ليته لم يُنشر!.. كتاب “السيونيزم أي المسألة الصهيونية” لروحي الخالدي

قراءة علمية/ د. خالد الحروب

كنتُ في غاية الحماس عندما وصلني كتاب “السيونيزم أي المسألة الصهيونية – أول دراسة علمية بالعربية عن الصهيونية” لمحمد روحي الخالدي من تحرير وليد الخالدي، وانكببت على قراءته للمشاركة في ندوة أعدتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية لمناقشة الكتاب وإطلاقه (بمشاركة الأصدقاء سليم تماري، ورشيد الخالدي، ولينا دلاشه) في الرابع من آذار الجاري. أصل الكتاب مخطوطة غير مُكتملة كتبها روحي الخالدي في فترات متقطعة منذ سنة 1908 وحتى وفاته سنة 1913 ولم ينشرها وحُفظت في أرشيفات العائلة إلى أن اشتغل عليها وليد الخالدي سنوات طويلة، كما يروي في مقدمة الكتاب المُسهبة والمُمتعة. المخطوطة الأصلية عُثر عليها في جزأين واحد مكتوب بخط روحي الخالدي نفسه، والآخر بخط شخص غيره. في سنة 1988 نشر وليد الخالدي بحثا عن المخطوطة تضمن فصولا منها في كتاب تكريمي عن قسطنطين زريق نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية. بيد أن نشر المخطوطة بكل فصولها مع شروحات وافية حول كيفية جمعها تأخر الى الوقت الراهن، وصدرت على شكل الكتاب الذي بين أيدينا عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية والمكتبة الخالدية في القدس. حال انهيت قراءة الكتاب كان حماسي له قد تبخر، وحل مكانه حيرة وتساؤلات وخيبة أمل أيضا. أعدت قراءة الكتاب مرة ثانية بتأن إضافي وبأمل تعديل إحساسي بتلك الخيبة، وهذه المرة اشتغلت عليه من منظور المُحقق اذ شرعت في كتابة ملاحظات عديدة، ورجعت الى ثلاثة كتب سابقة لروحي الخالدي كنت قد قرأت بعضها (وهي “أسباب الانقلاب العثماني”، و”الادب عند العرب والإفرنج وفكتور هوجو”، و”الكيمياء عند العرب”). كما رجعت لكتاب نجيب نصار “الصهيونية: ملخص تاريخها، غايتها وامتداداتها حتى سنة 1905” والذي نُشر سنة 1911، واستعنت بالنسخة الإنجليزية لمذكرات ثيودور هرتزل للمقارنة مع بعض المعلومات الواردة في كتاب الخالدي والتأكد منها، وكذلك بحثت عن الموسوعة اليهودية التي اعتمد عليها نصار والخالدي في كتابيهما، والصادرة سنة 1902 والمكونة من 12 جزء، وعثرت عليها.

أضيف إلى الخيبة بعض الارتباك اذ ماذا سأقول في ندوة مُخصصة لإطلاق الكتاب والاحتفاء به وبالمؤرخ روحي الخالدي نفسه الذي وصفه ناصر الدين الأسد بأنه رائد البحث العلمي في فلسطين. بالمُجمل، وجدت نفسي أمام كاتبين وليس كاتبا واحدا، أولهما روحي الخالدي المؤرخ الرصين الذي نعرفه من كتبه السابقة والتي ضمنت له مكانة مُكرسة ومُقدرة في المشهد الثقافي والوطني العربي، إذ اعتبر كثيرون أطروحته في “علم الأدب” اول كتاب عربي في الأدب المقارن. كما أن كتابه في تحليل نمو وانتصار حركة الدستور العثماني اعتبر طليعيا أيضا، وكذا كتبه الأخرى. في هذه الكتب نرى الباحث الدقيق والعميق، والمؤرخ التحليلي والموسوعي الذي يفيض حماسة حول ما يكتب. أما الكاتب الثاني فهو مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا “السيونيزم أي المسألة الصهيونية”، وهو شخص مُختلف ومؤلف متسرع في ما يكتب، لا يدقق في المعلومة، ويأخذ من الآخرين من دون النسبة إليهم، ويكتب ببرود وغياب حماسة مثيرة في موضوع هو اخطر الموضوعات على وطنه. أمام هذين الكاتبين قررت الانحياز لروحي الخالدي الذي اعرفه في كتبه السابقة، ونعرفه جميعا، وان أقدم مُداخلة ربما تبدو قاسية، لكنها مُتسقة مع ضميري البحثي والوطني أيضا. انحيازي هو للكتب المُنجزة التي نُشرت بإشراف روحي الخالدي نفسه وبعد أن أنهاها واشتغل عليها بمهنيته ثم دفع بها للمطابع، على حساب المخطوطة التي لم تنته ونُشرت من دون إذنه بطبيعة الحال ولا ترتقي لمستواه البحثي والمهني. ومنطلق نقدي الإجمالي هو التساؤل عن حكمة نشر نص غير مُكتمل وغير ناضج وفي غالب الأحوال لم ينشره روحي الخالدي لأنه أراد تحسينه وإضافة الحواشي عليه ونسبة ما اقتبسه من الآخرين وسوى ذلك من ضرورات الالتزام بالبحث والنشر العملي الذي تعلمه في استانبول وباريس والسوربون. وتاليا بعض الملاحظات الأساسية التي خرجت بها وحيرتني:

