قداس وجناز وندوة.. عام على رحيل الصحفي الكبير جاك خزمو

بيت لحم- البيادر السياسي:ـ  أقيم في الساعة الرابعة من عصر يوم الجمعة الرابع من حزيران/ يونيو 2021 قداس وجناز عن راحة نفس فقدينا الغالي الصحفي الكبير الأستاذ/ جاك يوسف خزمو الناشر ورئيس تحرير مجلة البيادر السياسي بمناسبة مرور عام على رحيله، وذلك في كنيسة العذراء للسريان الأرثوذكس في بيت لحم.

وكان آل الفقيد وأقرباؤهم وأنسباؤهم في الوطن والمهجر قد دعوا للمشاركة معهم في الصلاة عن راحة نفسه الطاهرة.

ندوة

هذا وأقيم في الساعة الخامسة والنصف من مساء اليوم نفسه ندوة تأبينية للفقيد في قاعة مركز السلام – ساحة المهد- بيت لحم، وذلك تحت راعية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأخ عباس زكي، ووزير شؤون القدس فادي الهدمي، وبمشاركة عشرات الشخصيات الوطنية والدينية وقادة شعبنا ولفيف من المدعوين، وباستضافة بلدية بيت لحم.

وكان منظم الندوة د. سليم الزغبي الخبير في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمؤرخ الموسيقي.

عريف الندوة: لا نستسلم لهزيمة الحزن فخلود النفس بعد الرحيل هي الأقوى

وأدار الندوة الدكتور بيتر قمري وألقى كلمات شيقة في بدايتها وبين كلمات المشاركين عدد خلالها مناقب الفقيد، وقال” مثلنا سيبقى وفيًا لذكراه عاملًا بوصاياه، متممًا لما عملت يداه وما ابتدأه قلمه، وأضاف: أمام واقع الموت أقول إننا مع الإيمان راسخون ولإرادة الله راضون، فلأهل الراحل ومحبيه ومن تسرب الحزن إليهم أقول إننا معكم ومع جرحكم ما استطعنا، وإننا خادموكم إذا أمكنت الخدمة، وأضاف: نداؤنا ألا نستسلم لهزيمة الحزن، فخلود النفس بعد الرحيل هي الأقوى، وتابع يقول ” لو كنت يا قبر تعلم من حل فيك وخيم، لكنت خير مضيف عن ضيفه يتكلم، ولكنك يا قبر لا تستطع فقد هالتك الضياغة وأخذتك الوفادة، فوافدك ما هو إلا جاك خزمو “أبو سُمى”  لذا توافدنا ولأجل هذا اجتمعنا.. حزن وسعادة واجتماع نقيضين، حزن على من فقدنا وسعادة في أن نشرف ونناب أفرادًا في تأبين راحلنا الكبير.

عباس زكي: الانتصار لم يكتمل والمعركة في بدايتها ولا نريد حوار طرشان

وفي كلمته قال عباس زكي عضو الجنة المركزية لحركة فتح، المفوض العام للعلاقات العربية وجمهورية الصين الشعبية، رئس لجنة القدس في المجلس الوطني الفلسطيني ” هذا يوم حزين.. 5 حزيران دائمًا يذكرنا باحتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان.. أيضًا يتصادف رحيل فارسًا من فرسان القدس، ومفكرًا وحريصًا على الإرث النضالي لهذا الشعب العظيم الأخ الكبيرة والكاتب القدير جاك خزمو.. هذا الذي عرفناه أنه يحمل شهادة الكيمياء من الجامعة الأمريكية، وكان يمكن أن تكون له اهتمامات في مجالات أخرى لو لم يكن جاك، فهو اختار كما اختار ياسر عرفات أن يخدم شعبه ويتعرض للمخاطر، وبالتالي بدأ يخيف العدو حينما رئس مجلة البيادر الأدبي وهي السهم الذي وجهه إلى الإسرائيليين الذين يحاولون تدمير الثقافة والحضارة وتزوير الرواية.

وأضاف زكي: كانت له رؤية بعيدة ويعرف كيف يمكن أن يكون رقمًا في المعادلة، وحينما جاءت الأيام التي يحتاج فيها الأسرى والشهداء إلى من يؤكد أنهم الأسمى والأجل، وخاصة في داخل ما يزعم العدو بأنها العاصمة الأبدية الموحدة: كانت “البيادر السياسي” هي الناطق باسم من سبقونا على هذا الدرب والأكثر جذرية في النضال، وبالتالي الذي يريد أن يتعرف على جاك عليه أن يدرس بدقة كيفية الدور الهام والمؤثر والذي أصبح استقطاب كل الأوفياء، سواءً للدفاع عن القدس أو الانبهار بأبنائها الذين صنعوا حاجزًا قويًا ضد هذا المحتل دفاعًا عن القدس.

