أحياء ولكنهم موتى!.. أ.د. ناصر الصوير

مما أوجعني جداً أنني كنت قبل فترة واقفاً اشتري عنب من أحد الباعة! وأثناء انهماكي في انتقاء العنب لفت انتباهي تعلق طفل لا يتجاوز الأربع سنوات بتلابيب ثوب أمه يبكي ويولول طالبا منها أن تشتري له عنب وهي تلف وتدور حول نفسها في حيرة وألم!! وبعد أن تحول صراخ الطفل إلى نحيب من شدة البكاء تقدمت المرأة بخجل شديد ووجها لا يرتفع عن الأرض ونظراتها عند قدميها وقالت للبائع :ممكن تعطيني حبة عنب واحدة فقط لأسكت بها طفلي الصغير! ويبدو أن البائع كان غبياً أو أراد أن يتغابى فقال للمرأة: لم اسمع ماذا تريدين؟! وكررها عدة مرات، والمرأة تردد طلبها وتكاد تموت من الأسى والخجل! بدأ البائع بالتواقح والتمادي، فقال بسخرية: هل معك ثمن حبة العنب؟! فقالت والدموع تترقرق في عينيها في مشهد كاد أن يقتلني: والله لو كان معي نقود ما طلبت للصبي حبة عنب واحدة ليقضي نفسه بل كنت سأشتري له ولبقية أولادي ما يشتهون! الله يعلم أننا لا نأكل منذ أسابيع إلا الخبز الناشف من بواقي المخابز ونغمسه بالماء! قلت للمرأة: يا أختي ممكن تقبلي مني هذا العنب الذي كنت قد اشتريته للتو؟! نظرت إلي المرأة نظرة خاطفة، وشدت ابنها الباكي وذهبت بعيداً بعيداً إلى مجهول ينتظرنا في قطاع غزة جميعاً في ظل المؤامرات التي تحاك لنا من القريب قبل البعيد من الصديق قبل العدو! وكذلك الانقسام المدمر! لك الله يا غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com