحؤول دون وصول أي من قوى اعلان الحرية والتغيير للحكم، وتقديم رشوة للعسكر؛ ثالثا زيارة وفد عسكري وامني سوداني رفيع المستوى بشكل سري يوم الجمعة الموافق 8 أكتوبر الحالي برئاسة الفريق عبد الرحيم دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، وتحت اشراف الفريق اول ميرغني ادريس سليمان، مدير منظومة الصناعات الدفاعية لدولة إسرائيل استمر لعدة ساعات، ثم غادر عائدا للخرطوم، وفق مصادر صحيفة “السوداني”، وذلك تعزيزا للعلاقات الثنائية بين السودان وإسرائيل، وكمقدمة لإعلان رسمي للتطبيع بين الدولتين؛ رابعا تحريض ودفع دول عربية من محور التطبيع المجاني العسكر لحسم العملية السياسية خشية حدوث تطورات في الإقليم قد تؤدي إلى تطورات غير محمودة.
هذه المعطيات شكلت الأرضية والمناخ الملائم لحدوث الانقلاب العسكري. وإذا جاز لي القول، ان خطيئة قوى اعلان الحرية بشقيها (أ و ب) بالإضافة لتجمع المهنيين والشيوعيين، انهم ركنوا لاعتقاد ساد بينهم، ان العسكر قد لا ينقلبوا عليهم، وافترضوا انهم سيلتزموا بالوثيقة الدستورية الموقعة بينهم. وتناسوا، أو نَسيوا ان إسرائيل وأميركا وبريطانيا وعرب التطبيع جميعا لن يسمحوا لقوى الثورة بتولي الحكم، لأنهم خطر على المنظومة السياسية العربية المتشكلة حديثا والمرتبطة بالأجندة الصهيو أميركية الأكثر فجورا في الاستسلام والتبعية.
من المؤكد ان تداعيات الانقلاب لم تنتهِ بعد، رغم سيطرة الجيش على مقاليد الأمور، وحل حكومة حمدوك، الموجود تحت الإقامة الجبرية في مكان غير معلوم، وتشكيل حكومة جديدة، لان مدن وولايات السودان الشقيق شهدت نزول الجماهير الشعبية للشوارع تلبية لنداء قوى الثورة المختلفة رفضا للانقلاب وخيار العسكر، ورفضا للتطبيع مع إسرائيل، وتمسكا بخيار تسليم الحكم للمدنيين وتعزيزا لدولة المواطنة والديمقراطية. وبالتالي من السابق لأوانه الاستنتاج القطعي في السيناريو المحتمل لتسيد المشهد السوداني.
لكن المؤكد ان السودان سيشهد اصطدامات حامية الوطيس بين العسكر والجماهير الشعبية وقواها الوطنية والقومية والديمقراطية، وسينجم عن ذلك بالإضافة لاعتقالات غير مسبوقة للنخب السياسية والحزبية والمهنية بهدف تكميم الافواه، وخنق الحريات، ومواصلة خيار التطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية سينزف دم سوداني في الشوارع والميادين دفاعا عن الحرية والاستقلال واهداف ثورة ديسمبر 2018 / ابريل 2019 وللحؤول دون هيمنة العسكر على الحكم.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com