القدس العنوان الدائم والأول

 وتابع زكي يقول” ما أجمل أن تكون القدس هي العنوان الدائم والأول رغم شح الإمكانيات والجحود من القيادات الفلسطينية والعربية إلى هذا المكان الأطهر على وجه الكرة الأرضية، مسرى سيدنا محمد وقيامة السيد المسيح، إلا أن أبناءها خلقهم الله للشدة، وجدناهم في كافة المعارك والمواجهات يثبتون الحضور ويؤدون الرسالة على أكمل وجه.

وأضاف زكي في حديه عن بطولات أهالي القدس” نجد اليوم أن عام 2017 قد تكرر في الأحداث الأخيرة.. كان شهرًا من النضال القاسي لأبناء القدس ومن استطاع الوصول إليها دفاعًا عن الأقصى وعن الشيخ جراح وسلوان وحي البستان من يسموه هم (الحوض المقدس).

صمود أسطوري

 

وأكد زكي أن هذا الصمود الأسطوري لشعبنا تكامل بأداء رائع من أبناء شعبنا في فلسطين 48 على مدار شهر، واستطاعوا أن يحرجوا العالم، لأن “إسرائيل” أعلنت أن يوم الثامن والعشرين من رمضان هو يوم الاجتياح الشامل.. 30 ألف سيدخل القدس من المستوطنين فما كان لهم ذلك، وحينما جاء أهلنا في ألـ 48 وأغلقوا عليهم الطرق نزلوا سيرًا على الأقدام، وذهب الشباب المقدسي العظيم فاختار الطريق بعكس السير، وكما أغلقوا على أهلنا في ألـ 48 طريق القدس، أغلق المقدسيون عليهم طريق تل أبيب، وهنا التعادل وفشلت المحاولات كلها، وحينما بلغ الأمر مدى أقصى وكانوا يصرون على الدخول، وجهت حماس إنذارًا أن ينسحبوا قبل الساعة السادسة، وحينما استخفوا بالإنذار وصلت الصواريخ إلى القدس.. وأضاف: صحيح أن بعض “الجبناء” يتحدثون عكس هذه الحقيقة عن هذه الصواريخ، يقولون بأنها جاءت باتفاق مع “إسرائيل”، وأنا أقول لكم الذي يلقي 4000 صاروخ ويمنع التجول ويدخل الجنرالات الإسرائيليين إلى في الملاجئ، أعتقد أنه عربي ومناضل شريف.

 وأضاف: أيًا كانت حجم الخسائر في غزة أو الضفة فإن المهم لدينا أن هذه الأسطورة التي اسمها جيش لا يعرف إلا الانتصار ويمتلك كل العملاء في المنطقة العربية وأمريكا وأوروبا والعالم أجمع يقف على قدم واحدة وتستمر المعركة 11 يومًا، وكان هذا عمل رائع تكاتف فيه المقدسيون مع 48، وأيضًا مع المقاومة المسلحة ليشعر العالم بأن هناك عودة للروح ومرة أخرى نمارس كل أشكال النضال وفقًا لقرار الأمم المتحدة 3236 الذي ينص ” يحق للفلسطيني استخدام كل أشكال النضال بما فيه الكفاح المسلح”.

وحذر زكي مما يجري من محاولات التفاف على هذا الانتصار وهنا وجه رسالة من هذا المنبر ومن تأبين رجل يليق به وبنا كما قال، للإخوة في حماس قائلًا: إن هذا الانتصار هو مجموع الأداء الفلسطيني، سواءً بالانتفاضة أو بالحجر، أو بالفزعات التي كانت تؤمن حي الشيخ جراح حينما يغزوه المستوطنون.. هذا الانتصار لم يكتمل.. نصر من أجل القدس والمقدسات ومن أجل وقف التطهير العرقي، لكن ما يجري اليوم من منع تجول في حي الشيخ جراح، فالأخ لا يستطيع أن يرى أخيه، والمتضامنون لا يستطيعون الوصول، وأيضًا هناك هجمة على سلوان يريدون ترحيل 700 مواطنًا ومن الشيخ جراح 500 آخرين، والعملية مستمرة ليأتي بينيت رئيس يشع أبو المستوطنين، وعلى يساره جدعون ساعر وليبرمان الذين كان الاتفاق بينهم التمسك بمناطق سي، بل ضم الضفة الغربية وغور الأردن، مؤكدًا أن هذه الحكومة الأسوأ في تاريخ “إسرائيل”، وهنا باسم جاك خزمو، وهذه الأسرة العظيمة، وباسم زميلته ندى التي هي حبيبة وزوجة وأميرة من أميرات فلسطين مع هذا الرجل أقول للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنت اليوم مسؤول عن الحوار، وسيصلك كل الفلسطينيون، نرجو ألا يبقى حوار طرشان وعليهم جميعًا أن يدركوا أن المعركة في بدايتها، وأن الذين يظنون أن المفاوضات تأتي بشيئ في ظل هذه الحكومة هو يريد كسب المزيد من الوقت من أجل ضياع ما تبقى من فلسطين.. آن الأوان يقول عباس زكي أن نسمع من القاهرة ما قاله الصعايدة “نريد أن نصل 2 مليون ونخفف عنك الأعباء ونحرر لك فلسطين”.

