لن يكون هناك دولة فلسطينيّة تحت سمع نتنياهو وبصره/ ألون بن مئيــر

ينبغي ألا ينجرّ الرئيس ترامب لحجة نتنياهو المخادعة مهما بدت مقنعة، وهي أنّه ملتزم بحلّ الدولتين، في حين أنه في الواقع يعارض هذا الحلّ وسيستمرّ من حيث المبدأ في رفض قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة تحت أي ظرف ٍ كان.

وتأكيدات نتنياهو المتكرّرة بأنه مستعدّ للتفاوض مع الفلسطينيين بدون شروط هو قول ٌ فارغ لأنه يعلم بأن الرئيس عبّاس لن يدخل في مفاوضات ما لم تعلّق إسرائيل التوسيع المستمرّ للمستوطنات والضمّ الزاحف للأراضي الفلسطينيّة، الأمر الذي يمنع الفلسطينيين من إقامة دولة فلسطينيّة قابلة للحياة.

وللتأكد من عدم التزام نتنياهو، ما على المرء إلاّ أن يراقب أفعاله في الأراضي المحتلّة ويستمع إلى روايته الشعبيّة التي تتعارض تماما ً مع استعداده المزعوم للتفاوض على إنهاء الصّراع. فرفض نتنياهو قولا ً وفعلا ً  لإقامة دولة فلسطينيّة موثّق بما لا يدعو للشك بما يلي:

أوّلاً، إصرار نتنياهو على أنه مستعدّ للتفاوض بدون شروط مسبقة هو في حدّ ذاته شرط مسبق. فلنفترض بأن الرئيس محمود عبّاس يوافق على التفاوض على هذا الأساس، لا يمكن ببساطة تجنب شرط الموافقة أولاً على قواعد الإنخراط في المفاوضات، بما في ذلك المكان، تركيبة طواقم المفاوضات، الصلاحيات المخولة لها..وغير ذلك. والأهمّ من كلّ شيء، عليهم أن يتفقوا على القضايا الرئيسيّة المختلف عليها والتي ينبغي معالجتها أوّلا ً، الأمر الذي قد يسهّل المفاوضات حول القضايا المهمّة الأخرى.

لقد رفض نتنياهو على “طول الخط” بدء المفاوضات بتلبية مطلب الفلسطينيين أولا ً لوضع أسس معالم دولتهم المستقبليّة. بقي مصرّاً بدلا ً من ذلك بأنه يجب على إسرائيل أولا ً التفاوض حول الآليّة التي قد تضمن أمنها الوطني. وبسعيه دائما ً وراء ما يسمّيه “الحدود الآمنة” كان من الأولى منطقيّا ً وعمليّا ً التفاوض أولا ً حول الحدود. هذا لن يوطّد أو يقرّر فقط  ما يشكّل من وجهة نظر نتنياهو حدود آمنة، بل أنه سيلبّي أيضا ً مطالب الفلسطينيين وإعطائهم الثقة بأن دولة مستقبليّة ستُقام لهم في نهاية المطاف. وبالإقتران مع ذلك، قد تتمّ تسوية مستقبل العديد من المستوطنات أيضا ً، ولكن إصرار نتنياهو، على أية حال، على التفاوض أوّلا ً على أمن إسرائيل الوطني لم يكن سوى حيلة تهدف إلى كسب الوقت كما بيّنت ذلك بوضوح المفاوضات السابقة.

ثانيا ً، نتنياهو يرأس تحالفا ً حكوميّا ً يتضمّن – عدا حزب الليكود وموقعه يمين الوسط، وهو حزب نتنياهو نفسه – حزبين يمينيّين في غاية التطرّف وهما “إسرائيل بيتنا” بقيادة وزير الدّفاع أفيغدور ليبرمان و”البيت اليهودي” بزعامة وزير التعليم نفتالي بينيت. وكلاهما ملتزمان وخانعان للحركة الإستيطانيّة. ونفتالي بينيت يدعو جهارا ً وبشكل ٍ خاصّ لضمّ الضفّة الغربيّة، وبالتحديد المنطقة (ج) التي تشكّل 61 بالمائة من الأراضي الفلسطينيّة.

