شيخ الاسرى.. من كارين A الى كورونا

 كتب/علاء حمدان ورانيا فؤاد الشوبكي:ـ منذ أن اقتحمت قوات الاحتلال سجن أريحا في الرابع عشر من آذار عام 2006، الذي كان يخضع طبقا لاتفاق موقع مع السلطة الوطنية لحماية بريطانية- أميركية، ضاربة بعرض الحائط بهذا الاتفاق، وبكل القيم الإنسانية،     واعتقلت كل من تواجد فيه، وعلى رأسهم اللواء “فؤاد حجازي الشوبكي” الذي بات شيخا للأسرى.

 استمرت مُعاناة الأسير الشوبكي (82 عاما) ومعاناة عائلته التي ما انفكت تتابع أخباره لحظة بلحظة حتى هذا اليوم، وتصاعد القلق بين أفرادها بعد أن أصيب بأمراض أكثرها خطرا سرطان البروستات، الذي أصيب به مؤخرا، إضافة إلى مرض السكري، ومشاكل متعددة في النظر والقلب والمعدة، وتراجع وضعه الصحي باستمرار، نتيجة ظروف السجن الصعبة، والإهمال الطبي المتعمد، الذي يمارس على جميع الأسرى في سجون الاحتلال.

وحسب آخر إحصائيات نادي الأسير (تقرير العام 2020) وصل إجمالي عدد الأسرى حوالي 5000 أسير، فيما بلغ عدد الأسرى المرضى قرابة 700 أسير، منهم 300 حالة مرضية مزمنة وخطيرة، بحاجة لعلاج مناسب ورعاية مستمرة، وهناك على الأقل 10 حالات لمصابين بالسرطان وبأورام ذات درجات متفاوتة، بينهم أكبر الأسرى سنا اللواء الشوبكي.

ولم تقف الأمور عند ذلك الحد، فوباء كورونا أصاب “قبطان فلسطين” بعد مخالطته سائق سيارة البوسطة المُصاب (حافلة نقل الأسرى بين السجون)، ما زاد وضعه الصحي تعقيدا وخطورة.

بدأت كل تلك المُعاناة عندما اتهمت دولة الاحتلال اللواء الشوبكي، بالوقوف وراء تمويل سفينة الأسلحة “كارين A”، التي تزعم سلطات الاحتلال أنها كانت تتجه إلى قطاع غزة، بعد أن استولت عليها في البحر الأحمر، وادعت حينها إنها تحمل 50 طنّا من الأسلحة المتطورة.

وقف اللواء الشوبكي شامخا أمام قضاء الاحتلال في حينه، ورد الاتهام بأنه كان يعمل بطريقة قانونية في مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولا يقبل أن يُحاكم من قبل الاحتلال الذي اختطفه من أراض تخضع للسلطة الوطنية.

وعلى الرغم مما سبق، ما زالت سلطات الاحتلال المتمثلة في مصلحة السجون ترفض وبشدة الإفراج عنه رغم قضائه ثلثي محكوميته خلف قضبان الأسر، ورغم كل المناشدات عبر المؤسسات الدولية والحقوقية.

أما على الصعيد الرسمي، فقد أفاد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبوبكر، أن الهيئة قدمت طلبا إلى مصلحة سجون الاحتلال  للإفراج عن اللواء الشوبكي مؤخرا، وهو ما رفضته أيضا، رغم تقدمه في السن ووضعه الصحي المتردي.

وعن ذلك يقول أبو بكر: ما الخطر الذي سيشكله رجل مريض وبهذا العمر؟ توجد جهود رسمية تبذل من قبل الرئاسة، ووزارة الخارجية، مع العديد من الأطراف، للإفراج عن شيخ الأسرى، والرئيس محمود عباس طلب تقريرا مفصلا عن وضعه الصحي، ووجه المسؤولين لبذل كافة الجهود للإفراج عنه.

وقال المحامي جميل سعادة، إنهم خلال ثلاثة أعوام تقدموا لمحكمة “شليش” أو ما يعرف (ثلثا المدة)، مطالبين بالإفراج عن اللواء الشوبكي لكن سلطات الاحتلال رفضت الطلب.

وأضاف: توجهنا أيضا لمركز بلسم للصحة النفسية في الداخل طالبين منه زيارة اللواء الشوبكي وتزويدنا بتقرير عن الحالة النفسية له ما قبل الأسر وما بعد، وتبين بالتقرير أنه يوجد اختلاف وهنا وجدنا أنه يوجد سبب آخر للمطالبة بالإفراج عنه وتقديم طلب جديد لمحكمة الاحتلال التي عقدت الجلسة وكالعادة تم رفض الطلب.

