المفاوضات تقرر الاجواء مستقبلاً.. اجراءات حسن نوايا عديدة تجاه الفلسطينيين

عين نتنياهو فقط على سلام اقتصادي
مقابل تنازلات اسرائيلية شكلية ومحدودة..
الائتلاف الحكومي الاسرائيلي صامد ومتماسك لعام على الأقل
 
أكدت الصحافة الاسرائيلية أن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو قدم وعداً للجانب الفلسطيني عبر وزير الخارجية الاميركي جون كيري بوقف وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية بعد بدء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ولكنه لم يلتزم بوقف أو تخفيض وتيرة الاستيطان في القدس. وأبلغ كيري أنه سيصادق على بناء ألف وحدة سكنية في عدة مناطق في الضفة الغربية من اجل مواجهة النمو السكاني، وخاصة في المستوطنات الكبيرة غير القابلة "للازالة" حسب المصطلح الاسرائيلي، أي المستوطنات "الابدية" و"المشروعة"!
مثل هذا الالتزام قد لا يسقط الحكومة الاسرائيلية الحالية لعدة أسباب ومن أهمها:-
·        لم يتعهد بتجميد الاستيطان كاملاً قبل بدء المفاوضات.
·        لم يتعهد بوقف البناء الاستيطاني في القدس. وهذا أمر يسر جميع المتشددين والمتطرفين في حكومته.
·        البناء الاستيطاني بهدف مجاراة النمو السكاني في المستوطنات لم يتوقف، بل ان هناك حوالي ألف وحدة سكنية ستبنى قريباً، أو تتم المصادقة على مخططات بنائها. وأكد أن هناك مستوطنات ذات تجمع سكاني كبير لن تزال، وستبقى حتى في حالة التوصل الى اتفاق نهائي مع الجانب الفلسطيني.
·        وعد نتنياهو اركان ائتلافه بعدم المصادقة على أي اتفاق قد يتم التوصل اليه، إلا بعد اجراء استفتاء شعبي عليه. رغم أن هناك قانوناً في الكنيست يرفض التنازل عن القدس أو الجولان إلا بأغلبية أكثر من سبعين عضوا، أي تجاوز عدد أعضاء الكنيست العرب في هذا التصويت.
·        المفاوضات ستكون صعبة جداً جداً، وقد لا تؤدي الى اتفاق الآن، ويحتاج التوصل اليه لربما بعد 9 شهور أو سنة ولربما سنوات، لذلك لا حاجة للخلاف، واسقاط الحكومة في الوقت الحاضر بسبب مفاوضات أولية.
 
مؤشرات أخرى على عدم
المس بالائتلاف الحكومي
وهناك مؤشرات تؤكد أن الائتلاف الحكومي الحالي سيصمد أكثر من عام على الأقل من خلال وضع ميزانية لجنة الانتخابات بعد حسم حوالي 95 بالمائة منها، لأنه لن تجري انتخابات من العام 2014.
وقد تكون هناك خلافات في وجهات النظر بين أعضاء الحكومة، ولكن هذه الاختلافات هي شكلية ولربما حزبية فقط. ولن تؤدي الى خلاف حاد وجوهري.. وهذه الاختلافات في الرأي تكون أو تُخلق من أجل اظهار أن هناك ديمقراطية في اسرائيل، وان هناك معارضة لأية خطوة قادمة، وان أي خطوة تقدم عليها اسرائيل تشكل تنازلاً كبيراً وأليماً جداً، وكأن الضفة الغربية قد تم احتلالها من الشعب الفلسطيني وليس من اسرائيل.
 