إذا شرع نتنياهو بجديّة في التفاوض حول حلّ الدولتين، فإنّ هذا الأمر سيفكّك حكومته فورا ً حيث أنّ هذين الحزبين المتطرفين اللذين أشرت لهما آنفا ً (مع العديد من أعضاء حزب الليكود نفسه) قد هدّدا بترك الحكومة إن اتخذ نتنياهو مثل هذه الخطوة. ولذا، ما دام نتنياهو يحتفظ بتركيبة حكومته الحاليّة، ليس هناك أي أمل أو إمكانية مطلقا ً للتوصّل لاتفاقية سلام قد تضمن للفلسطينيين دولة خاصّة بهم.

وبعد حملة إعادة انتخابه في عام 2015 مباشرة ً صرّح نتنياهو بوضوح قائلا ً:”أعتقد بأنّ أيّ شخص يتحرّك لإقامة دولة فلسطينيّة اليوم  ولإخلاء مناطق، إنّما يعطي بذلك الإسىلام المتطرّف منطقة ينطلق منها لمحاربة دولة إسرائيل. واليسار قد دفن رأسه في الرّمل مرارا ً وتكرارا ً ويتجاهل هذا …”. وعندما سُئل نتنياهو هل لن تُقام دولة فلسطينيّة تحت قيادته،  أجاب رئيس الوزراء: “بالفعل”. وما قاله آنذاك، ما زال يعنيه اليوم. وأي شيء يقوله خلافا ً ذلك، فهو فقط للعرض.

ثالثا ً، التوسّع بلا هوادة في المستوطنات الحاليّة وتمرير القانون الحالي الذي يمنح الصلاحية للحكومة بتشريع عشرات المستوطنات الغير شرعيّة يبيّن بكلّ وضوح وبما لا لبس فيه بأن ليس لنتنياهو أية نيّة مهما كانت للسماح للفلسطينيين بإفامة دولتهم المستقلّة. فهذا الضمّ المنهجي للأراضي الفلسطينيّة يجعل من المستحيل على الفلسطينيين الإبقاء على تواصل بين أقاليمهم. والقول، كما يدّعي، بأنّ المستوطنات لا تشكّل عائقا ً للسّلام هو قولٌ مخادع في أحسن الأحوال. لقد شيّدت الحكومة تحت سمع وبصر نتنياهو شبكة رئيسية من الطرق تقطع الضفة الغربيّة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب ومخصّصة فقط للمستوطنين وفي نفس الوقت تقيّد الفلسطينيين في كانتونات، هذه كلها بنيّة جعل الوضع الراهن وضعا ً دائما ً.

رابعا ً، إنّ هدف نتنياهو هو توطين مليون إسرائيلي على الأقلّ في جميع أرجاء الضفة الغربيّة وخلق حقائق لا رجعة فيها على أرض الواقع. وفي الوقت الحاضر يوجد حوالي 650.000 مستوطن في الضفّة الغربيّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، وهذا يجعل إزالة أيّ عدد كبير من المستوطنين بكلّ بساطة أمرا ً مستحيلا ً. والدّرس الذي زرعه والد نتنياهو، بنزيون نتنياهو، الذي كان صهيونيّا ً رجعيّا ً متصلّبا ً، في إبنه بنيامين هو الإعتقاد بأن “أرض إسرائيل” التوراتيّة  تخصّ اليهود إلى الأبد. ففي مقابلة له في عام 2009 قال بنزيون:”حلّ الدولتين غير موجود أبدا ً…لا يوجد شعب فلسطيني، فأنت لا تقيم دولة لشعب وهمي”. ويبدو أنّ هذا الدرس لم يغب عن نتنياهو الإبن.

