الطبيب أبو العيش فيما يطمح.. عدلي صادق

كانت الذريعة لدى محامي الدفاع جاهزة ومقتضبة. فقد قتلت طائرات الحرب الإسرائيلية بنات الطبيب الفلسطيني عز الدين أبو العيش الثلاث، وكُبراهن الفتاة بيسان، وشقيقتيها مايار وآية، ومعهما إبنة خالتهن نور!
تغاضى القاضي الاحتلالي العنصري، عن التفاصيل الكثيرة، واعتمد الذريعة المقتضبه، التي تقول إن الجريمة الفاجعة ناتجة عن “حرب”.
في التفاصيل الكثيرة، وبعضها يتعلق بمألوف الحرب، كان الطيار الإسرائيلي الذي يقصف سيارة لكي يغتال من بداخلها؛ يُفاخر بأن لديه التقنية التي تُمكنه من قراءة الوقت من الساعة التي يحملها في معصمه، الفلسطيني المستهدف. ومر علينا في مألوف الحرب الإجرامية، أن يُقصف الشيخ أحمد ياسين وهو خارج من المسجد على مقعده المتحرك. كذلك فإن المألوف في أي حرب، استخدام مصطلح “الدروع البشرية” بمعنى أن وجود بشر، غير مستهدفين، يجعل القصف محظوراً، حرصاً على حياة البشر. ولا يُعرف في مألوف الحرب، أن لا تتورع أحدث طائرات الحرب في العالم، عن قصف عربات ذوي الإحتياجات، وعربات كارو، وبيوت فيها أطفال. ثم لا يُعرف سطح منزل، ليس له تحت، ولا يُعرف تحت، ليس فيه سكان، ولا يُعرف طبيب فلسطيني، مستعد لأن يفتح بيته، تحتاً وفوقاً، وفيه أسرته، لمجموعة مقاومين، يطلقون النار، بينما هو يستمتع بأزيز ودوي الإطلاق هو وأسرته!
أما في تفصيلات الشخص الذي تعرض بيته لقصف أودى بحياة أربع زهرات فلسطينية؛ فهو أولاً طبيب نسائي، وثانياً هو أول طبيب من غزة، يعمل في مشفى إسرائيلي، بمعنى أنه تابع واطمأن وعالج نساء حوامل، بقطع النظر عن دينهن أو جنسيتهن، وكان يخاطبهن باللغة العبرية، وهذا كله أوجب على القاضي الاحتلالي، الذي يفتقد الحد الأدنى من الضمير، أن يُقدر ذلك، وإن لم يستطع، فيمكنه الإستزادة من دواعي الحد الأدنى من النزاهة، عندما يأخذ علماً بأن معظم الزهرات اللائي قُتلن، شاركن في مخيم صيفي للأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين، تحت عنوان “السلام” المرتجى.
في حيثيات الحكم، قيل كذباً، إن القصف جرى بعد أن اعتقد جيش الاحتلال، أن مجموعة من حماس تعتلي المنزل. وهنا يلجأ قاضٍ الى استخدام إسم حماس، لكي يبرر الجريمة، وفي ذلك تسهيل عليه، معطوفاً على حملة وصم حماس بالإرهاب. وكأن الطيار الذي قطع رؤوس وأشلاء 60 طفلاً في حرب شهر مايو الماضي وحدها، هو حمامة السلام، بينما الأطفال الضحايا هم الممتزجون بالإرهاب.
يظن المحتلون، أن منطق السفالة وتغطية الجرائم بالدجل الركيك، يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، وأن الغضب والكراهية المتأسسان عن هذا المنطق، لن ينتقلا من جيل الى جيل، وأن الأجيال الفلسطينية الجديدة، سواءً المحاصرة أو الطليقة، منفتحة على العالم، عبر وسائل التواصل، وبالتالي هي ذاهبة الى امتلاك وسائل الدفاع عن النفس، وتظهير المظلومية التاريخية، والتعرض بشتى الطرق المتاحة، للغطرسة الإسرائيلية، حيثما لا يفيدها السلاح.
لم يتبق أمام عز الدين أبو العيش، الذي انتقل الى كندا، سوى اللجوء الى محكمة الجنايات الدولية، على الرغم من عدم فعاليتها حيال الراسخين في الجرائم. فكل ما يطلبه الرجل، سهل على مرتكبي الجريمة، لأنه محض تعويض يريد تسخيره، لنشاط دعائي منزوع السياسة، يركز على حق فتيات فلسطين وفتيات الأمم، في الحياة الآمنة!
كان الطبيب الفلسطيني عز الدين أبو العيش، ينتظر من المحكمة الإسرائيلية النطق بلسان متحضر. ربما اختلط عليه الأمر، فظن أن التقدم في العمران وفي التقنية وفي تصنيع السلاح، يتلازم مع التقدم الحضاري. فهو طبيب ولا شأن له في دراسات الصهيونية، لكي يعلم أن عقليات العنصريين المحتلين، ما تزال حضارياً، في مستوى همجية القبابل القديمة في أدغال إفريقيا، عنما كانت لحوم البشر من القبائل المنافسة، ضمن مأكولاتها المفضلة!
سُئل أبو العيش عن وجهته التالية، فأجاب:”إن جميع الخيارات مفتوحة” وبدا جلياً في تكملة الجواب، المستوى الإنساني الفلسطيني الرفيع، إذ قال:”أريد التعويض، لتوفير فرص تعليمية لبعض الشبان والفتيات من الشرق، بما في ذلك إسرائيل” وليته عندما ذَكر إسرائيل، راعى الدقة فأشار الى فئة عربية مهمشة ومحرومة من أبسط شروط الحياة، في النقب المحتل! .

لبرنامج “همزة وصل” على شاشة “الكوفية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com