هل ستحول دول الغرب أوكرانيا لمحرقة لمواطنيها الغير مرغوب فيهم ؟عميرة أيسر-كاتب جزائري

يبدو أن الدول الأوروبية تريد تكرار نفس ما قامت به في دول كالعراق وسوريا وليبيا، حيث حولت تلك الدول لجبهات قتال مفتوحة  طمعاً في الاستيلاء على ثرواتها وخيراتها، وخاصة الباطنية منها، وذلك بعدما أوجدت البيئة الحاضنة المناسبة لذلك، خدمة لمشاريعها الامبريالية الاستعمارية والتي تمتد لقرن ونيف من الزمن، حيث أن هذه الدول أصبحت غير قادرة على التحكم في مواطنيها الذين يتبنون أفكار التنظيمات الجهادية المتطرفة كالقاعدة وداعش والنصرة، والتي صنعت داخل مخابرها بالأساس، وخاصة أولئك الذين ينحدرون من أصول عربية أو إسلامية، ويعانون من مشاكل نفسية أو اقتصادية أو اجتماعية، والذين ترى فيهم هاته الدول خطراً محدقاً على أمنها القومي، خاصة بعد تنفيذ انتحاريين ذوي أصول أوروبية وغربية لعمليات إرهابية وانتحارية في دول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وأمريكا.

وبالتالي فإن هذه الدول التي حاولت استغلال التيارات والحركات الإسلامية المتشددة كورقة مساومة وابتزاز، وكأداة ضغط على العديد من الأنظمة في دول العالم الثالث وخاصة العربية والإسلامية منها،  للرضوخ لمطالبها وذلك في مقابل تسليمهم لها، قد أدركت بعد تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية التي راح ضحيتها العشرات من مواطنيها،  بأن بقاءهم فوق أراضيها سيسبب لها المزيد من المشاكل مستقبلاً، وبالتالي عملت على التخلص منهم بزجهم في مناطق الصراعات والنزعات  والحروب كأوكرانيا مثلاً.

وبمجرد إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زلنسكي، عن إنشاء ما يسمى بالفليق الدولي، والشبيه بذلك الذي أسسه الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، والذي ضمّ مقاتلين من مختلف الجنسيات والقوميات والأعراق، وخاصة المنحدرين من مستعمرات دول كبريطانيا وفرنسا، كالفليق الأجنبي الفرنسي، الذي تم تأسيسه سنة 1831م، بعد استعمار فرنسا للجزائر وخاض معارك ضارية دفاعاً عن فرنسا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وابتداء من سنة 2018م خدم فيه جنود ينحدرون من 140دولة، ويعتبر الفيلق الوحيد في الجيش الفرنسي الذي لا يقسم جنوده قسم الولاء لفرنسا، ولكن يحق لأي جندي جرح فيه دفاعاً عن فرنسا الحصول على الجنسية الفرنسية بالإضافة لحصوله على راتب تقاعدي مدى الحياة، والعديد من المزايا التحفيزية الأخرى.

أعلنت العديد من الدول  وخاصة الأوربية منها، دعمها لهذا الفليق الدولي مادياً ومعنوياً وسمحت لمواطنيها الراغبين في الانخراط ضمن صفوفه للقتال بمغادرة أراضيها مع تقديم تسهيلات كثيرة  لهم فيما يخص تذاكر السفر، وحتى أولئك المحكوم عليهم في قضايا جنائية أو الذين يتبنون أفكاراً جهادية متطرفة، وذلك دفاعاً عن قيم الحرية والديمقراطية والسلام العالمي، في وجه الدكتاتورية الروسية التي يمثلها الرئيس بوتين، وهم الذين قدموا من دول كبريطانيا و السويد و لتوانيا  والمكسيك وغيرها من الدول، كما أكد ذلك مسؤول رفيع في أوكرانيا رفض الكشف عن هويته . مثلما ذكر موقع Sky Newes عربية، بتاريخ 8مارس/أذار 2022م في مقال بعنوان (ماذا تخبرنا أول صورة عن الفيلق الدولي  في أوكرانيا).

