في سياق الإيحاءات.. عدلي صادق

مع كل الترحيب، بأي جهد أمني، في أي بلد، يتصدى للاختراقات الإسرائيلية ولشبكات عملائها الخَون؛ نلاحظ أن ما أعلنته السلطات التركية، عن اكتشاف شبكة تجسس تتشكل من فلسطينيين وسوريين؛ فيه من الثغرات والنواقص ما يساعد على إدراجه في خانة العلاقات العامة، بمستواها الكيدي، الذي يعتمد على تطيير الإيحاءات. كأن ما يُراد حصراً، هو أن يستكمل المشتغلون في الدعاية استخدام هذه الإيحاءات، ضد أطرف سياسية لا يرضى عنها النظام الأردوغاني، وليس لها علاقة لها بالأمر من قريب أو بعيد.
من حيث المبدأ، كان وما يزال التصدي لنشاط الموساد الإسرائيلي واجباً على دول العالم أجمع، وليس على أقطار العرب والمسلمين وحدهم. وعندما يُحرز التصدي نجاحاً بأي حجم وبأية رواية، ويريد الإعلان عن ذلك؛ فالأجدر به أن يضع النقاط على الحروف وأن ينشر ملخصاً للتحقيقات. فلا معنى للتحدث عن عدد خمسة عشر، ونشر الحروف الأولى من أسمائهم، دون تسليط الضوء على جذر الإنحراف وأسبابه ومن ساعدوا على مثل هذا العمل الشائن. وللأسف، جاء التركيز على فلسطينيين وسوريين، من باب الإستفادة من حال الفاقة التي يمر بها ملايين من الشباب الفلسطينيين والسوريين، على اعتبار أن العوز والبطالة، قد يدفعان واحداً من كل مليون إلى الإنحراف والخيانة، لكي يحصل على كلفة معيشته. فهذا شيء قد يحدث من حيث المبدأ، لأنه حدث في فلسطين نفسها.
لكن الرواية الملغزة عمداً، والمكتفية بإيحاءاتها، تفتح الباب للعديد من التساؤلات، إن كان على المستوى الذي أعلنته السلطات التركية عن هدف الجوسسة، أو على مستوى بعض العناوين والإشارات والإحداثيات. فالقول مثلاً، أن المضبوطين كانوا يتجسسون لمعرفة التسهيلات التركية للفلسطينيين والسوريين؛ لا يستقيم طالما أن موضوع التسهيلات معلوم بتفاصيله للجميع أتراكاً وعرباً، وتباهي به السلطات التركية بل تبالغ في شرحه، ولا يحتاج الى تجسس. أما القول بأن التركيز، كان على الطلاب الذين يتلقون تدريبات في صناعة الدفاع، فلا وجه له من التفسير، إذ لا يعرف الفلسطينيون والسوريون، أن لهم طلاباً يتدربون على الصناعات العسكرية. وإن كان هناك نفرٌ ممن يتدربون على تركيب الطائرات المُسيّرة؛ فهؤلاء سيكونون حكماً ممن رشحتهم أحزابهم وجرى إختيارهم بدقة. ثم إن القول، بأن مسؤول الموساد الخطير، الذي يقف وراء الشبكة، هو محض ضابط في ألمانيا، فهذا يستحث السؤال: ولماذا في ألمانيا وليس في تركيا مثلاً؟ فالرئيس التركي نفسه صرح مرات، أن التعاون الأمني مع إسرائيل، لم يتوقف حتى في فترات التوتر، أم إن استخدام هذه الإحداثيات يُراد منه فقط تثبيت عملية تجسس، جرت من وراء الإدارة المركزية للموساد. فالرواية مطلوبة بحد ذاتها، لكي تؤدي مقاصدها، بأقل قدر من الإزعاج لإسرائيل.
يقول البيان التركي، إن الأكبر سناً في الشبكة المزعومة، تلقى أموالاً عبر ويستيرن يونيون، لعقد اجتماعات في القنصلية الإسرائيلية. فلماذا هذه اللفة والويستيرن يونيون، طالما أن الإجتماع سيكون في القنصلية الإسرائيلية، والمال في يدها؟ وما الحاجة الى لقاءت في كينيا وكرواتيا وصربيا، طالما أن استنبول تزخر بوكلاء مخابرات أهل الأرض جميعا؟ وكيف لمثل هؤلاء الجواسيس من بين الجائعين، الحصول على وثائق مهمة لم تحصل عليها إسرائيل المفتوحة على خزائن معلومات حلف شمال الأطلسي، والمتعاونة أمنياً مع تركيا نفسها؟
الأطرف أن البيات التركي، يتحدث عن إحداثيات جغرفية ومالية لإضفاء شي من التشويق على البيان المُلغَز. فالشبكة تنقسم الى خمس خلايا، كل خلية من ثلاثة، والدفع لأحدهم كان بعملة “البكتوين” أي العملة الرقمية، وكأن الطفران السوري أو الفلسطيني يعرف هذه العملة وموصول بالبورصة. أما العملية الخطيرة، فهدفها جمع معلومات عن الطلاب، وكأن الطلاب جنود منخرطون في جيش سري، وليس هناك كشوفات بأسمائهم في جامعاتهم، متاحة لكل البعثات الثقافية. أو كأن حيثيات علاقاتهم الإجتماعية، بجانب الدرسة، غير مشهودة!
من حيث المبدأ، لا نستبعد اختراقات الموساد، لكننا نستغرب البيانات المقتصرة على الإيحاءات التي يراد وضعها في متناول أرزقيي الدعاية السوداء. وللأسف يُستخدم الإيحاء حتى على أعلى مستوى سياسي، كأن يُقال بأن عشرة سفرء مرشحون للطرد العاجل، لكي يتحسس خمسون سفيراً رؤوسهم وحقائب سفرهم، طالما أن لكل سفارة فرعها الأمني. كأنما نحن في زمن الإيحاءات ورمي الجملة في بطن الكلمة!.

لبرنامج “همزة وصل” على شاشة “الكوفية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com