نبض الحياة.. لنكسر خيار الفرنسية.. عمر حلمي الغول

لا أضيف جديدًا للقاريء، عندما أؤكد أن حرية الرأي والتعبير حق إنساني كفلته الطبيعة والمجتمع وقوانين حقوق الإنسان الأممية عموما وفي حقل الصحافة والإعلام خصوصا، ولا يمكن للإعلام، أن يكون إعلاما حرا ونزيها وجديرا بالمهنة ومكانتها الريادية كسلطة رابعة إن لم يكن يمتلك حرية الرأي والتعبير. لأن أي إعلام آخر لا يرتقي لمستوى المسؤولية، ويتخلى عن الشفافية والمحاكاة الموضوعية للأحداث والتطورات في بلده أو أي مكان من العالم، ويكون إعلاما مسلوب الإرادة والقرار وأسيرا لأجندات مختلفة دينية وطائفية وحزبية وأمنية بوليسية ورشوة أباطرة المال أو من في مقامهم.

لكن قوى وأنظمة ومؤسسات ومجموعات بشرية استبدادية من خلفيات ومشارب متعددة حالت دون التطبيق الخلاق للمبدأ المذكور، ودفعت شعوب الأرض ثمنا باهظا بسبب الاضطهاد وتكميم الأفواه والاغتيال لكل صاحب رأي إنسانا او حزبا او منظمة أو طائفة دينية نتيجة تغول اتجاه ديكتاتوري هدام وتخريبي او كولونيالي في هذا البلد او ذاك. مع ذلك ما زالت البشرية وقواها الحية تكافح لتعميم وتعميق حرية الرأي والتعبير والانتصار لقضايا العدالة الاجتماعية والسياسية ورفاهية المجتمعات عبر المواجهة المحتدمة مع كل قوى الظلام والتكميم والتخريب والاستعمار.

في الساحة الفلسطينية يواجه الإعلام أكثر من تحدٍ على المستوى الوطني بالصراع مع العدو الصهيوني، وعلى المستوى الداخلي من خلال تسلط القوى الانقلابية وقوى التكفير والتحريم والتخوين واللاديمقراطية على حرية الرأي والتعبير، وإستزلام وإخضاع العديد من المنابر في خدمة أجندات متلونة ومتشعبة، وعلى المستوى الدولي المتمثل بانحياز مؤسسات ومنابر إعلامية مناحزة لدولة التطهير العرقي الصهيونية، ولا تتوانى عن لي عنق الحقيقة، وإنكار الرواية السياسية الفلسطينية، وفرض التعتيم عليها، والتغطية في آن على جرائم دولة الأبرتهايد الإسرائيلية. ومازال الشعب الفلسطيني يعمل من خلال إعلامييه ومؤسساته ونقاباته ذات الصلة بالإعلام والصحافة يواصل الدفاع عن حرية الكلمة ووصول المعلومة بشفافية لكل الجماهير بعيدا عن القيود والانغلاق والتزمت، وحماية مكانة الإعلامي وسلامته، وصيانة دوره الريادي، ودفاعا عن فرسان السلطة الرابعة وحياتهم في مواجهة آلة حرب جيش الموت الإسرائيلي وقطعان مستعمريه، وقوانينه وانتهاكاته وغطرسته وعنصريته، وملاحقة جرائم حربه ضد أبناء الشعب ومصالحهم الوطنية الخاصة والعامة. وفي الوقت ذاته، التماهي مع روح العصر والقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة الناظمة لعمل الاتحادات والنقابات الإقليمية والدولية للارتقاء بحقوق ومصالح أعضاء الصحافيين والإعلاميين عموما. وهذا ما سعى الإعلامي المتميز ناصر ابو بكر تعميقه وترسيخه من خلال قيادته نقابة الصحفيين، وعبر دوره القيادي في المؤسسات الإعلامية والصحفية العربية والدولية. ودائما كان متقدما الصفوف في الدفاع عن حرية الكلمة، ورفض الاعتقال السياسي، وملاحقة انتهاكات وجرائم العدو الإسرائيلي، الذي لم تتوقف انتهاكاته لحظة ضد الصحفيين الفلسطينيين، وعلي سبيل المثال لا الحصر خلال شهر أيار / مايو الماضي ارتكب 100 انتهاكا فاضحا، من بينها قتل الشهيد الصحفي يوسف أبو حسين في أثناء حربه المسعورة طيلة احد عشر يوما على القطاع الحبيب، لأنه احد رسل الصحافة المدافعين عن حرية شعبهم.