النسخ عن كتاب نجيب نصار من دون توثيق: المفاجأة الأولى في الكتاب تمثلت في استنساخ شبه كامل لكتاب نجيب نصار المُشار إليه أعلاه. وكتاب نصار هو عمليا ترجمة لبعض الأجزاء من الموسوعة اليهودية مع إضافات نقدية وسجالية من قبل نصار، ينقض من خلالها الأطروحات اليهودية والصهيونية الخاصة بالعودة الى فلسطين واستعمارها وسوى ذلك. يُترجم نصار من الموسوعة نصا معينا مثلا، ثم يرفقه بتعليق نقدي. أما في مخطوطة روحي الخالدي، والتي أصبحت كتابا بين أيدينا، فإننا نقرأ النصوص التي ترجمها نصار لكن مع حذف تعليقاته ومن دون الإشارة والتوثيق إلى أن النص والاقتباسات المطولة أخذت من نصار. يتوسع روحي الخالدي ويبني على نص نصار المُترجم من الموسوعة اليهودية. وفي نهاية المخطوطة، أي الكتاب الحالي، يُضيف روحي الخالدي جزءا من تأليفه خاصا بالمستعمرات اليهودية في فلسطين والمؤسسات الاستعمارية وإعداد المستعمرين وثرواتهم وشركاتهم، وهو فصل غني ويقدم معلومات تفصيلية ريادية قياسا بذلك التاريخ. ويتابع أيضا الوكالات اليهودية وشرائها للأراضي بالخداع والرشاوي، وبناء المزارع والمصانع والمدارس اليهودية، وإعداد العاملين فيها ومدخولاتها وتفاصيل كثيرة أخرى. وهكذا ينقسم الشكل العام للكتاب الى أجزاء ثلاثة، الاول هو الخلفية التاريخية لليهود في فلسطين، يتبعه جزء ثاني يتابع ظهور الصهيونية، ثم الجزء الأخير المتعلق بالمستعمرات. بنية الكتاب في الجزأين الاولين منسوخة عن كتاب نصار في الشكل العام والعناوين الأساسية والفرعية، مع التوسع في الإضافة وخاصة في ما تعلق بتاريخ اليهود في العصور العربية والإسلامية.

