انقلاب البرهان في حسبة “إسرائيل”.. عدلي صادق

في كل ما رَشح عن حكومة بينيت ـ غانتس، بدا أن خيار إسرائيل حيال تطورات السودان، هو أن الصمت طريق الحكمة!
فقد بدا واضحاً، أن رئيس مجلس السيادة في المرحلة الانتقالية، قد استعجل على ما يطمح اليه، وأرهقه التفكير في انهاء مدته المررة في الرئاسة، وأغوته فئة السحيجة التي هيأ لها أن تحتشد ببضغة ألوف أمام القصر، تطالبه بالانقلاب في التو والحال. لقد تخيل الرجل أن هؤلاء وبهؤلاء، يمكنه إقناع العالم، بأن انقلابه جاء كرجع الصدى للإرادة الشعبية. وعندما توغل في تقديراته الخاطئة، اندفع الى توسيع عمليات الاعتقال واختطف السودان السياسي كله. لكن ما حدث، بدءاً من يوم 21 أكتوبر، أن شعب السودان خرج لإسقاط الانقلاب، ولن يلوي على شيء آخر.
سرعان ما جاء الرد الأمريكي الذي أحبط البرهان. قال نيد برايس، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، إن على إسرائيل أن تُعيد تقييم مشروع التطبيع مع السودان، بينما هي تراقب الأحداث فيه عن كثب، وتنتظر ما سيحدث في كل ساعة، فلا مجال للصمت أو التنصل!
كانت الولايات المتحدة ، منذ بدء ولاية الرئيس جو بايدن، تنصح الإسرائيليين بأن يحاولوا تأسيس علاقة مع المدنيين في الحكومة، لأن جماعة العسكر في السودان، ليست حليفاً مضموناً. وفي الحقيقة، تُدرك إسرائيل أكثر من أمريكا، أن تأسيس علاقة مع المدنيين في الحكومة التي أطاحها البرهان، ليس بالأمر السهل، لأن الحكومة مهما كانت، تظل موصولة بالمجتمع. والسودانيون بطبيعتهم، من أكثر الشعوب العربية ثقافة وتجربة سياسية، ولديهم تعاطفهم الراسخ مع القضية الفلسطينية. بالتالي، فإن البرهان ومن معه، من شاكلة محمد حمدان دقلو، المُكنّى “حميدتي” ليسوا أكثر من عابرين في تاريخ السودان السياسي، وحسبهم أن يغادروا أحياءً، غير مأسوف عليهم.
الأمريكيون يقولون إن العديد من شركائهم السياسيين، تطيروا من الانقلاب، ومبعوثهم الى القرن الإفريقي جيفري فيلتمان، كمن أحس بالغدر. ففي مستهل الشهر التقى العسكريين، وكان يعرف أنهم يعدون أنفسهم للإنقلاب، فحذرهم وسافر، ثم عاد يوم 19 لكي يحذرهم ثانية، وغادر يوم 20 بعد أن حذرهم مرة ثانية لكنهم نفذوا الإنقلاب في اليوم التالي. وفيلمتان المخضرم، لم يكن سينصح بالتريث، لو كانت الحسبة صحيحة وخطوة البرهان ممكنة. فمع ورود الأنباء الأولى للإنقلاب، لم يتردد في الإعلان عن “قلق واشنطن البالغ”. وتوالى إعراب الشركاء عن قلقهم وإدانتهم، ودعوا إلى إعادة عملية الإنتقال السياسي في السودان الى مسارها الصحيح. ومبعوث بريطانيا الى السودان زاد قائلاً إن الانقلاب “خيانة للثورة وللانتقال وللشعب السوداني” وأكد مبعوث أمين الأمم المتحدة الى السودان، على قلق المنظمة الدولية من الانقلاب الذي عطل الانتقال السياسي!
يجدر التذكير، أن شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين، يرون في هكذا انقلابات، مشروعات لتخليق المآسي الاقتصادية والاجتماعية، التي تفتح عليهم ـ مع انفتاح بطون الأوطان ـ أبواباً أخرى لطلب الإغاثة، بينما هم لا ينقصهم المزيد. وها هي الولايات المتحدة، تسارع الى وقف صرف 700 مليون دولار من المساعدات المباشرة للسودان، كنوع من الضغط العملي العاجل.
تلقت إسرائيل نبأ الإنقلاب بفتور، ولرفع العتب أعربت عن قلقها وحذرت من التداعيات، ثم التزمت الصمت مع تنامي احتجاجات السودانيين. ففي هذه الحال، وقعت بين شقيْ الرحى. هي ترى في البرهان ـ من جهة ـ قوة الدفع المتحمسة للتطبيع، ومن جهة أخرى، ترى في الإنقلاب، قفزة في الهواء يمكن أن تسفر نتائجها عن فقدان وداد العسكر مع جفاء مضاعف من قبل الشعب. كان الصمت بالنسبة لها ذهباً، ولعلها تخشى أن ينكشف شيء، كأن يكون الموساد، مع فئة السحيجة، هما اللذيْن صنعا الغواية للبرهان، دون التحسب من خطر الفصل بين الشعب والفئة الحاكمة. فقد لاحظت إسرائيل أن عبد الله حمدوك، رئيس الحكومة، لا يتحمس للتطبيع، على الرُغم من مسايرته للبرهان في هذا الشأن، بقليل من العبارات الخافتة. بالتالي ظل موضوع الطبيع، موضوعاً يختمر في ذهن قادة الجيش وحدهم!
يبدو أن إسرائيل، كانت تتعجل هي الأخرى اتفاقاً رسمياً مع السودان، وترى في توسيع دائرة التطبيع مع العرب، تعويضاً عن تراجع ديبلوماسيتها الدولية، إذ باتت تتعرض لانتقادات من داخل مطارح أصدقائها التقليديين، بل من داخل منظمات اليهود الأمريكيين أنفسهم. لذا لم تنتظر انتهاء المرحلة الإنتقالية في السودان، لا سيما وأن الإتفاق الذي يحكمها جرى تعديله وتمديد أجله الزمني. فقد كان على البرهان أن يغادر الرئاسة بعد 18 شهراً وتسليم رئيس مدني خلال المدة المتبقية على الـ 39 شهراً، لكن التمديد الأول، استحث كلاماً عن تمديدات أخرى. ومن ذا الذي بمقدوره أن يعتقد، أن إسرائيل تتمنى خسارة البرهان حتى ولو أدى ذلك الى تعليق مصير السودان في الهواء؟! ومن ذا الذي يعتقد أن لإسرائيل مصلحة في قيام المؤتمر الدستوري الذي يتم خلاله حسم الموضوعات الخلافية والقضايا الخاصة بالوحدة الوطنية، واقتسام الثروة والسلطة، وعلاقة الدين بالدولة في ظل الدستور؟

لبرنامج “همزة وصل” على شاشة “الكوفية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com