فالدول الغربية قد أصبحت عاجزة عن التدخل  عسكرياً في أوكرانيا وذلك بعد تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الحرب العالمية الثالثة إن  اندلعت فإنها ستكون حرباً نووية، وهي الرسالة التي استوعبتها عواصم الغرب مبكراً، وتجنبت بالتالي الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، والتي ستكون لها تداعيات سياسية و اقتصادية و عسكرية وخيمة عليها، واضطرت إلى أن تغير استراتيجيتها في تعاملها مع روسيا بعدما تيقنت بأن هناك حلفاء لموسكو كبكين وبيونغ يونغ، قد يقدمون على فتح جبهات قتال جديدة لتخفيف الضغط على روسيا في أوكرانيا واضعاف جيوش حلف الناتو، وبالتالي تبنت استراتيجية الحرب الغير مباشرة عن طريق الزج بآلاف المقاتلين الأجانب بما فيهم الأوروبيين  لقتال  الجيش الروسي في أوكرانيا، وقدمت لهم حوافز واغراءات مادية معتبرة، وزودتهم بأحدث أنواع الأسلحة ، في محاولة منها لوقف تقدم القوات الروسية باتجاه المدن الأوكرانية الحدودية.

لأن سقوط أوكرانيا يعني سقوط آخر قلعة دفاعية في وجه روسيا بوتين، وهو الحالم باستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، التي سيطرت على نصف أوروبا وأجزاء واسعة من أسيا، طيلة ثلاثة قرون، وانتهت بعد انتصار الثورة البلشفية سنة 1917م، ويعتبر استعادة كل الأراضي السوفياتية الخطوة الأولى لذلك. مثلما ذكر موقع عربي بوست، بتاريخ 22جويلية/يوليو 2019م، في مقال بعنوان (نيكولاس الثاني، وريث أل رومانوف، الذي أصر الروس على تقديسه رغم أنف لينين وستالين).

فهؤلاء المقاتلين الأجانب الذين يشكلون ما يعرف بالفيلق الدولي، والذي يضم أكثر من 20 ألف مقاتل، ينحدرون من 52دولة، مثلما أكد على ذلك مسؤولون في العاصمة الأوكرانية كييف، ورغم علمهم بالشروط التي تعتبر قاسية بالنسبة للكثير منهم، بل وتعجيزية حيث أن أوكرانيا مثلاً تقوم بأخذ جوازات سفرهم بمجرد دخولهم لأراضيها، ولا تسمح لهم باطلاع على شروط العقد إلا بعد دخول أوكرانيا، كما لا يمكنهم مغادرة الحدود الأوكرانية إلا بعد انتهاء الحرب وتوقف القتال بشكل تام، بالإضافة لقبولهم العمل في ظل الأحكام العرفية وقانون الطوارئ الأوكراني، وعدم توفير الحماية القانونية لهم والتي تضمن لهم حق معاملتهم كأسرى حرب مثلما تنص عليه أحكام اتفاقية جنيف الثالثة، حيث أكدت موسكو في أكثر من مناسبة بأنها ستتعامل معهم كمرتزقة ومجرمين، وليس كأسرى حرب ولن تطلق سراحهم بمجرد انتهاء الحرب. كما ذكر موقع العين الإخبارية، بتاريخ 9مارس/ أذار 2020م في مقال بعنوان ( المقاتلون الأجانب في أوكرانيا…..”إقامة جبرية” حتى انتهاء الحرب).

لا يزالون راغبين في القتال  إلى  جانب القوات الأوكرانية ضدّ  الروس،  وبالتزامن مع تدفق المقاتلين الأجانب، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان رئيسها جو بايدن أنها سترسل شحنات من المعدات العسكرية المتطورة، تشمل أنظمة مضادة لطائرات وطائرات مسيرة لحلفائها الذين يقاتلون  في أوكرانيا تتجاوز قيمتها 1مليار دولار،  وهو ما قد يؤدي لتغيير موازين القوى على الأرض، لأن هاته الدول الغربية لن تسمح لبوتين بأن يحكم سيطرته على عاصمة أوروبية مهمة مثل كييف، في لعبة الصراع الجيواستراتيجي بين الدول الرأسمالية الغربية، وتلك الدول التي  تحاول التخلص من الهيمنة الأمريكية وإنشاء عالم متعدد الأقطاب، واسقاط كل المبادئ والأسس التي قام عليها النظام العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، والتي خدمت الأجندات التوسعية للدول  الغربية الكبرى،  الداعمة  للمشروع  الأمريكي  في أوروبا  الشرقية، غير أبهة بالتالي للعواقب الوخيمة والعكسية المتأتية عن عودة هؤلاء المقاتلين الذين زجت بهم في أتون الحرب الروسية الأوكرانية، وهم الذين سيعودون إلى بلدانهم الأصلية وهم مزودون بخبرات قتالية كبيرة، وخاصة فيما مجال حروب العصابات، متأثرين أيضاً بالنزعة الشوفية العنصرية  للنازيين القوميين الجدد في أوكرانيا، وهذا ما سيحولهم  لقنابل موقوتة سوف تتسبب في حدوث اضطرابات وحروب أهلية طاحنة في أوروبا في المستقبل المنظور بكل تأكيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com