رسالة غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد الميلاد المجيد

بيت لحم- البيادر السياسي:ـ مع حلول عيد الميلاد المجيد في هذا العام، أتقدم بالتهاني القلبية لجميع أبناء الأراضي المُقدسة على ضفتي نهر الأردن وخاصة أبناء كنيستنا الأرثوذكسية. ففي هذه الأيام نجد بأن الناس يستخدمون توصيفات محددة للعام المنصرم ومنها أن السنة الماضية كانت “غير مسبوقة”، و”صعبة”، و”قلقة”. كلمة واحدة معظم الناس لا تستخدمها لوصف العام المنصرم وهي “السلام”.

 

نعتقد، نحن كمسيحيين، أن كلمة “السلام” هي كلمة يمكن استخدامها لتلخيص رسالة عيد الميلاد. يُعلمنا الكتاب المقدس أن سيدنا المسيح يجلب السلام مع الله. هذا السلام مع الله يمكن أن يفيض بعد ذلك إلى السلام داخل أنفسنا والسلام تجاه الآخرين من حولنا.

 

وفي الأرض المُقدسة نحن أحوج ما نكون للسلام، والسلام المنشود لا يأتي بأي ثمن، فالسلام ثمنه الأسمى هو العدل، فلا يمكن أن يتحقق السلام بدون عدل، والعدل لا يأتي إلا بالحقيقة والابتعاد عن تزويرها للمصالح الشخصية أو السياسية أو حتى الإيديولوجية. ففي هذه البلاد المُقدّسة الجميع يتحدث عن السلام لكن هناك من لا تريد دفع ثمنه بتحقيق العدل كما أنها لا تريد الحقيقة لان الحقيقة لا تسري وفق مآربها، فيظل السلام مجرد حلم للبسطاء وشعار للأقوياء والحقيقة مبتورة ومشوهة.

‎ هذا العام، عالمنا المألوف بدا مختلفا، لكن ليس بطريقة جيدة، لقد تم عزلنا عن بعضنا البعض، ومات الكثيرون وعانى آلاف آخرون وجثم الاقتصاد على ركبتيه وخاصة في القدس وبيت لحم اللتان تعتمدان على السياحة الدينية بشكل أساسي.

الطريقة الوحيدة للنظر إلى عالمنا وواقعنا الجديد هو من خلال رسالة السيد المسيح، فرسالة السيد المسيح، رسالة المحبة والسلام، توفر لنا خارطة لبناء عالم أفضل من خلال الاعتراف بأنسانيتنا المشتركة، وانتمائنا إلى مجتمع عالمي، واعترافنا بالقيم والآمال التي توحدنا.

 

واليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاد سيد السلام، نمارس شعائرنا الدينية بمعزل عن أحبائنا أبناء كنيستنا وإخوتنا وأبناء شعبنا التزاماً منا بتعليمات الجهات الفلسطينية الرسمية التي تعمل جاهدة للحد من انتشار جائحة الكورونا، وقد أصدرنا بياناً رسمياً قبل عدة أيام طلبنا من الجميع التزام المنازل والصلاة فيها تقيداً بتعليمات أصحاب الاختصاص، كما أننا في هذه الليلة المباركة في مغارة الميلاد نفتقد مشاركة فخامة الرئيس لنا ولأول مرة في قداس منتصف الليل بسبب جائحة الكورونا، فندعو لفخامته الصحة والعافية وهو رجل السلام، وكما نتقدّم بالتهنئة لجلالة الملك عبد الله الثاني، صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي المُقدسة، والذي يبذل جهوداً جبارة في الدفاع عن المقدسات ونشر التسامح والوئام بين الديانات السماوية. ونؤكد على أهمية تعزيز وتطوير التعاون مع الحكومتين الأردنية والفلسطينية واللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس للدفاع عن حقوق بطريركتنا في عقارات باب الخليل وغيرها وحماية الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المُقدسة.

 

إن الظروف الاستثنائية التي نعيشها لا تعني أن لا نبتهج في عيدنا، فالابتهاج في القلوب وطالما رسالة السيد المسيح موجودة فينا ونعمل بموجبها فكل أيامنا أعياد ميلاد وكل أيامنا ابتهاج بالرغم من جائحة كورونا وكل ما تصاحبه من الآلام، ففقط تأملوا في النعمة الّذي بها غمرنا الله، وفكّروا بالقيام بأعمال تعكس المحبّة والتضامن مع بعضنا البعض لتُعبرُ عن محبتنا لسيدنا المسيح.

 

وبالرغم من الآلام استطاعت بطريركتنا المقدسية أن تُجند الدعم المادي اللازم من خلال أبنائها ومُحبيها لترميم دير مار الياس والذي، كما تجري العادة، توقفت للصلاة فيه بطريقي إلى مهد المسيح، حيث أن عملية الترميم ستساهم في الحفاظ على هذا الدير التاريخي وتعزز مكانته كموقع حجيج لملايين المسيحيين حول العالم، وانتهز هذه الفرصة لدعوة أبناء شعبنا لزيارة الدير والاطلاع على أعمال الترميم فيه ليشهد الجميع على حرص بطريركتنا على الحفاظ على مقدساتها وعقاراتها بعيداُ عن الإشاعات المُغرضة التي تشوه الوجود الكَنَسي المسيحي الأصيل في هذه البلاد المقدسة، كما أدعوكم لزيارة مقر البطريركية فأبوابنا دائماً مفتوحة لخدمتكم والإجابة على استفساراتكم وأعاهدكم بأن دير مار الياس سيبقى كما هو إلى يوم القيامة. وأيضاً أود أن أشارككم خبر سعيد آخر وهو نجاحنا في استخراج تراخيص أولية لبناء عشرات الوحدات السكنية لمنفعة أبناء كنيستنا في القدس، حيث أنه وبعد سنوات من الجهد والعمل تحت الضغوطات والتشكيكات، استطعنا أن نحقق هذه الخطوة المهمة نحو تجسيد رؤيتنا لتعزيز صمود أبنائنا في منطقة القدس من خلال المشروع الإسكاني الكبير المزمع بناءه في بيت حنينا فور الانتهاء من المتطلبات القانونية، كما نستمر بدعمنا لمشاريع الإسكان والتعليم وغيرها من القطاعات الحيوية في دولة فلسطين.

 

انه لا يسعنا في هذا العيد إلا أن نصلي لله لوضع حد لمأساة كورونا العالمية وقد بدأت بشائر معالجتها عن طريق توفير لقاح يساهم في مكافحة الجائحة ويحافظ على كرامة الإنسان وقدسية الحياة.

 

أتوجه إليكم والى عائلاتكم بالمعايدة القلبية، مصليا معكم ولكم، لكي يكون هذا العيد محطة للفرح بالله العلي القدير، ولإزالة الخوف من القلوب، والقلق من النفوس. ونتطلع إلى السنة الجديدة  لتكون منطلقا جديدا للعيش الأخوي الإنساني. وليكن اسم السيد المسيح مصدر خلاص ونعم  ورجاء وأمل لنا جميعا.

غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن

بيت لحم 6-1-2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com