الانتخابات المحلية وإشكالياتها.. عدلي صادق

للمرة الثانية، منذ سنة 2017 يتقرر أن تُجرى انتخابات محلية مجتزئة، في الضفة، في سياق عملية التطبيع مع ذميمة الانقسام. وفي هذا الاجتزاء على الجانبين: الذي يجتزيء لكي يفرض عملية انتخابية يريدها وعلى مقاسه، والذي يشترط ويرفض عملية لا تناسبه ويكرس منطق التعيين الحزبي؛ يصبح الفلسطينيون أمام أسئلة السياسة قبل أسئلة المحليات.
انتخابات 11 ديسمبر المقبل، لا هي تصب في حراك ديموقراطي، ولا رفضها يصب في شيء. الوجة العقيمة هي نفسها والانسدادات تتزايد، وتتفرع الإشكالات على جانبي الخصومة. ففي الضفة لدينا معضلة نابلس، وهي أنموذج لرفض منطق التعيين. فبعد استفحال الخلافات ـ ربما المُوحى بها ـ في المجلس البلدي لمدينة نابلس، قررت حكومة اشتيه حله، وتعيين لجنة مؤقتة لإدارة البلدية، إلى حين إجراء الانتخابات. لكن ممثلي النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني رفضوا مبدأ تعيين رئيس وأعضاء المجلس، وطالبوا ببدء التحضير فوراً للانتخابات وتحديد الموعد من دون أي تأخير أو مماطلة. وفي الخليل استبق رئيس المجلس البلدي تيسير أبو سنينة، أية محاولة لتكرار التعيين؛ فقال إنه لن يُسلم موقعه إلا لمجلس منتخب، لأن “أعضاء البلدية ليسوا موظفين لدى الحكومة، وإنما منتخَبون مباشرة من الشعب الفلسطيني”. معنى ذلك أن اللعب في المحليات قد أصبح صعباً على السلطة أمام أطراف دولية تراقب. والمشكلة عسيرة لا سيما في المدن. أما في القرى فإن الناس تنتظر التوافق الوطني، لكي لا تنفرد فتح بالريف في الضفة ثم يقال إنها نجحت بالتزكية. أما في قطاع غزة، فإن البلديات تُدار برؤساء وأعضاء مجالس جرى تعيينهم، ويمكن أن يقال أن بعضاً من هؤلاء يحاولون تقديم أنموذج إيجابي على مستوى الخدمات، كما الحال في الضفة، لكن الثغرة الدستورية تكمن في التعيين نفسه، كما في الفراغ السياسي والدستوري على مستوى المشهد كله، وبالتالي هناك إشكالية مزمنة، ليست قابلة للتجميل أو للتحايل!
الانتخابات المحلية الفلسطينية يجب أن تُجرى كل أربع سنوات، حسب القوانين.
ولا يجوز تعطيل انتخابات المجالس المحلية تبعاً لإشكالات الانقسام، لأن أمر هذه المجالس يتعلق بإدارة الشؤون المحلية للسكان. وإن كانت الفصائل ترغب في جعل المحليات قطب الرحى بينها، على أن تخوض حماس الانتخابات في الضفة، تحت أسماء مستترة الانتماء السياسي، وكأن ما لدينا هو مشروع إدارة بلديات وليس مشروعاً سياسياً يتطلب التوافق على استراتيجية عمل وطني واحدة.
إن عملية انتخابية محلية في الضفة بدون غزة، ستكون معرضه للطعن من الوجهة السياسية، مثلما لن تتردد السلطة في الطعن في أي انتخابات تُجرى في غزة بغير الضفة وتحت حكم حماس. وهنا نعود الى المتاهة نفسها التي لن يخرج منها الطرفان، إن لم يعترفا بأن الحل الأصلي هو التوافق على الانتخابات العامة الشاملة والذهاب اليها أو على الأقل التوافق عليها وعلى مواعيدها، والبدء بالمحليات على أساس هذا التوافق.
الانتخابات المحلية المجتزئة، لن تسهم في رفع الضغوط عن سلطتي الأمر الواقع، لكي يذهبا اضطراراً الى الخيار الديموقراطي الذي لا يريدانه، سواء كانت الضغوط اجتماعية محلية أو إقليمية ودولية أصبح من بين وسائلها التراجع عن دعم موازنة السلطة وتشديد الحصار على غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com