وعلى اثر ذلك يوم الاثنين الماضي الموافق 31 /5/2021 ارتكب مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في فلسطين خطأً فادحا عندما قام بطرد نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر ابو بكر من عمله دون مسوغ قانوني، او لارتكابه عملا مخلا بمهنة الصحافة، مع أن النقيب ناصر نائب رئيس اتحاد الصحفيين الدوليين، وكذلك نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، والذي له عشرون عاما في موقعه المهني في الفرنسية، وتم طردة بتعسف وتحت ضغط دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية، التي قامت بالتحريض عليه. لأنه وقف في مقدمة الصفوف مدافعا عن الشهيد أبو حسين، وكونه تصدى لكل الانتهاكات، وكان وراء ملاحقة اتحاد الصحفيين الإسرائيليين في المنابر الدولية، وفي الوقت الذي كان على الوكالة أن تساند كفاح الصحفيين الفلسطينيين، وترفض وتدين انتهاكات الدولة الإسرائيلية المارقة والمعادية للسلام.

إن فصل الإعلامي أبو بكر من موقعه في الفرنسية يعتبر سابقة غير ايجابية، وتعدي فاضح على حرية الرأي والتعبير، وانتهاك بشع ولا مسؤول لحرية العمل النقابي، وتجريد لناصر من دوره ومكانته الوطنية، ودفاعه عن شعبه وعمن انتخبه في النقابة، الأمر الذي يفرض على نقابة الصحفيين عدم الاكتفاء بالإجراءات الأولية، التي اتخذتها ضد مكتب وكالة الأنباء الفرنسية ومديرها في فلسطين، وإنما العمل على الآتي: أولا التوجه للنقابات والاتحادات العربية والإقليمية والدولية لملاحقة الوكالة الفرنسية لمطالبتها بإعادة أبو بكر فورا لعمله؛ ثانيا إدانة عملية فصل الوكالة لنقيب الصحافة الفلسطينية من عمله دون مبرر قانوني او مهني، رغم إدعائها عكس ذلك؛ ثالثا تحميلها التبعات المالية والقانونية عن جريمتها ضده؛ رابعا التوجه للحكومة الفرنسية والمؤسسات الإعلامية الفرنسية للضغط على الوكالة للكف عن التساوق والتواطؤ مع سياسات إسرائيل الكولونيالية، والتعامل بروح الحيادية والمسؤولية على الأقل فيما يتعلق بالمكونات الإعلامية الفلسطينية الإسرائيلية، إن كانت لا تريد الانحياز لقضية فلسطين العادلة، وتفهم مشاعر ومسؤوليات الصحفيين الفلسطينيين العاملين في صفوفها؛ خامسا التوجه لمجلس حقوق الإنسان الأممي وللمحاكم الدولية ذات الصلة بهدف محاكمتها واتخاذ ما يلزم من الإجراءات ضدها؛ ثامنا على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية الرسمية والأهلية التعامل بندية مع وكالة الأنباء الفرنسية لحين عودتها لجادة القانون والعدالة النسبية وحتى تستجيب لمطالب الصحفيين الفلسطينيين الداعية بعودة ناصر إلى موقعه وعمله دون أية شروط سياسية أو إعلامية كي يقوم بدوره المهني على أكمل وجه.

كان أملنا كبيرا في وكالة الأنباء الفرنسية في ان تكون الى جانب الحقوق والمصالح الفلسطينية المنتهكة والمستلبة من قبل الدولة الإسرائيلية التي تعمل ليل نهار على إدامة دورة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة. وسنبقى نراهن على عودة الوكالة الدولية عن خيارها التعسفي في فصل النقيب ناصر أبو بكر، وتعزيز الشراكة الإعلامية الفلسطينية الفرنسية.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com