فلسطين ما بين (النكبة، النكسة، الانقسام ، والانحياز )..!.. بقلم/ د. عبدالرحيم جاموس

أربعة وسبعون عاما قد مرت على النكبة الفلسطينية واللاجئين لا زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي هجروا منها وقواشين ممتلكاتهم من أراض وعقارات اغتصبت منهم عنوة واقتلعوا منها بالحديد والنار ، لا زال الفلسطينيون يتمسكون بحقهم في العودة الى قراهم ومدنهم التي هجروا منها وبيوتهم واراضيهم التي خلفوها وراءهم سنة1948م ، كانوا يعتقدون أنها مجرد أيام معدودات ويعودون اليها بعد ان رفضوا ومعهم اشقاءهم العرب قرار التقسيم رقم181لعام1947م ، في حين أعلنت العصابات الصهيونية قيام (دولة إسرائيل في الوقت الذي أعلنت فية الدولة المنتدبة بريطانيا انهاء انتدابها على فلسطين في 15/5/1948 م)، بعدها انتظر الفلسطينيون دخول الجيوش العربية التي أعلنت الحرب حينها من اجل تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية ومنع قيام الكيان الصهيوني على ارض فلسطين وتمكينهم من العودة الى ديارهم ، لكن للأسف النتيجة كانت الهزيمة و النكبة ،لم تتمكن هذه الجيوش من هزيمة العصابات الصهيونية التي استطاعت ان تحتل ما يساوي اكثر من78%من مساحة فلسطين متجاوزة بذلك النسبة التي كان قد قررها لها قرار التقسيم وهي نسبة 54%من مساحة فلسطين ، وُقِعت على اثرها اتفاقات الهدنة العربية الإسرائيلية لترسيم حدود الكيان الصهيوني الوليد على أساسها فيما بعد ، رغم ذلك بقي الأمل عند الفلسطيني بالعودة قائما ويكبر يوما بعد يوم وفق القرار الاممي رقم 194لسنة1948م كما بقي الأمل لديه ينمو و قائما بإزالة الكيان الصهيوني يوما ما قادما لا محالة وإقامة كيانه المستقل على كامل التراب الفلسطيني .
لكن الواقع العربي الرسمي كان يسير عكس هذة الآمال والأمنيات ، فوقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وانتهى بانسحاب القوات الغازية من سيناء وقطاع غزة ، وبقي الأمل ايضا قائما حين تستعد الجيوش العربية من جديد لمعركة التحرير ، لكن الطامة الكبرى والتي سميت بالنكسة حين وقعت حرب الخامس من حزيران للعام 1967م والتي انتهت بكارثة عربية كبرى ، باحتلال ماتبقى من ارض فلسطين وسيناء والجولان لتتضاعف مساحة الكيان الصهيوني خمسة مرات عما كان عليه، وسميت نكسة عربية ، عندها تصاعدت الثورة الفلسطينية التي كانت قد انطلقت في الأول من يناير عام عام 1965م على يد حركة فتح لتلتحق بها فصائل وطنية متعددة من مختلف الوان الطيف السياسي ، هكذا يمر اليوم على النكسة خمسة وخمسون عاما وما تبعها من مقاومة ونضال وكفاح فلسطيني وعربي بأشكال وأساليب مختلفة و جاءت حرب اوكتوبر1973م .. ليبدأ بعد كل ذلك مسلسلا جديدا من التنازلات في الصراع العربي الإسرائيلي يرتكز على أسلوب ( المفاوضات التي ادت الى توقيع اتفاق كامب ديفيد مع مصر ومن ثم اتفاق اوسلوا مع م.ت.ف واتفاق وادي عربة مع الأردن)..وبقي الفلسطيني رغم ذلك يحلم بالعودة الى وطنه ويحلم بإقامة كيانه المستقل وعاصمته القدس ..
مسلسل من النكبات والنكسات والتراجع في المواقف وسوء الإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني واكبه تفوق الكيان الصهيوني وداعميه وحلفاءه …
ليأتي الانقسام الفلسطيني الناتج عن انقلاب حركة حماس الحزيراني في15/6/2007م والذي يكون قد مر عليه اليوم خمسة عشر عاما ليمثل الضربة القاسمة للمشروع الوطني الفلسطيني المرحلي او في حده الأدنى ، ويتزاوج مع النكبة والنكسة ، ويمثل الركن الثالث في اركان تالوث النكبات والنكسات الفلسطينية والعربية ، التي جعلت من فلسطين ضحيتها المستمرة و الكبرى وتبعد امل العودة والتحرير الملازمان للإنسان الفلسطيني عقيدة لايحيد عنها ، منذ بدايات القضية الى اليوم الى سنوات وربما الى عقود أخرى ، هكذا تتشكل القضية الفلسطينية بفعل القوى الصهيونية وحلفائها من القوى الاستعمارية من جهة وبفعل التراجع وسوء الاستعداد والإدارة للصراع من الجانب العربي والفلسطيني ، والذي توج مؤخرا بموجة التطبيع مع الكيان الصهيوني مع عدد من الدول العربية دون تقديم اي تنازلات من طرف الكيان فيما يخص الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني متجاوزة هذه الدول كافة الخطوط الحمراء والبيضاء التي مثلت ثوابت الحد الأدنى للسياسات وللمواقف العربية من الصراع ومن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في وطنه …!
فلا الحروب العسكرية الكلاسيكية او الحروب الشعبية قد ادت الى تحرير فلسطين ، ولا مكنت اللاجىء الفلسطيني من العودة الى دياره، ولا مسلسل المفاوضات بالرعاية الدولية والأمريكية تحديدا قد تمكن من إنجاز ما اخفقت الحروب في تحقيقه…!