لا غرابة إذن في ذلك، فكلّما أمرت المحكمة العليا في إسرائيل بإزالة مستوطنة معيّنة غير شرعيّة بُنيت على أراض ٍ فلسطينيّة خاصّة كما كان الحال في الآونة الأخيرة مع تفكيك عمونا بحوالي (250) مستوطن، أسرع نتنياهو ليعلن حالاً خططا ً لبناء وحدات سكنيّة جديدة. إنه مصمّم على استمرار عدد المستوطنين في النموّ حتّى يصل إلى الرّقم القياسي مليون، هذا بصرف النّظر عمّا ستحكم به المحاكم الإسرائيليّة أو يطالب به المجتمع الدّولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، أقرب حليف لإسرائيل.

خامسا ً، إذا أراد نتنياهو فعلا ً أن يختار إنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين، بإمكانه أن يحلّ حكومته الإتلافيّة الحاليّة ويكوّن حكومة جديدة تتألّف من عدة أحزاب وسط  ويسار الوسط، بما في ذلك الإتحاد الصهيوني، “يش عتيد” (هناك مستقبل)، كولانو، ميرتس وحزب نتنياهو نفسه، حزب الليكود، وهذه الأحزاب مجتمعة ً قد توفّر له أغلبيّة حاسمة قوامها (80) مقعدا ً من أصل (120) في البرلمان الإسرائيلي، هذا مقابل الحكومة الحاليّة المؤلفة من أحزاب الليكود، كولانو، شاس، البيت اليهودي، إسرائيل بيتنا و “يو.تي.جي” وهذه بدورها لا توفّر له سوى أغلبيّة ضئيلة جدّا ً قوامها (67) مقعدا ً من أصل (120) مقعدا ً. وبالرّغم من أنّ بعض أعضاء حزبه سيرتدون، فإنه سيزال يحتفظ بأغلبية هامّة تعكس طموحات الإسرائيليين الذين يريدون إنهاء الصّراع. والجدير بالذّكر أنه مع تكوين حكومة جديدة قد يقوم أعضاء القائمة العربية ال(13) بدعم أية مبادرة تجاه حلّ الدولتين.

أجل، بإمكان مثل هذا الإئتلاف بالتأكيد الإتفاق على سلام ٍ عادل مع الفلسطينيين قد يؤدي إلى بعض عمليات مبادلة الأراضي إذا أراد فقط نتنياهو ذلك. ولكن للأسف، نتنياهو بكلّ بساطة لا يفكّر في اتفاقيّة سلام ٍ كهذه لأنه ملتزم عقائديّا ً بالسيطرة إلى الأبد على كلّ ما يسميه هو”أرض إسرائيل” في حين يتهم الفلسطينيين بأنهم يريدون تدمير إسرائيل بدلا ً من صنع سلام ٍ معها.

وللتأكيد، نتنياهو ليس ولم يكن أبدا ً في يوم ٍ ما مؤيدا ً لإقامة دولة فلسطينيّة. ولذا، سيكون من الحكمة للرئيس دونالد ترامب عدم الخوض معه أثناء زيارته للبيت الأبيض في مناقشات عقيمة للبحث عن اتفاقية تعتمد على أساس حلّ الدولتين. هذه النتيجة لا ولن تحدث ما دام نتنياهو في السلطة.

وإذا كان الرئيس دونالد ترامب جادّا ً في رغبته لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من أجل مصلحة إسرائيل نفسها، يجب عليه أن يطلب بأن يلزم نتنياهو نفسه بإقامة دولة فلسطينيّة ليس فقط بالقول، ولكن باتخاذ خطوات ملموسة لتشكيل حكومة جديدة مكوّنة من أحزاب اليسار والوسط وحزبه هو مع إجراء انتخابات جديدة، أو أن يستقيل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com