اطلاق سراح أسرى
لقد التزم نتنياهو باطلاق سراح أسرى قدامى والذين تم اعتقالهم قبل اوسلو 1993. وأعلن أن الحكومة الاسرائيلية صادقت على الافراج عن 104 سجيناً. عدد منهم هم من أبناء القدس ومن داخل الخط الأخضر.
قد تواجه عملية اطلاق سراح أسرى رداً فعلياً غاضباً من قبل القوى اليمينية، ولكن نتنياهو سيوفي بوعده لوزير خارجية اميركا جون كيري.. ولكن في العادة توضع قائمة لاسماء 104 أسير سيتم اطلاق سراحهم. ولكن أثناء التنفيذ يتم ابقاء عدد منهم في السجن تحت حجة أنه يشكل خطراً أمنياً على دولة اسرائيل، أو بحجة خطأ تقني ما، إذ تم وضع الاسم بصورة خاطئة على القائمة.
حتى أن اطلاق سراح أسرى، وبهذا العدد القليل، سيعتبره نتنياهو تنازلاً كبيراً جداً، وسيظهر للعالم أنه ناضل وكافح واستطاع بشق الأنفس للحصول على مصادقة الحكومة على ذلك وهذا يعني أن نتنياهو لن يكون قادراً على تنفيذ مثل هذه الافراجات مستقبلاً، أي أنه لن يقدم اجراءات حسن نية تتعلق بالاسرى مستقبلاً إلا إذا أنهوا هؤلاء الأسرى فترات محكومياتهم، وسيتم الافراج عنهم دفعة واحدة لايهام العالم بأنه أقدم على خطوة "انسانية" وأليمة أخرى، وأنه رجل معني بتحقيق السلام، أي أنه "رجل سلام"، وقد أطلق الرئيس الاميركي جورج بوش على ارئيل شارون هذا اللقب، رجل سلام، ولم يحقق أي شيء على أرض الواقع، سوى أنه قرر الانسحاب من قطاع غزة فقط. لأن احتلاله كان مكلفاً، وكان ضمن مصلحة اسرائيل في التخلص من المسؤولية عن أكثر من 1,5 مليون فلسطيني.
 
اجراءات حسن نوايا أخرى
لقد وعد نتنياهو باجراءات حسن نوايا أخرى تجاه الفلسطينيين لن تؤثر على الأمن الاسرائيلي، ولن تشكل تنازلات ومن بينها:-
·        تقليص عدد الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، وهناك حواجز ليست أمنية بقدر ما هي لتعذيب المواطن الفلسطيني، ولقطع التواصل بين المدن الفلسطينية.
·        اصدار المزيد من التصاريح للعمال وأبناء الضفة الغربية لدخول اسرائيل. وهذه الخطوة تعزز الاقتصاد الاسرائيلي إذ أن هؤلاء المواطنين الذين يدخلون الى اسرائيل يبتاعون من المتاجر الاسرائيلية، ويوفرون دخلاً للتجار.. ولذلك فإن هذه الخطوة هي لصالح الاقتصاد والتجارة في اسرائيل.
·        السماح، أو التساهل بالسماح، باقامة مشاريع استثمارية فلسطينية عديدة في مناطق "ج" و"ب"، وازالة المعوقات لتنفيذ هذه المشاريع.
·        اقامة مناطق صناعية مشتركة (اسرائيلية فلسطينية) على غرار المنطقة الصناعية التي أقيمت مؤخراً في منطقة أريحا، وبتمويل من الحكومة اليابانية. وهناك مخططات لاقامة مشاريع مماثلة أخرى قد تكون بمشاركة دولية أيضاً لتوفير فرص عمل للفلسطينيين.
·        تسليم مناطق جديدة للفلسطينيين، تحويلها من "ج" الى "ب"، وابقاء السيادة الأمنية على كل الضفة الغربية كما هو الحال مع رام الله ونابلس وبيت لحم، إذ أن الجيش الاسرائيلي يدخل هذه المناطق متى يشاء، ويداهمها ويعتقل من يشاء تحت ذريعة أنهم مطلوبون للسلطات الأمنية.
·        تحسين الوضع على معبر الكرامة (جسر اللنبي)، ولربما اعادة تسليمه للسلطة كما كان الحال قبل اندلاع انتفاضة الاستقلال والاقصى في أواخر أيلول 2000، وان يكون هناك اشراف أمني على ذلك، وفصل المقدسيين والسياح عن الجانب الفلسطيني، وتقديم تسهيلات عبور وغيرها من الاجراءات الامنية التي هي ممارسة على الجسر حالياً.
·        منح المزيد من بطاقات رجل أعمال أو "V.I.P" للعديد من التجار والشخصيات الفلسطينية، واذا كانت الامور التفاوضية جيدة، فإن السلطات الاسرائيلية قد تسمح بدخول سيارات الى القدس واسرائيل كما كان الحال قبل قدوم السلطة الى الوطن، وقبل انتفاضة الاستقلال، ولكن هذه الخطوة قد تكون مبكرة جدا في الفترة الحالية وقد تأتي بعد التوصل الى اتفاق نهائي.
·        السماح لبعض الصناعات والمنتوجات الفلسطينية بدخول الاسواق الاسرائيلية إذا توفرت فيها المقاييس الصناعية الاسرائيلية، إذ أن منتوجات الضفة الزراعية ممنوعة من دخول اسرائيل حالياً!
·        تشجيع الاستثمار الدولي والعربي في مناطق السلطة، أي السماح للمستثمرين بدخول المناطق الفلسطينية من دون أية عراقيل.
·        تشجيع الدول المانحة على تقديم الدعم المالي للسلطة الوطنية، وسد العجز في ميزانياتها، وقيام اسرائيل بتحويل جميع الأموال المستحقة لديها لصالح السلطة الوطنية من دون أية عراقيل.
·        تخفيف القيود والاجراءات على المعابر العسكرية لدخول الفلسطيني الى اسرائيل.
 