الرواية والجغرافية التوراتية لفلسطين: المفاجأة الأكبر في الكتاب هي أن ما تم نقله عن نصار، مع حذف تعليقاته، هو أصلا منقول عن الموسوعة اليهودية، وبذلك تسربت أجزاء طويلة في كتاب الخالدي الذي بين أيدينا من تلك الموسوعة والتي تطرح الرؤية التوراتية والصهيونية، ومن دون أن يقابلها رؤية تنقدها وتنقضها. في مواضع كثيرة في الكتاب يرتبك القارئ غير المطلع إذ يعتقد أن كاتب النص هو الخالدي نفسه، بينما الموجود حقيقة هو نص الموسوعة اليهودية. كان نجيب نصار يحرص في ترجمته (وكتابه) على القول في معظم الصفحات “قالت الانسيكلوبيديا اليهودية …” ثم يتابع الترجمة، ويتبعها بنقده. اما في نص الخالدي فليس هناك إشارة لا إلى نصار ولا إلى الانسيكلوبيديا. وما ترويه الموسوعة اليهودية بطبيعة الحال هو الرؤية اليهودية الصهيونية، والتوراتية الأسطورية خاصة في ما يتعلق بتاريخ فلسطين. وترسم جغرافية توراتية للمنطقة فيها ممالك ودول يهودية تمتد إلى حلب وحماة ونهر الفرات والعقبة وشمال الجزيرة العربية، ويحكمها أنبياء يهود وهكذا. وترد في هذه المرويات أسماء أنبياء مثل داود وسليمان ويوسف. وهذه المرويات هي التي يعتمدها الخالدي في الثلث الأول من الكتاب كي تقدم خلفية عن اليهود واليهودية في فلسطين، ثم يتبعها في الجزء الثاني بتطور الصهيونية. التاريخ التوراتي لفلسطين والمنطقة لا علاقة له بالتاريخ الواقعي، وأثبتت الدراسات العملية والآثارية واللُقى عبر اكثر من قرنين من البحث ان كل القصص الكبرى في التوراة ليس لها أي سند جغرافي، مثل مملكة داود وسليمان الكبيرة، او عبور العبرانيين من سيناء، أو المرور بالبحر الأحمر، او نزولهم على فلسطين وحروبهم مع الكنعانيين، آو وجود قبر داود في القدس، وهذه نتائج بحثية اقر بها اهم علماء الآثار الإسرائيليين مثل إسرائيل فنكلشتاين وزييف هيرتزوغ. وهناك حرب ضروس في الدراسات التاريخية الخاصة بتاريخ فلسطين حول عدم قيمة التاريخ التوراتي ولا الجغرافية التوراتية.

المهم هنا ان القارىء غير المطلع وغير الخبير سيقرأ في كتاب روحي الخالدي تاريخا توراتيا لفلسطين وليس تاريخا حقيقيا. ولأن الكاتب هو روحي الخالدي الذي يعتبر قامة فلسطينية ومؤرخا يحظى بالاحترام والتقدير، فإن كتابه هذا سوى يُصبح “مصدرا” مُعتمدا لمن يريد ان يقرأ عن او يدرس الصهيونية، خاصة وان غلافه يحمل تقريضا مبالغاً فيه: “اول دراسة علمية بالعربية عن الصهيونية”. ولنتأمل على سبيل المثال بعض الأمثلة، نقرأ في صفحة 29 ما يلي: “وصهيون اسم الجبل الذي عليه اليوم قلعة القدس وقبر داود بن سليمان عليهما السلام، ويطلق تعميما على مدينة القدس الشريف وما حولها …”. في هذين السطرين كوارث تاريخية حقيقية، أولها إسقاط جغرافية التوراة على جغرافية القدس الحالية، وتعميقها عبر الترجمة العربية وعبر المسحة الدينية التي أضافها الخالدي بإضافة “عليهما السلام” بعد ذكر داود وسليمان. في التوراة هناك اسم اورشاليم وليس هناك ذكر ل “القدس” ولا القدس الشريف، ولا نعرف اين تقع اورشاليم اساسا وما هي حدودها الجغرافية، فكيف يقول الخالدي ان وصف “صهيون” يطلق تعميما على القدس الشريف؟ وكيف يُورد الخالدي ان قبر داود في القلعة التي ينسبها للقدس أيضا؟ مرة أخرى هذه رواية توراتية بحتة وعندما ترد بهذه الهيئة المُعربة والمؤسلمة (من خلال تعريب اورشاليم للقدس، ومن خلال السلام على الأنبياء)، فإنها تصبح السردية الحقيقي وتتسرب تلقائيا الى ذهن أي قارىء غير مُتخصص. ولننظر في مثال آخر، صفحة 15، لنقرأ ما يلي: “… تمكن العبرانيون من تأسيس دولة صغيرة على عهد داود وسليمان عليهما السلام بلغت حدودها حماة ونهر الفرات بالقرب من حلب وتدمر وخليج العقبة من جهة الجنوب وتم بناء الهيكل في اورشليم على زمن سليمان عليه السلام وبعد وفاته نحو 930 ق. م. …”. مرة أخرى، نجد هنا نصا توراتيا تم إعادة إنتاجه معربا ومؤسلما بشكل يحوله الى جزء من رواية “متفق عليها” وبكونها الرواية الوحيدة. والمثال الآخر الذي يورده روحي الخالدي مُعربا ومُؤسلما هو التالي: “… ويكرر اليهود في صلواتهم وفي ختام كل مؤتمر من مؤتمراتهم الصهيونية جملة مقدسة بالعبرانية تعريبها: السنة الآتية في القدس على ما يدل على تعلقهم بفلسطين وشدة حرصهم على تملكها” (صفحة 25). ومرة أخرى، يستخدم اليهود اورشاليم في هذا الدعاء المشتهر وليس القدس، وهذه ترجمة مُضللة. والامر الأهم هو ان هذا الدعاء مرتبط توراتيا بعودة المسيح الذي هو المخول بقيادة عودتهم الى اورشاليم بحسب التوراة، والحرص اليهودي الفردي تاريخيا كان على “زيارة” اورشاليم وليس تملكها او حتى المكوث فيها او العودة اليها. ولو كانت التوراة والتلمود والشرائع تدعو اليهود للعودة الى “فلسطين” او تملكها فلماذا انقضت قرون وقرون وهم لا يستجيبون لهذه الدعوة؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في التفسير الصهيوني الذي أعاد انتاج اليهودية وقلب أولوياتها ووضع على رأسها مسألة العودة الى “ارض الميعاد” من دون المسيح. وهناك عشرات الأمثلة الواردة في الكتاب على هذا المنوال والتي تثير الحيرة ان لم نقل الاستفزاز، منها ما يشير الى ان عدد يهود الإسكندرية في العهد اليوناني تجاوز المليون، وان الرومان قتلوا من اليهود عشرة ملايين في معركة بتير في فلسطين، وهي ارقام خرافية طبعا، وترد في النص من دون تعليق او نقد او نقض.

