الاعتداءات على الحرم شرارة انطلاق مواجهات دامية..

صباح يوم الجمعة الموافق 14 تموز 2017، وفي حوالي الساعة السابعة والثلث صباحاً، قام ثلاثة شبان من بلدة أم الفحم في المثلث بعملية هجومية على ثلاثة من افراد الشرطة الاسرائيلية على باب الحرم القدسي الشريف في باب السلسلة، المهاجمون استخدموا بندقية، ومسدساً، وسكيناً. وقد أدى الهجوم المباغت الى مقتل شرطيين اسرائيليين ينتميان للطائفة الدرزية، وهما من بلدتي المغار وحرفيش. واصيب شرطي ثلاث بجراح. وفر الشبان الثلاثة الى داخل الحرم. وقامت قوات كبيرة من حرس الحدود والشرطة بمحاصرة الشبان واطلاق النار عليهم مما أدى الى استشهادهم داخل الحرم القدسي الشريف.

الشبان الثلاثة الذين قاموا بالعملية هم محمد أحمد محمد جبارين (29 عاماً)، ومحمد حامد عبد اللطيف جبارين (19 عاماً) ومحمد أحمد مفدال جبارين (19 عاماً) والثلاثة أبناء عم. الاول كان من المقرر أن يحتفل بزواجه بعد شهر، أما الثاني فهو طالب جامعي، في حين أن الشاب الثالث هو رياضي.

بعد العملية مباشرة قرر رئيس وزراء اسرائيل اغلاق الحرم القدسي الشريف أمام المصلين، ومنع صلاة الجمعة، وقامت قوات كبيرة بمحاصرة البلدة القديمة من القدس ومحيطها، وتم هذا الاغلاق المشدد لمدة أكثر من 55 ساعة، الى ما بعد ظهر يوم الأحد الموافق 16 تموز 2017.

وقررت السلطات المحتلة الاسرائيلية وضع أبواب الكترونية على مداخل بعض أبواب الحرم القدسي الشريف بذريعة أمنية، والادعاء أنها تعمل للحفاظ على أمن الحرم وأمن المصلين فيه. وقد رفض أبناء القدس، وكذلك جميع المسلمين في العالم هذا الاجراء، واعتبروه اجراءً سياسياً مغلفا بذرائع أمنية، وقرر المصلون عدم دخول الحرم إلا بعد ازالة هذه الأبواب الالكترونية!

ادعاءات اسرائيلية

ادعت اسرائيل، واستناداً الى كاميرات التصوير داخل وعلى مداخل الحرم، ان الشبان الثلاثة دخلوا الى الحرم عاديين. وبعد فترة خرجوا منه وهم يحملون الأسلحة، وباغتوا رجال الشرطة الاسرائيليين، مما يعني أن هذه الأسلحة كانت مخبأة داخل الحرم نفسه.

وادعت السلطات الاسرائيلية أن عدداً من موظفي الأوقاف الاسلامية ساعدوا هؤلاء الشبان في تخبئة هذا السلاح، مما أدى هذا الاعتداء الى قيام الشرطة الاسرائيلية مع رجال أمن بمداهمة كل زاوية من زوايا الحرم، حتى أنهم قاموا بكسر أقفال الخزائن بحثاً عن السلاح، وبحثاً عن مواد “محرضة”.. كما أنها قامت بطرد واخراج من كان في الحرم.

 

تقييم للعملية

هناك اختلاف في وجهات النظر حول هذه العملية المقاومة التي جرت صباح الجمعة 14 تموز 2017. فهناك من انتقد مكانها وعدم الحساب الجيد لها، وهناك من رحّب بها واعتبرها استشهادية بطولية.

أصحاب الرأي الأول المتحفظون من العملية قالوا ان اختيار الشبان للمكان لم يكن صحيحاً وهو الحرم القدسي الشريف، وهو مكان مقدس تطمح اسرائيل في السيطرة عليه. وهذه العملية توفر الغطاء أو العذر لهذه الأطماع. كما ان العملية وقعت يوم جمعة مما أدى الى منع عشرات الآلاف من المصلين من أداء الصلاة في هذا المكان المقدس الطاهر. وأما الانتقاد الثالث فكان يعتمد على أنه من الضرورة عدم اطلاق النار داخل الحرم، وعدم قتل أي “يهودي” فيه لأن ذلك سيوفر الفرصة لاسرائيل لاقامة موطىء قدم فيه، باعتبار الضحية “رجلاً طاهراً ومقدساً وولياً” يحج اليه اليهود باستمرار، أي أنهم يحصلون على “حق شرعي” لدخول الحرم أو السيطرة على جزء منه!