في مصلحة اسرائيل
هذه الاجراءات التي تصفها جهات عديدة ومنها اسرائيلية بأنها حسن نوايا، هي في الواقع اجراءات لصالح الامن القومي الاسرائيلي، من خلال تشجيع الفلسطينيين على مواصلة التفاوض، ووقف "المقاومة الشعبية" التي ترهق اسرائيل سياسيا، وكذلك هي لمصلحة اسرائيل اقتصادياً لأن الانتعاش الاقتصادي في الضفة له تأثيراته الايجابية على الاحوال الاقتصادية في اسرائيل.
وعندما يقول نتنياهو أن الاجراءات التي ينوي اتخاذها هي لمصلحة اسرائيل، فإنه يعني ذلك، لأنها كلها تصب لصالح السلام الاقتصادي الذي يسعى الى تحقيقه، ومشروع كيري بخصوص الاستثمار في الضفة الغربية، يعني تشجيع السلام الاقتصادي، ويأتي في اطاره.
كما ان مثل هذه الاجراءات ستجمل وجه اسرائيل على الساحة الدولية، وتظهرها بأنها تقدم "تنازلات" من اجل تحقيق سلام في المنطقة.
وهناك من داخل اسرائيل، وبالتحديد داخل قيادتها، يظن ويعتقد أن تحسين ملامح الحياة المعيشية في الضفة الغربية سيساهم الى حد كبير في عرقلة جهود الوحدة الوطنية، ويبقى جناحي الوطن، القطاع والضفة منقسمين، إذ أن حماس ستكيل التهم للسلطة الوطنية، وستستغل هذه التهم من أجل ابقاء هيمنتها على القطاع مستمرة والى ما لا نهاية، مع ابقاء القطاع محاصراً.
وآخرون يعتقدون بأن تحسين الوضع في الضفة، وابقاء الوضع مأساوياً في القطاع، سيشجع الفلسطينيين في القطاع على التمرد على حماس وادخالها في صراع داخلي.. هذا الصراع التي تستثمره وتستغله اسرائيل لعدم تقديم تنازلات جوهرية لصالح القيادة الفلسطينية.
ولكن كل ما ذكر سابقاً يعتمد على شيء واحد وهو المفاوضات المباشرة، هل تنطلق بصورة جدية، وستتواصل أم أن هناك ما قد يعرقلها.
إذا توقفت المفاوضات مع بدايتها فإن اسرائيل لن تُقدم على أية خطوة لا حسن نوايا، ولا تحقيق سلام اقتصادي، ولا تحسين ملامح الحياة. وكل الجهود الاميركية والدولية تبذل كي تنطلق وتستمر هذه المفاوضات، وستمارس الضغوط على السلطة الوطنية من أجل منع توقف المفاوضات، والتلويح باجراءات عقابية صعبة دولية (اميركية) قبل أن تكون اسرائيلية.
فهل نسير نحو هدنة أو تهدئة لفترة معينة، أم ان العملية السياسية لن تسير للامام وسيبقى الوضع على ما هو عليه.
في انتظار المفاوضات لمعرفة ذلك!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com