أخطاء تاريخية: ثمة كم من الأخطاء التاريخية العديدة التي تضمنها الكتاب لا تتناسب مع اسلوب روحي الخالدي في التدقيق والانتباه. مثلاً، ينقل الخالدي هذه المرة عن الموسوعة البريطانية ويقول ما يلي: “… ان السلطان عبد الحميد لما سمع بمنشورات هيرتسل بعث إليه الشيفاليه بنولنسكي (دبلوماسي بولندي عمل وسيطا بين هيرتزل والسلطان) في أيار (مايو) سنة ١٨٩٦ يعرض عليه منح امتياز فلسطين لليهود بشرط ان يستعملوا نفوذهم لإيقاف الحركة الناشئة عن المذابح الأرمنية فلم يقبل.” ولا اعرف كيف يمكن ان يقتبس الخالدي هذه المعلومة المغلوطة تماما وهو العثماني العارف بسياسة الاستانة وعضو “مجلس المبعوثان”، وهل يمكن بالفعل ان يكون ثمة عرض من قبل السلطان عبد الحميد على هيرتزل من هذا النوع، ولا يعرف روحي الخالدي به ولا نعرف نحن عنه شيئا حتى الآن؟ الصحيح وكما تشير مذكرات هرتزل نفسه هو ان السلطان طلب منه ان يساعده في احتواء الحركات الأرمنية الثورية، لكنه لم يعرض عليه في المقابل سوى ان يقابله ان نجح في ذلك. من الأمثلة الأخرى للمعلومات غير الموثقة والمبالغ فيه والمنسوخة من الموسوعة اليهودية الحديث عن ان الجاليات اليهودية وحيث تواجدت في دول العالم ناصرت الصهيونية، وساهمت في دعمها والتبرع لها او العمل لها، ومن هؤلاء يهود “… رانغون (بورما) وناغازاكي وهونغ كونغ وسنغافورة واليهود الذي خدموا في العسكرية الامريكية في الفلبين وفي سنة ١٩٠٣ تأسست جمعية صهيونية في شانغهاي … وجميع السواحل الشمالية من افريقيا من مراكش والجزائر وتونس ومصر” (ص ١٠٧- ١٠٨). وهذه معلومات فضفاضة وتجميعية أوردتها الموسوعة ونقلها نصار ثم الخالدي كما هي. وقد دفعتني هذه المعلومات لمحاولة البحث في بعضها، فحاولت التنقيب في مسألة تأسيس جمعية صهيونية في شانغهاي سنة ١٩٠٣ وبحسب ما توفر لي من مصادر لم اعثر على أي دليل يُشير الى ذلك، هذا برغم وجود جالية يهودية صغيرة فيها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وبالمناسبة شكل اليهود العراقيون اهم واغنى عناصر تلك الجالية، لكن التوجهات الصهيونية فيها لم تنشأ بالفعل الا بعد هجرات اليهود الروس في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.

