هل ستطبع السعودية رسمياً مع الكيان الصهيوني؟/ عميرة أيسر- كاتب جزائري

شهدت العلاقات السعودية الصهيونية، تقارباً غير مسبوق وغير معلن، وذلك بطلب من واشنطن التي تريد للاتصالات بين تل أبيب و الرياض أن تخرج للعلن، وأن تصبح بذلك السعودية بما تمتلكه من ثقل استراتيجي و مكانة دينية وتاريخية شريكاً أساسياً للكيان الصهيوني في المنطقة، وبالتالي فإن الرياض ستكون من أهم الأدوات التي ستوظفها الإدارة الأمريكية في تنفيذ مشروعها الرامي لترسيخ التطبيع بين الكيان الصهيوني ودول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها أهم دولة من دوله، فالسعودية بتطبيعها للعلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية والثقافية والاقتصادية ستعطي الشرعية لهذا الكيان الغاصب، وهذا ما سيمهد الطريق للكثير من الدول المترددة في التطبيع معه في نظر إدارة جوزيف بايدن، فالولايات المتحدة الأمريكية من خلال تلك الخطوة ستجعل من التطبيع أمراً لا مناص منه حتى دون إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وفق حل الدولتين كما تنص على ذلك اللوائح الأممية وبنود القانون الدولي، فالعلاقات بين السعودية وإسرائيل تمتد لأزيد من عقد من الزمن كما أشارت لذلك صحيفة إسرائيل هيوم العبرية، فيما أكدت على أن الكثير من المسؤولين الصهاينة قد زاروا السعودية من بينهم وزير الأمن بيني غانتس ورؤساء للموساد للتنسيق الأمني مع إيران، فزيارات الإسرائيليين للسعودية مثلما تضيف الصحيفة كانت بترتيب ورعاية أمريكية، بما في ذلك الزيارة السرية لنتنياهو لمدينة نيوم السعودية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020م، حيث التقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وشارك في اللقاء كذلك وزير الخارجية الأمريكي حينها مايك بومبيو. نتنياهو توجه لتلك الزيارة بطائرة خاصة استأجرها خصيصاً لذلك، كذلك فإن كل الرحلات التي قام بها مسؤولون إسرائيليون للسعودية تمت عبر طائرات خاصة. كما ذكر موقع قناة الميادين، بتاريخ 29 ماي/أيار 2022م، في مقال بعنوان ( إسرائيل هيوم، هكذا بنيت العلاقات السرية بين إسرائيل  و السعودية).

فهذه اللقاءات التي تتم في الكواليس قد تتطور مع مرور الوقت لتصبح علاقات طبيعية رسمية، وذلك إن وافقت واشنطن على شروط الرياض لإتمام صفقة التطبيع والتي تتمثل أساسا في امتلاك السعودية لطائرات f35 الأمريكية الصنع، بالإضافة لتسهيل امتلاكها لبرنامج نووي سلمي من طرف واشنطن، وإقامة شبكة أمان لمنع أية هجمات تستهدف الأراضي السعودية، على غرار حلف الناتو، وهو ما يراه مراقبون شرطاً صعب التطبيق في ظل الظروف الراهنة، فالسعودية التي ترى نفسها الدولة المحورية في الشرق الأوسط، و أقوى دولة عربية واسلامية، تريد أن يكوم التطبيع مع الكيان الصهيوني عبارة عن صفقة سياسية ناجحة تحقق من وراءها السعودية مكاسب كثيرة، خاصة في الجانب الأمني والعسكري، لأن تطبيع السعودية سيجعل من إسرائيل شريك أساسياً لها في العديد من المشاريع التكنولوجية بحكم أن الكثير من الشركات التكنولوجية العالمية  الكبرى لها مقرات دائمة في مدينة تل الربيع المحتلة (تل أبيب)، ورغم تأكيد السعودية بأن القضية الفلسطينية ستكون حاضرة في أية مفاوضات للتطبيع من الصهاينة، واقدام السعودية على تعيين سفير غير مقيم في الأراضي الفلسطينية، في رسالة تطمين واضحة لرام الله بأن السعودية تعمل بشكل منفصل بعيداً عن الضغوط الأمريكية والصهيونية، وترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في الأراضي المحتلة دون العودة لواشنطن، وذلك بناء على السّياسة الخارجية السعودية الجديدة تحاول الابتعاد قدر الإمكان عن المحور الأمريكي، وإقامة علاقات شراكة استراتيجية مع جميع الدول القوية والوازنة في الإقليم، كإيران التي تعتبر من الدول الرافضة للتطبيع جملة وتفصيلاً مع الكيان الصهيوني بل ترى في العملية التطبيعية خيانة لقضايا الأمة، ومحاولة لإضفاء شرعية دينية وسياسية وأخلاقية لهذا الكيان اللقيط، وأدانت بشدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية التطبيع، حيث قال: في تصريح صحفي، بأن أية خطوة لاعتراف بإسرائيل لا تصب في مصلحة السلام والأمن في المنطقة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية. كما ذكر موقع BBCعربي، بتاريخ 22أوت/ أغسطس 2023م، في مقال بعنوان ( هل بات التطبيع بين السعودية وإسرائيل قريباً؟).

