حديث السجون، وتجليات الرؤية والدلالة.. كتابان جديان للكاتب ناهـض زقـوت

يقولون: الكتاب خير جليس، وهذه حقيقة لا مراء فيها، خاصة في زمن غياب خير جليس من بني الإنسان، فالكتاب تصل من خلاله إلى معلومة، إلى وعي، إلى معرفة، ولكن في زمن الأنانية والمصالح الشخصية فقد المرء قيمة الصداقة التي تعني خوف الصديق على صديقه، والحفاظ على أسراره، واختفاء الأنا أمام صديقه … فأصبح الكتاب خير صديق.
وانطلاقاً من فكرة الكتاب خير صديق وخير جليس، أصبحت حياتنا متفرغة للكتاب قراءة وكتابة، فلم يعد يعنينا البحث عن المناصب في زمن أصبح مقياس المرء بالمنصب، بكل يعنينا البحث عن الكتاب والتمتع بقراءته، والانسجام الفكري والجمالي مع كاتبه.
قبل نهاية عام 2022 قدمنا لدور نشر أربعة كتب لنشرها، وقد نشرت دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس لصاحبها سمير الجندي عام 2023 كتابان وهما:

1ـــــ كتاب (حديث السجون: ودراسة في ثورة العشرين بالقدس)
يعد كتاب خليل بيدس “حديث السجون” من الكتب التي اختفت إثر نكبة فلسطين عام 1948، وهو أول كتاب فلسطيني يؤلف في أدب السجون، وبعد أن وجدنا الكتاب عملنا على إعادة نشره مع دراسة عن الفترة التي كتب بسببها وهي ثورة العشرين في القدس.
من هنا تأتي هذه الدراسة كمادة خلفية وامتداد في الرؤية، لكتاب خليل بيدس (حديث السجون) هذا الكتاب الذي كتبه بعد أن شارك في احتفال النبي موسى بالقدس يوم 4 نيسان/ إبريل 1920، حيث حدثت اضطرابات، واتهمته السلطات البريطانية بالتحريض إلى جانب آخرين من زعماء الحركة الوطنية، وتم اعتقاله وأودع السجن في القدس ثم نقل إلى سجن عكا.
وبعد أن أفرج عنه كتب تجربته الذاتية عن أحداث ذلك اليوم وما تعرض له في الاعتقال، وما جرى من محاكمة، وتنقله بين السجون، في دراسة طويلة بعنوان “حديث السجون” ونشره أولاً على صفحات مجلة النفائس، في العدد الثامن عشر، بتاريخ 15 أيلول 1920، من السنة السابعة، قبل أن يصدره في كتاب مستقل، ونؤكد أنه أول كتاب عن التجربة الاعتقالية في الأدب الفلسطيني. وهذا الكتاب ضاع في زحمة أحداث نكبة عام 1948، ولكن المجلة حفظت الكتاب في نسخته الأولى، وهي النسخة التي ننشرها في هذا الكتاب.
وتكمن أهمية هذا الدراسة في اجلاء الحقيقة عما حدث في ثورة النبي موسى بالقدس، وبيان حوادثها، حيث لم يتم وضع دراسة منفصلة كاملة لهذه الثورة، وإنما اشارات لها في العديد من الدراسات التاريخية والسياسية، لذا وقع العديد من الكتاب والباحثين والمؤرخين الذين تناولوا هذه الثورة في أخطاء. فقد تعددت الآراء والكتابات حول أحداثها وأسباب اندلاعها، وثمة روايات تحمل العرب مسؤولية الأحداث، وروايات أخرى تحمل اليهود مسؤولية الأحداث، وتعددت الروايات ما بين روايات متناقضة، وروايات تجانب الصواب، ومما زاد في غموض الأحداث أن فرضت سلطات الاحتلال البريطاني الحذر على الصحف والمجلات نشر أخبار الحوادث استناداً للأحكام العرفية التي أصدرتها عقب الأحداث.
من هنا يأتي أهمية هذه الدراسة الشاملة في تعديل وتصحيح العديد من الأحداث والآراء والمواقف حول ثورة العشرين، مع الاشارة إلى تاريخ موسم النبي موسى وما كانت تجري فيه من احتفالات، وحقيقة وجود قبر للنبي موسى في المكان شرقي البحر الميت قرب أريحا. كما أن نشر كتاب “حديث السجون” يكتسب أهمية كبيرة من حيث أنه الوثيقة الوحيدة المسجلة تاريخياً كتجربة شخصية شاهدة على أحداث ثورة العشرين. كما أنه يعدل الكثير من المعلومات حول هذه المرحلة من حياة الكاتب والصحفي خليل بيدس، وأهمها في طبيعة الحكم الذي حكم عليه، فقد كان الحكم سنتين مع دفع غرامة قدرها عشرون جنيهاً مصرياً، ثم خفض الحكم إلى ستة أشهر.

