الأم مصدر السعادة والأمان

 الأم مصدر السعادة والراحة والأمان والألفة والاطمئنان ولها عظيم الشأن، سعت لراحتك وأنت في بطنها وتحذر مما يضرها، فلا يكون طعامها إلا ما يثبتك في القرار، وتترك الشهوات اللذيذة، والأطعمة الشهية إذا كان يضر بك، وتترك الأشغال والتردد في قضاء الأوطار والمشي في الطرقات وحمل الأثقال إشفاقاً عليك.

 إنها معاناة طويلة أتى بعدها فجر تلك الليلة التي لم تنم فيها، ولم يغمض لها جفن، ونالها من الألم والشدة والرهبة والخوف ما لا يصفه قلم، ولا يتحدث عنه لسان، اشتد بها الألم حتى عجزت عن البكاء، ورأت بأم عينها الموت مرات ومرات، حتى خرجت إلى الدنيا فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحها، وأزلت كل الألم والجراح، وقد مرت سنوات عمرها وهي تحملك في قلبها، وتغسلك بيدها، وجعلت حجرها لك فراشاً، وصدرها غذاء، وتسعد لترى ابتسامتك، وسرورها أن تصنع لك شيئاً وسعادتك بفرحك.

 ومن يوم أن تلد إلى أن تستقل لا تحمل للمنزل من الطعام إلا ما يلائمك، وإن كان غير محبوب عندها فتترك محبوبها كرامة لك، ثم تنتصب لتربيتك وجلب المنافع لك ودفع المضار عنك، ولو تركتك في الأرض أكلتك الهوام وعقرتك الحشرات، فلا تزال تطلب رضاك حتى يبدو تميزك إلى أن بكيت أو حزنت صرفتك عن البكاء وصرفت عنك الحزن والأسى.

  ولقد بلغ من أمرها في تطييب نفسك، وإقرار عينك، ودفع ما يضيق به صدرك، مبلغاً لا تجازيها عليه أبداً، وكيف لا وقد عملت من أجل راحتك وسعة صدرك، وتمر الليالي والأيام وهي خادمة لك، وعاملة لك، وداعية لك بالخير، تنتظر يوم شبابك ويوم لقائك ويوم رجولتك، ويوم زواجك فتفرح لزفافك، ويتقطع قلبها حزناً على فراقك.

 إن الإحسان إلى الأم له فضائل وثمرات منها: قبول العمل، وتكفير السيئات، وإجابة الدعوة، بل هو الحق الثاني بعد حق الله ورسوله، وفي الحديث عن النبي (ص) أنه قال: (إن أحب الأعمال إلى الله: الصلاة على وقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله)(1)

 انظر إلى هذا الأجر العظيم دون قطع الرقاب وضرب الأعناق..ومنه أيضاً إنشراح الصدر وطيب الحياة وسعادة في الدنيا وزيادة في العمر وتفريج الكربات وذهاب الهموم والأحزان، وبركة في المال والأولاد وتيسير الأعمال وحفظ الأوقات.

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه). (بحار الأنوار: ج71/ ص89). وأما في الآخرة جنة عرضها السموات والأرض، جاء عن معاوية بن جاهمة قال كنت مع النبي (ص) أستشيره في الجهاد. فقال لي: (ألك والدان)؟ قلت: نعم، قال: (ألزمهما فإن الجنة تحت رجليهما).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: صحيفة صدى الروضتين(صحيفة شهرية تصدر عن شعبة الإعلام في العتبة العباسية المقدسة)- العدد/ 271- أبو محمد الذهبي

(1) الفصول المهمة في أصول الأئمة: 3/ 56

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com