الاّ أن عملية التقارب تلك تأتي بين السعودية وإسرائيل، تأتي تتمة لما يعرف باتفاقيات ابراهم للسّلام، التي تهدف واشنطن من خلالها لترسيخ وجود إسرائيل كأمر واقع يجب على الجميع القبول به والتعامل معه وفق هذا المنطق، لأن الدول التي لا تقبل التطبيع مع الصهاينة لن تستفيد من الاستثمارات أو المساعدات الاقتصادية للعم سام، وسيتم استبعادها من الحلف الأمريكي الغربي، وبالتالي ستعتبر دولة مارقة وفق منطق الهينة الأمريكية، لأن إسرائيل تعتبر بمثابة قاعدة عسكرية لوجستية متقدمة للجيش الأمريكي في الشرق الأدنى وفق تعريفات علوم الحضارات القديمة، والشرق الأوسط وفق التعريف الغربي الحديث وذلك لإيجاد موطئ قدم جغرافي لهذا الكيان ،في قلب الأمتين العربية والاسلامية.

فاللوبي الصهيوني المتحكم في مفاصل الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الرسمية يضغط على جميع الدول العربية والمغاربية، وخاصة تلك التي لها ثقل سياسي وعسكري وتاريخي وجيواستراتيجي من أجل التطبيع لمحو القضية الفلسطينية من الذاكرة الجمعية للأنظمة والشعوب في هذه الدول، فحتى أراضي الضفة الغربية التي تعتبر أراضي محتلة،  تحاول إسرائيل  منذ سنوات  اخراجها من تلك الفئة، لفئة الأراضي المتنازع عليها داخل أروقة المنظمات الدولية، في عملية سياسية واعلامية منظمة تستهدف طمس الحقائق  وتزويرها، لأن هذا أمر ساعد إسرائيل كثيراً في عملية التطبيع، وخاصة مع الأجيال التي لم تعش تفاصيل النكبة، فالسعودية التي تبحث عن مصالحها الشخصية كدولة، سمحت على غرار البحرين والإمارات وعمان وغيرها من الدول الخليجية المطبعة سواء سراً وعلانية باستثناء الكويت وقطر بدخول السّياح الصهاينة  لأراضيها، والذين تغلغلوا داخل الحجاج المسلمين، بل وصل هؤلاء حتى للمدينة المنورة، والتي أجازت احياء حفلات موسيقية غنائية شارك فيها مغنون يحملون الجنسية الإسرائيلية، والتي توقف اعلامها عن مهاجمة الكيان الصهيوني، أو التنديد بعمليات القتل الوحشية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خطوات عدها الكثيرون بداية التطبيع الرسمي بين الرياض وتل أبيب، اللذان يجمعهما عدو مشترك أبدي هو إيران، فرغم عودة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض برعاية صينية، إلاّ أن الخلافات المذهبية والسّياسية بين البلدين، تجعل من إيران في العقيدة العسكرية السعودية بمثابة التهديد الأول لها، كدولة إسلامية كبرى في المنطقة، ومنافس قوي واستراتيجي لها على  زعامة العالم الاسلامي، لذلك فالتطبيع الذي هو خيانة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لن تستفد السعودية من وراءه شيئاً، على غرار كل الدول المطبعة، فالنظام السعودي سيخسر شعبياً وسيفقد الكثير من رصيده لدى الدول العربية والإسلامية الرافضة للتطبيع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com