رغم كل هذة المحطات والنكبات والنضالات والتضحيات وما حملته من مآسي وتضحيات واخفاقات وما حققته من انجازات ، فإن الشعب الفلسطيني بقي ولازال يمثل حقيقة قائمة وماثلة للعيان و يربوا على اربعة عشر مليونا من البشر ليسو فائضا بشريا على وطنهم ، و لا على العالم حتى يستمر انكار حقوقهم الثابتة غير القابلة للتصرف من عدوهم وغيره من اشقاء واصدقاء ، و لا يجوز ان يترك فريسة لسياسات الكيان الصهيوني وداعميه ، ليواصل هذا الكيان مسيرة قضمه لحقوق الشعب الفلسطيني قطعة قطعة …
على طريق الغائها نهائيا وفرض الأمر الواقع الذي يفرضه بالقوة و ان يتم قبوله والتعامل معه من ثم عربيا وعالميا على صيغته العدوانية التوسعية والعنصرية ، المرفوضة فلسطينيا وعربيا ودوليا والمنافية لكل قرارات الشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي العام والخاص ،و كل ذلك يتم ويجري بدعم وغطاء من إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة كانت ديمقراطية او جمهورية سواء ، لا فرق سوى بالأسلوب ، فلا احد يعولُ على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة و المزمع القيام بها أواسط الشهر القادم لفلسطين المحتلة والمنطقة أن يحدث بعض التغييرات الجوهرية في هذه السياسة الأمريكية المعتادة بشأن انهاء الصراع وبشان الحقوق الفلسطينية ، بل سيؤكد ويجدد على التزام أمريكا بأمن إسرائيل ويكمل خطى الإدارات السابقة في دمج إسرائيل في المنطقة ومنحها دورا اكبر في قيادة التحالفات الإقليمية فيها وإدارة صراعاتها وتجديد وظيفة الكيان الصهيوني ، ومنح الفلسطينيين بعض التصريحات التي لن تغير في الواقع شيئا ولا تضع حدا للتغول اليميني الصهيوني على الأرض وعلى الإنسان الفلسطيني. …!
لذا الفلسطينيون اليوم مطالبون بقراءة الواقع قراءة فاحصة ، على ضوئها يجب ان يتم بناء استراتيجية نضالية كفاحية جديدة ، اول عناصرها انهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الوطنية ميدانيا ومؤسساتيا في اطار م.ت.ف بصيغة تكفل احتواء جميع القوى والتيارات في اطار جبهوي ناظم وموحد للفعل الوطني في مواجهة المشروع الصهيوني على كل المستويات وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة .
ثانيا :عربيا لا بد من مراجعة المواقف العربية لجميع الدول ووقف مسلسل التراجع والتراخي والتطبيع في التعامل مع الكيان الصهيوني ووقف حالة التردي واللامبالاة بما يتعرض له الشعب الفلسطيني ، و وقف كل محاولات ومقدمات التطبيع معه ، وبناء المواقف العربية مع الولايات المتحدة على أسس مصلحية و مع مختلف الدول والقوى على أساس مواقفها من هذا الصراع المزمن ومن القضايا العربية المختلفة ، و على أساس الالتزام بتنفيذ القرارات العربية والدولية المختلفة بهذا الشأن ..
حتى يدرك الكيان الصهيوني وحلفائه مدى جدية الموقف العربي من سياساته العدوانية ، وتأكيد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية كحد ادنى للموقف العربي لإنهاء الصراع معه ..
ثالثا : على الديبلوماسية العربية والفلسطينية ان تنشط وتسعي لخلق جبهة دولية شعبية ورسمية عالمية داعمة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومعارضة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وسياساته التوسعية والاستيطانية والعنصرية المجافية للشرعية الدولية ولأبسط قواعد القانون الدولي ..
نخلص الى أن النضال الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية وتحولاتها المختلفة ، يجب ان يرتكز ويهدف الى تحقيق الغايات والأهداف الاستراتيجية التالية لإعادة الاعتبار لقضيته :
أولا: إنهاء الانقسام فورا وتحقيق الوحدة الوطنية في اطار م.ت.ف كجبهة وطنية عريضة تضم كافة القوى الفلسطينية .
ثانيا :النضال من اجل اسقاط قانون قومية الدولة(يهودية الدولة) في الكيان الصهيوني وتحقيق المساواة لشعبنا في منطقة الاحتلال للعام ثمانية وأربعين ، والعمل على تحقيق هدف العودة للاجئين الفلسطينيين ، كحق اصيل وثابت فردي وجماعي غير قابل للسقوط او التقادم او التنازل وفق ما فصله واقره القرار194 لسنة1948 م.
ثالثا: النضال من اجل ممارسة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق القرار 181لسنة1947م وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس .
هذا هو الرد الطبيعي والمنطقي لمحو آثار ثالوث (النكبة والنكسة والانقسام) يضاف الى ذلك مواجهة الانحياز والنفاق الدولي والغطرسة الصهيونية ، والذي جعل من فلسطين وشعبها ضحية مستمرة وماثلة للعيان ..رغم كل صور النضال والصمود والمقاومة التي جسدها الشعب الفلسطيني على مدى عمر الصراع بكل اشكال وأساليب النضال دون توقف او استسلام .

د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني
20/6/2022 م

Pcommety@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com