مَطْلب واضح وخطة عمل موحدة..

هناك مطالب سياسية جوهرية وأساسية تضم في ثناياها مطالب صغيرة وتفصيلية. وفي غمرة الاحداث، ولربما بسبب الجمود السياسي، يبدأ الحديث عن مطالب صغيرة، وهامشية، ويتم نسيان المطلب الأساسي والجوهري.

نطالب بتحسين وضع أسرانا في سجون الاحتلال، ونقول انه يجب معاملتهم معاملة جيدة، ولكننا ننسى مطلباً أساسياً الا وهو بضرورة اطلاق سراحهم جميعا، لان هذا ما يجب ان نسعى اليه، وان نحققه، لان مطلبنا بتحسين اوضاعهم، يعني قبولنا وبصورة غير مباشرة باستمرار اعتقالهم.

ونطالب بوقف عملية الاستيطان، وهذا مطلب مهم، ولكنه ليس جوهريا اذ ان المطلوب هو انهاء الاحتلال، وهذا يعني التخلص من الاستيطان كله، ومن مصادرة اراضٍ، ومضايقات يومية عديدة لقوات الاحتلال.

أي أنه علينا التركيز على المطلب الاساسي، الا وهو انهاء الاحتلال، لان معه تنتهي جميع أنواع المعاناة، وجميع الاجراءات التعسفية بحق شعبنا الفلسطيني.

يبدو أن هناك ابتعاداً الى حد ما عن المطلب الاساسي، وهو انهاء الاحتلال، فلا يحق للاحتلال ان يقرر مصيرنا بعد انسحابه، ويمن علينا بدولة، أو حكم ذاتي ممسوخ.. أو.. اذ ان هذا شأننا، ومن حقوقنا.. ولا يحق له قبول أو رفض حل الدولتين.. واذا رفض انهاء الاحتلال، فعلينا ان نضع مطلباً آخر وجوهري الا وهو ان نعيش معا في دولة واحدة علمانية ثنائية القومية.

في الحقيقة لا نعرف ماذا نريد؟ هل نريد دولة مستقلة مقطعة الاوصال بناء على المعطيات الواقعية على الارض؟ هل نريد حكماً ذاتياً؟ وهل نريد كياناً صغيرا؟ طبعاً القدس داخل اطار هذه المطالب؟ هل نريد دولة علمانية ثنائية القومية؟ لا بدّ أن نتفق ونُحدد ما نريده حتى نقول للعالم: هذا هو مطلبنا المشروع، وعليكم مساعدتنا في تحقيق ذلك.

كذلك القيادة الاسرائيلية تغيّر من مواقفها حسب المزاج مستغلة أية حدث أو أحداث في المنطقة. فيعلن نتنياهو انه يؤمن بحل الدولتين، ولكن على ارض الواقع هو ضد ذلك، ويدعي انه يريد السلام، والتوصل الى اتفاق، وفي الوقت نفسه يوتر الامور، ويصعد الاجراءات القمعية ضد شعبنا الفلسطيني، وكذلك تتم عملية سن قوانين جائرة تَستهدف نضالات شعبنا الفلسطيني، وتضاعف من الاجراءات العقابية بحقه!

غالبية القادة السياسيين في اسرائيل ضد حل الدولتين، ويقولونها بكل صراحة، أي أنهم ليسوا مع هذا الخيار، ولكنهم لا يقولون ماذا يريدون؟ هم يريدون بقاء الاحتلال، وفي الوقت نفسه التخلص من المقيمين عليها من العرب! أي يتمنون ترحيلنا، وهذا أمر صعب التحقيق لان الشعب الفلسطيني لن يسمح بذلك، فهو متمسك بأرضه ووطنه.

أي أن هناك ارتباكاً اسرائيلياً حول ماذا يريدون، كذلك هناك عدم وضوح لرؤية حول ماذا نريد ونسعى اليه! وهذا ان دل على شيء فانما يدل على وجود تقصير ما، أو ضعف ما في استراتيجيتنا، اذا كانت هناك بالفعل استراتيجية! والانقسام داخل الساحة الفلسطينية زاد من الارباك هذا، وكل فصيل يدعو الى حل ما وسياسة ما، وبالتالي يضعف موقفنا أمام العالم كله.. لأنه سيقول: وحدوا أنفسكم أولاً، واعرفوا ماذا تريدون، ونحن بعدها سنساعدكم؟!

لقد طالبنا المجتمع الدولي باجبار اسرائيل على احترام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، لكن هذا المجتمع مُقصّر تجاهنا، لأننا لا نعرف كيف نثبت وجودنا، ونعزز نفوذنا على الساحة الدولية لان العرب ايضا منقسمون، وتحولت القضية الفلسطينية الى قضية ثانوية، ولربما لا تعنيهم، اذ انهم يلهثون وراء اميركا، ووراء الرضى الاسرائيلي، بعد ان كانت كلمتهم مسموعة ولها قوة على الساحة الدولية.

لنحرج اسرائيل ونقول لها ماذا تريدين منا حتى ندرس مقترحاتك، ونتفاوض عليها.. وبهذه الطريقة نكشف حقيقة المطلب الاسرائيلي.. ودراسة هذا المطلب لا يعني الموافقة عليه، بل يكشف ويعري النوايا الاسرائيلية!

لنعد الى المطلب الاساسي والجوهري الا وهو ازالة الاحتلال، هل هذا مطلب قابل للتنفيذ؟ وما هو البديل؟ وكيف يمكن ان نُحرك القضية ونمنع من وضع ملفاتها على رفوف مرتفعة جداً لا أحد يستطيع رؤيتها، ولندرس كيف يمكن ان نواجه ذلك؟ وكيف سيكون نضالنا للحصول على مطالبنا العادلة والمشروعة، أي اننا بحاجة الى وضع خطة عمل للمرحلة القادمة مبنية على الواقع وليست على أوهام!

إن الزمن ليس لصالح اسرائيل، وهذا ما يجب أن يدركه كل من يضع أو يشارك في وضع خطة العمل للمرحلة القادمة. وكلما توسع الاستيطان، كلما اقتربنا من حل واجد وهو دولة ثنائية القومية على ارض الواقع.. من هنا، فان خطة العمل يجب أن تتركز على الحفاظ على الوجود العربي، وتعزيز تواجده، وتوفير مستلزمات العيش الكريم.. ومع مرور الايام والاسابيع والشهور والسنون، فان الكفة الديموغرافية ستكون لصالحنا سواء قبل أو لم يقبل قادة اسرائيل بذلك.

وعلينا الا نتوصل الى سلام هش او الى اتفاق ضعيف، لان هذا ليس لصالحنا. كما يجب ان تكون مطالبنا واضحة لا غبار عليها حتى نعمل جميعا على تحقيقها او الحصول عليها.

المرحلة الحالية صعبة، وحساسة، وبالتالي توحيد الصف الفلسطيني ليس أمراً ضرورياً فقط، بل هو واجب وطني، وعلى الجميع ان يقدم هذا الواجب، وان نكون واضحين مع انفسنا لنعرف ماذا نريد، وكيف يجب أن نعمل للحصول على حقوقنا المشروعة كاملة بخطة عمل كاملة وواضحة!

نشر في 15 تموز 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com