عن قيادة الحركات الإسلامية بالتغلّب.. محمد غازي الجمل

يشير مصطلح التغلّب في التاريخ الإسلامي إلى استيلاء شخص أو مجموعة على الحكم بوجه غير شرعي، وهي حالة درسها الفقهاء ووضعوا لها أحكاماً خاصة، وغلب على سلوك المسلمين تجاهها التعايش مع “الحاكم المتغلّب” على مضض، وتقديم وحدة الأمّة واستقرارها على شرعية الحكم التي أُهدرت لدى وصوله للحكم دون اختيار ورضاً من الأمّة.

إلا أنّ قبول التفريط بشرعية الحكم أدّى في نهاية المطاف إلى خسارة الوحدة والانحدار الحضاري؛ وهو ما درسه باستفاضة الدكتور”محمد المختار الشنقيطي” في كتابه “الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية”، وأشار فيه إلى جسامة الخلل في تعميم الاجتهادات الخاصة بحالات ضرورة يكون فيها مفاسد إزالة هذا المنكر أكبر من المصالح المرجوّة من إزالته. وتحويلها إلى قاعدة عامّة عابرة للزمان والمكان.

وفي واقع العديد من الحركات الإسلامية المعاصرة؛ التي اتخذت “الشورى والانتخاب” أساساً لاختيار قيادتها، وسنّت لذلك أنظمة تنظّم هذه العملية، تمحورت غالباً حول منع ترشيح الفرد نفسه، ومنع التحالفات والكتل الانتخابية، تفشّت ظواهر مخالفة لهذه الأنظمة؛ وتشكّلت “جماعات مصالح” تخطّط وتنسّق لتصدير قيادة تحقق مصالحها؛ فيما بات يعرف ب”الكولسة”، وتوظف في سبيل ذلك مخالفات ومحرّمات شتّى كالترغيب والترهيب، وإثارة العصبيات الجاهلية، والدعاية السوداء القائمة على التشهير بالمنافسين. وهو ما يحقق لها مرادها في كثير من الأحيان، ويجعلها ممسكة بزمام القيادة الشورية والتنفيذية والقضائية، ويجعلها الخصم والحكم في مواجهة أي محاولة لتغيير هذا الانحراف ولإزالة أو تخفيف هذا المنكر.

وحينما تؤدّي وسائل مخالفة للنظام الانتخابي وللاجتهاد الفقهي المعتمد لجماعة ما إلى تشكيل أغلبية أي مجلس قيادي فيها يصحّ وصف هذا المجلس بأنه غير شرعي، وأنّ حقيقة ما يحصل هو “قيادة بالتغلّب”. هذا في وعي من يدركون حقيقة المخالفات التي أتت به، أما الإبطال المؤسسي لهذه العملية فهو أمر نادر الحصول؛ بفعل تمكّن “المتغلّبين” من “صنعة الكولسة” وإمساكهم بمفاصل المراقبة والمحاسبة، فهم كما سلف “الخصم والحكم”.

ولحالٍ كهذه تداعيات واسعة النطاق وبعيدة الأمد، إذ تضرّ بعمق بقناعة أبناء هذه الحركات في مشروعها، وهو ما ينعكس سلبا على مختلف أشكال أدائهم، كما تضرّ بصورة هذه الحركات في محيطها، وتشكك بمصداقية دعواتها، سواء كانت للحرية أو تحكيم الشريعة أو الإصلاح، فالناس تحكم على الحال قبل المقال.

وغني عن القول أن هذه المآلات تؤكّد حرمة هذا “التعاون على الإثم والعدوان”، وتوجب التعاون على مواجهته وإزالة المنكرات الناتجة عنه، بتضييق مسالكه بالتشريع، وبالنهي عنه بالقول الفعل، وبتوطين النفس على بغضه، وابتكار كل وسيلة لازمة لإزالته.

وختاماً فإن تعبّد الله عزّ وجل بالدعوة إليه والجهاد في سبيله لا يمكن أن يتجزّأ، وإصلاح البعيد يستدعي إصلاح القريب، وإنجاز مقاصد الجهاد يتطلب توفير الأساس الصالح لجمع الجهود طواعية في طريقه، وما سبق يستدعي محاربة آفة “التغلب على السلطة” في أيّ تجمّع إسلامي وعدم الخضوع لها بأية حال.

2023-9-28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com