أما الذين رحبوا بالعملية، فهم في الغالب أبناء الفصائل المقاومة، الوطنية والاسلامية، وقالوا أن القيود الاسرائيلية على دخول الحرم هي التي أدت الى القيام بهذه العملية البطولية لاعطاء رسالة الى اسرائيل بأن الاقتحامات اليومية، والقيود على الأبواب، ومختلف الاجراءات المشددة ستجد رد فعل عنيفا، وبالتالي على اسرائيل التوقف عن هذه الاجراءات.

ويقول هؤلاء أن المكان والزمان غير مهمين، والاكثر أهمية هو نجاح العملية. وان الشرطيين اللذين قتلا يخدمان السلطات المحتلة، فبالتالي هما محسوبان على سلطات الاحتلال. أما منتقدو العملية فيقولون ان من خسر هم العرب لأن من قُتل هم خمسة شبان عرب، ولم يقتل أي اسرائيلي.. ويدعي هؤلاء المنتقدون أن مثل هذه العملية قد توقع بين ابناء الشعب العربي، بين الدروز وغير الدروز، مع ان هذا الانتقاد لم يحصل على الانتباه أو الاهتمام لانه مجرد وجهة نظر فقط.

أسباب رفض الأبواب الالكترونية

هناك رفض شامل لوضع هذه الأبواب لعدة أسباب ومن أهمها:

  1. هذه الأبواب تعزز السيطرة الأمنية على الحرم القدسي الشريف، وتؤكد أن هذا الموقع هو “يهودي”، ولليهود حق في زيارته.
  2. هذه الأبواب ستعرقل دخول الحرم وأداء الصلاة فيه، فهل من الممكن تفتيش عشرات الآلاف من المصلين، فبالتالي ستُحدد هذه الأبواب عدد المصلين.
  3. ستشل هذه الأبواب نشاط حراس الحرم وموظفيه، وقد ادعت الشرطة الاسرائيلية أن هذه الأبواب الالكترونية ليست موجهة لموظفي الحرم والأوقاف إذ سيعفون من الدخول عبرها، أي أن الشرطة ستميز بين مسلم وآخر! لزرع الفتنة أيضاً!
  4. حماية الحرم ليست من صلاحية اسرائيل، فهي من واجبات دائرة الأوقاف، وبالتحديد مسؤولية الحكومة الأردنية، لأن الأردن هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس!
  5. اعتبار هذه الأبواب بمثابة استفزاز لمشاعر المسلمين قبل دخول الحرم لاداء الصلاة فيه، وهي وسيلة لاذلالهم!

وتحاول سلطات الاحتلال تسويق هذه البوابات بالادعاء أن مثلها مقامة على أبواب الحرم المكي، ولكن هذا غير صحيح، وان المصلين الى الحرم المكي يدخلون اليه بلباس ديني شفاف، ولا حاجة الى مثل هذه الأبواب داخل الحرم!

النزول عن الشجرة

أجهزة الأمن الاسرائيلية أوصت بازالة هذه الأبواب الالكترونية، إلا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي مصر على ذلك لارضاء اليمين الاسرائيلي المتطرف، ولمنافسة زعيم حزب “البيت اليهودي”، نفتالي بينيت، ليؤكد له أنه هوأكثر تطرفاً منه.

وقد عقد المجلس الأمني المصغر (الوزاري/ الكابينيت) جلسة حول هذه البوابات، وحوّل المجلس المسؤولية والقرار للشرطة الاسرائيلية، أي للقول والادعاء أن هذه الاجراءات هي “أمنية” وليست “سياسية”. والشرطة مصرة على بقاء هذه البوابات مع ادراكها أنها لن تحمي الحرم، لأن من يريد أن يهرب السلاح يستطيع ذلك، كما ان العملية المقاومة لم تقع داخل الحرم بل على أحد أبوابه.