وفي ذات السياق، ووفقا لروايات عدد من الأسرى المحررين الذين عايشوا شيخ الأسرى عن قرب في أشد لحظات مرضه، فإن وضعه الصحي يتدهور يوما بعد يوم، فالمشهد الحقيقي عن قرب أصعب بكثير مما يوصف في وسائل الإعلام، فهو لا يقوى على خدمة نفسه كما يجب، ويعتمد على الأسرى المتواجدين معه في نفس القسم، فهم يعتبرونه الأب الروحي لهم جميعا ولا يتوانون لحظة عن خدمته فقد أفنى سني عمره مناضلاً في سبيل الوطن.

أما على الصعيد العائلي فهناك تخوف كبير على حياته. ويقول نجله الأكبر حازم بكل مرارة: “نعتقد أن والدي سيكون الشهيد الأسير القادم، إن لم يُطلق سراحه”.

وتفتقد عائلة شيخ الأسرى “الوالد والجد” الحنون في الكثير من مواضع الحزن والفرح، فقد مرت على العائلة مناسبات دون أن يكون اللواء الشوبكي حاضرا فيها، ليكون سند العائلة كما كان دوما، فالزوجة أم حازم، انتقلت إلى رحمة الله عام 2010، الأمر الذي ضاعف آلام العائلة وإحساسها بمرارة الفقدان، خاصة وأن الراحلة “أم حازم” لم تتمكن من زيارة زوجها الأسير خلال سنوات اعتقاله.

ويضيف نجله حازم: حتى أوقات الفرح يخيم عليها الحزن/ فخلال مراسم حفل زفاف ابنتيه، مرت تلك اللحظات حاملة غصتها الكبيرة، فالوالد يقبع في زنازين الاحتلال، وجيل جديد من أبناء العائلة “الأحفاد” لا يعرفون الجد الأسير إلا في الصور القديمة ومن روايات الأهل والأقارب، فإلى متى ستستمر هذه المعاناة؟

وبكلمات مؤثرة تقول كريمته آية: يوم اعتقال قوات الاحتلال لوالدي كان عمري لا يتجاوز الثماني سنوات، واليوم أنا تجاوزت 26 عاما. كان يوما عصيبا جدا على تلك الطفلة التي لم تكن تميز بين مصطلح اعتقال ومصطلح اغتيال، كنت في حضن أمي أشاهد نشرات الأخبار وألاحق بعيني الشريط الإخباري على القنوات العالمية، ما أدركته حينها أنني لن أشاهد أبي يبتسم ثانية اعتقدته في عداد الشهداء، عندما تعود بي الذاكرة لتلك اللحظات لا يفارقني وجه المرحومة والدتي الممتلئ حزنا، وما يزيد حزني الآن أني أتذكرها كيف كانت تمضي ساعات وأيام الانتظار متعلقة بأي أمل يمكن أن يؤدي للإفراج عن والدي، ولكنها رحلت عنا وبقي والدي في سجنه يصارع السجن والسجان والمرض معا “قدر الله وما شاء فعل”.

وتضيف: مرت السنوات وتزوجت دون وجود الوالد وتلك اللحظات بحد ذاتها حكاية لا تنسى بالنسبة لأي فتاة تفتقد والدها يوم زفافها، ويمضي بنا الزمن سريعا إلى أن أصبحت أما لأطفال لا يعرفون جدهم، أطفال لأم كانت طفلة لا تتذكر سوى ملامح لوالدها الذي ما زال يعاني في سجون الاحتلال، ولكن ما يخفف علينا ولو جزءا من الألم والحزن هو أننا ننتمي لهذا الوالد العظيم الذي يحظى بحب واحترام كبير من كل أبناء شعبنا فيكفي في هذا الزمن أن أقول لأبنائي أن جدكم “قبطان فلسطين”.. هذا اللقب الذي منحه إياه شعبنا الذي أحبه وناضل من أجل أن يكون حرا مستقلا.

وحسب كل المعطيات التي ذكرت يبدو وبكل أسف أن عامل الوقت يعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة لشيخ الأسرى، الذي تطمح عائلته لتراه حرا بين أفراد أسرته ولا تريده رقما على قوائم شهداء السجون. ولذلك لا بد من مُضاعفة الجهود في سبيل الإفراج عنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com