دور الدول الكبرى: من الغريب أيضا ان يُغفل روحي الخالدي بشكل تام أي دور للدول الأوروبية الكبرى في دعم الحركة الصهيونية وتأييد فكرة عودة اليهود الى فلسطين وهي الفكرة التي صارت في تلك الحقبة تتردد بكثافة في ردهات السياسة الأوروبية (الفرنسية، والروسية، والبريطانية، وحتى الألمانية). كيف لمْ يتساءل الخالدي، وهو المؤرخ الحصيف، عن تمكن مجرد صحفي نمساوي، هيرتزل، وخلال فترة وجيزة بين سنوات 1896 و1904 أي حتى وفاته ان يقابل اهم ملوك وسياسي تلك المرحلة، الامبرطور الألماني وليام الثاني مرتين، والسلطان عبد الحميد مرتين، وبابا روما، ووزير الداخلية الروسي الذي كان لديه سلطة القيصر، عدا عن عشرات الوزراء في أوروبا وعلى رأسهم ووزير المستعمرات البريطاني؟ هل اتصف هرتزل بهذه القدرة “الخارقة” ام انه كان يشتغل في فضاء دولي وامبريالي طامع بفلسطين وكل واحدة من تلك الدول الأوروبية كانت تنظر جديا في فكرة دعم كيان يهودي في فلسطين يكون تابعا لها او خادما لمصالحها (بما فيه التخلص من اليهود انفسهم) ومُنفذا لسياستها في المنطقة، وجسراً لإمبرياليتها؟

غياب الرواية البديلة: في مخطوطة، او كتاب “السيونيزم”، وهي اللفظة الفرنسية للصهيونية لكن بحروف عربية Sionisme والتي كان يستخدمها الخالدي بحكم ثقافته الفرانكوفونية، تغيب الرواية البديلة التي تنقض المزاعم اليهودية والصهيونية المتراكمة. لا نرى شعب فلسطين ولا نحس به ولا نرى لماذا هو الاحق من اليهود بفلسطين. كل ما يقوله الخالدي بعد ان يورد الرواية اليهودية والصهيونية او خلال عرضهما تعبيرات مثل “اوهامهم”، “ادعاءاتهم”، “مزاعمهم”، لكن لا نعرف لماذا هي أوهام وادعاءات ومزاعم فقط؟ في المقابل يُظهر سرد الرواية اليهودية المُضطرد والمتواصل كثافة وتواصل للوجود اليهود في فلسطين تاريخيا وراهنا، او تعلقا حميميا بها، في ظل غياب الفلسطينيين او العرب في فلسطين، وكيف تم تركيب الصهيونية على ذلك التاريخ والتعلق.

ما أوردته أعلاه جزء من بحث مُطول رأيت نفسي مُتورطا فيه لنقد الكتاب علميا وموضوعيا ووطنيا، ومرة أخرى لأنني اعتقد ان نشره في هذا الشكل يُعتبر خطأ كبيرا، وربما ومن المهم هنا تقديم توصية بضرورة اصدار طبعة ثانية من هذا الكتاب تشدد على تعديل الغلاف ووضع وصف جديد تحت العنوان الرئيسي يقول “مخطوطة غير مُكتملة” بدلا من الوصف الحالي الذي يقول “اول دراسة علمية بالعربية عن الصهيونية”. وهذا النقد على ما قد يتبدى فيه من بعض قسوة يهدف الى امرين، الأول هو عدم تورط القراء، مهتمين او باحثين، في اعتبار هذا الكتاب مرجعا فلسطينيا عن الصهيونية (ما عدا الجزء الثالث الخاص بالمستعمرات واحصاءاتها)، والثاني هو رد الاعتبار لروحي الخالدي الحقيقي الذي عرفناه رصينا وعميقا وامينا في النقل، واعتقد بأنه لا يقبل نشرها الآن على هيئتها الحالية كما لم يقبل بنشرها يوم كان حياً وكانت بين يديه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com