2ــــــ كتاب (تجليات الرؤية والدلالة: مقاربات في القصة والسيرة ونصوص فلسطينية)
يضم هذا الكتاب أربع عشرة دراسة متوزعة ما بين القصة القصيرة، والسيرة الذاتية، والنصوص الأدبية، كتبناها ونشرناها سابقاً في المواقع الإلكترونية وعلى صفحتي في الفيس بوك، وعلى صفحة المركز الفلسطيني للدراسات الثقافية، واستكمالاً للفائدة المعرفية آثرنا نشرها في كتاب لتبقى خالدة.
في هذا الدراسات التي نقدمها يتجلى المعنى والدلالة، وتبرز الرؤية ساطعة فيما خطه كل كاتب في نصه الأدبي، ولكن قبل أن نتناول النصوص الأدبية، بدأنا بدراسة عن مشهد القصة القصيرة في قطاع غزة بعد عام 1967، من حيث نشأتها وأبرز روادها، والمؤثرات التي ساهمت في انتشارها ورواجها، كما سنتوقف بشيء من الاختصار عند القصة الفلسطينية قبل عام 1948 ونتحدث عن أبرز روادها وكتابها, وكذلك ملامح القصة بعد عام 48 وحتى عام 1967, وذلك تمهيداً للمشهد القصصي في قطاع غزة بعد عام 1967, وتأثيرات الماضي القصصي على تبلورها وكتابتها.
وكانت بداية النصوص تجربة جبرا إبراهيم جبرا في سيرته من “البئر الأولى إلى شارع الأميرات” حيث يضعنا أمام تجربة فريدة من حياة كاتب ملأ الدنيا بكتاباته وابداعاته، عاش سني حياته الأولى في القدس وبيت لحم ثم في بغداد، يحاول إبراز تجارب حياتية مر بها يقدمها للقارئ دون أن تكتمل بل بقيت ملامح من سيرة ذاتية.
وفي “مرايا الموج” للكاتب الدكتور محمد بكر البوجي نكتب عن تلك السيرة التي خاض فيها ستون عاماً من التجربة الحياتية، انطلاقاً من مخيم اللاجئين إلى فضاءات أوسع وأرحب، وإلى عالم سمع عنه.
وفي نصوص “ابن السماء” للكاتب سمير الجندي نغوص مع اللغة الشاعرية التي احتلت بطولة السرد في حواري القدس وتشعباتها، فجاءت حافلة بالدلالات والتعبيرات المعبرة عن حالة القدس في القرن العشرين والواحد والعشرين.
ونعود للقدس مرة أخرى في كتاب “رسائل من القدس وإليها” للكاتبين جميل السلحوت وصباح بشير، لنقرأ الرسائل المتبادلة بينهما على مدار أحد عشرة سنة بواقع أربعين رسالة، تنطلق من القدس لتعود إليها. لم تكن هذه الرسائل غاية كتابية بقدر ما كانت رؤية للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في القدس خاصة وفلسطين عامة، وتساهم في دفع القارئ لاستبيان ما استجد في هذا الواقع من ظواهر جديدة.
وتأخذنا مجموعة “الطيور تعود إلى أعشاشها” للكاتب وجيه ظاهر إلى عالم من اللغة المحملة بالدلالات الجمالية، حيث يرسم في لوحات جمالية لغوية تفاصيل معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال، وكل قصة تمثل لوحة أدبية نابضة بالحياة ترسمها يد قاص مبدع.
أما مجموعة “أحلام ثكلى” للكاتب خالد صافي يوجه من خلالها انتقاداً للمجتمع، ومعبراً عن مأساة غزة وأحلام ساكنيها، التي جاءت متناثرة في سبع عشرة قصة، وكل قصة حملت حلماً أو واقعاً أو موضوعاً اجتماعياً، وجميعها لا تبتعد عن مأساة غزة وواقعها.
وتسجل عائشة عودة تجربتها “أحلام بالحرية” في كتاب تسجيلي شخصي يحكي تجربة حقيقية خاضتها الكاتبة على أربعة مستويات متداخلة: حريتها الشخصية وأحلامها بامتلاك المسؤولية الفردية، وحرية المرأة من قيود المجتمع وعاداته وتقاليده، وحرية الوطن من الاحتلال، وحريتها من المعتقل.
وتطرح عايدة سعد في تجربتها النضالية “عقد اللولو انفرط” بدايات النضال العسكري في قطاع غزة منذ أواخر الستينات، وكانت جزءاً من هذا النضال، ولكنها لم تكتب عن حركة النضال، بل كتبت تجربتها الفردية التي ترتبط بشخصها أكثر من ارتباطها بآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com