الفلسطينيون مُصّرون على ازالة هذه الأبواب، واسرائيل ترفض ذلك وتُصّر على بقائها. الفلسطينيون مُصممون على عدم أداء الصلاة في المسجد الأقصى الا بعد ازالة هذه الأبواب.

الطرفان عنيدان، والسؤال كيف يتم النزول عن الشجرة، هل تقبل اسرائيل بازالة هذه البوابات والتراجع عن اجراءاتها، وهل سيقبل بها الفلسطينيون وكذلك المسلمون في كل العالم العربي.

في الوقت الحاضر من الصعب النزول عن هذه الشجرة إلا بضغط اسلامي دولي على اسرائيل، واجبار القيادة السياسية فيها على التراجع!

عوامل تشجع اسرائيل على اجراءاتها

هناك عدة عوامل تشجع اسرائيل على اتخاذ هذه الاجراءات المشددة المرفوضة على الحرم القدسي الشريف ومن أهمها:

  • محور المقاومة مشغول الآن في مواجهة الارهاب وتصفيته سواء في سورية أو اليمن أو العراق.
  • الدول العربية الخليجية في مأزق وخلاف كبيرين، إذ أن السعودية والامارات والبحرين مع مصر تقاطع قطر، وتفرض عليها حصاراً.
  • هناك توجه عربي خليجي لتطبيع العلاقات مع اسرائيل من أجل الحصول على دعمها لمواجهة ايران، وبحجة المساعدة في ايجاد حل للقضية الفلسطينية.
  • الادارة الاميركية الحالية “موالية” للسياسة الاسرائيلية بشكل كامل، والعلاقة قوية جدا مما يشجع اسرائيل على “العربدة” واتخاذ اجراءات ضد الحرم.
  • العالم العربي وكذلك العالم الاسلامي نائمان، ولن يسمح قادتهما الرسميون بأي فعاليات ونشاطات جماهيرية تشجب الاجراءات الاسرائيلية.
  • العالم كله، وخاصة دول اوروبا التي تصدر بيانات عطف ودعم للقضية الفلسطينية، لم تتدخل، ولم تقل أي كلمة، بل كل ما تطالب به هذه الدول هو ضبط النفس وحل المشاكل والخلافات بالحوار فقط.
  • منظمة التعاون الاسلامي غائبة، ولم تفعل شيئاً، حتى أنها لم تصدر بياناً حاسماً وحازماً بخصوص الأقصى!

موقف السلطة الوطنية

تمثل موقف السلطة الوطنية الفلسطينية بخطاب الرئيس محمود عباس الذي أعلن فيه وقف الاتصالات مع اسرائيل الى ان تزيل البوابات الالكترونية. وادانت السلطة الوطنية كل القيود التي أدت الى اغلاق الحرم القدسي الشريف أمام المصلين.

وكان الرئيس عباس قد اتصل برئيس وزراء اسرائيل عقب العملية المقاومة، وناشد نتنياهو بعدم اتخاذ اجراءات استفزازية، إلا أن نتنياهو لم يُصغِ إلى مناشدة أو رأي الرئيس، واتخذ الاجراءات العدوانية.

الحرم هو شرارة خطيرة

أحداث الحرم كانت شرارة انطلاق انتفاضات سابقة، كذلك هي الآن شرارة دوامة عنف متوقعة، وقد تستمر ما دامت الاجراءات الاسرائيلية تتصاعد في الحدة والشدة والاستفزاز. فمن المتوقع وقوع مواجهات وصدامات، وقد تنتقل ليس الى مناطق الضفة فحسب، بل الى داخل فلسطين 1948.

والمطلوب من اسرائيل وقف اجراءاتها.. كما ان المطلوب من الدول العربية أن تكون حازمة وحاسمة في مواقفها تجاه الحرم القدسي الشريف. والمطلوب استمرار التعاضد بين أبناء القدس لمنع أي تغيير في الوضع القائم في هذا المكان المقدس، لانه ان تم السماح بأي تغيير، فهذا يعني أن الحرم وكل المقدسات الاسلامية والمسيحية في خطر!

15 تموز 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com