غزة غيرت المعادلة

وأضاف أن ترامب يهدد أنه سيعود في شهر 8، ونتنياهو يهدد بأنه لن يسمح لهذه الحكومة بالاستقرار.. إذا الوضع يزداد خطورة.. أستغرب أن قادة العمل الفلسطيني سيذهبون ليحتسوا القهوة ويكذبوا على بعضهم البعض ويعودوا زي” حليمة إلى عادتها القديمة”.. وأضاف: إذا لم يستثمر الفلسطينيون هذا الفوز فإنني أشك في هويات الذين يذهبون ويعودون بخفي حنين.. آن الأوان أن نعرف ماذا جرى في العالم، مؤكدًا أن القدس هزت أركان الولايات المتحدة التي شهدت 380 مظاهرة، وأكبرها في مشيغين، ونيويورك وواشنطن وشيكاغو، ولم تبق ولاية أمريكية خارج النشاط والتضامن مع فلسطين.

وتابع يقول” بريطانيا التي جاءت “بإسرائيل” شهدت مسيرة شارك فيها 11 مليونًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لم يكن في الماضي، العالم اليوم معنا، معربًا عن شكره لباكستان التي وجه وزير دفاعها إلى أمريكا أنه إذا استمر الأمر سنضرب تل أبيب، وهناك عرب وصفهم بـ”الخونة ” ذاهبون للتطبيع، ويحاولوا التكبير من “إسرائيل” ويهولوا من خطرها، صحيح أن هناك دمار في غزة وشهداء، لكن غزة غيرت العالم واحتلت الصفحة الأولى من نيوز ويك، وكانت أعدل الرسالات إلى السماء.

لا عودة للوراء

وأنا في محراب جاك خزمو الذي تعرض لكل أنواع الحصار والتهديد والإغراء، ولكنه كان بمستوى الرسالة وبعظمة الرجال.

الأوضاع لن نعود للوراء ونحن في حركة فتح الذين صنعنا الكرامة وصنعنا من العدم بقايا سلطة، وصنعنا كيانية، نقول لكم بأننا لن نعود إلى الوراء، وستكون هناك إستراتيجية نستخدم فيها كل إمكاناتنا لإشغال هذا العدو، لا أن يرتاح، وخلص للقول أن العالم لن يحترم الضعفاء، وإنما يخر أمام الأقوياء وثبت أن مقولة ياسر عرفات رحمه الله تجددت.. هذا الذي أراد سلامًا، ولكن ربطه بسلام الشجعان، وحينما رأى أنه لا قدس هناك في كامب ديفيد، قال” أنا لا أرى فلسطين دون القدس، وحينما أعطوه كل إمكانيات قيادة العرب والمليارات كما قال كلينتون في ذلك الوقت قال لهم: أنتم تعرضوا عليّ إما سجنًا، وإما أن يعلقني شاب يقطعني على أسوار القدس، إنني أنتمي إلى شعب الجبارين، وعاد يقول على القدس رايحين شهداء بالملايين.. اللهم اطعمني الشهادة وكتبت له.. الرحمة لروح ياسر عرفات واللعنة على من يفرط بما تمسك به ياسر عرفات.

وفي نهاية كلمته قال زكي” أنت يا أخ جاك أعتقد بأن الله أحبك وأخذك كي لا ترى هذه الظروف الصعبة، إن الله يختار من يحب، وما اتشحت عيناك بالسواد إلا حبًا باللون الأسود، اللون الأول من العلم الفلسطيني، ومن بطن حواء إلى بطن الثرى يمشى ابن آدم ساعة الميلاد.

وزير القدس: تثقفت وكنت أحد الذين نهلوا من مدرسة جاك خزمو

من جهته تحدث وزير شؤون القدس فادي الهدمي حول الدور الكبير الذي لعبه الأستاذ جاك طوال حياته، وبدأ كلمته بأول معرفته بالأستاذ جاك،  وقال” لي تجربة شخصية مع الفقيد الراحل عرفته عندما كان يأتي إلى عيادة والدي الدكتور عرفات الهدمي في القدس، وكان يجلب معه مجلة البيادر، وأنا الذي أقف أمامكم وزير القدس تثقفت وكنت أحد الذين تثقفوا ونهلوا من هذه المدرسة والقامة والوطنية، وكل ما هو عاشق لفلسطين وللقدس كانت هذه المجلة ولا زالت تضع إصبعها على كل ما هو فلسطيني وكل ما هو جميل وكل ما هو يوجه البوصلة نحو القدس والمسجد الأقصى المبارك، ونحو القيامة وكل حقوقنا الوطنية المشروعة كشعب فلسطيني سواء كنا مسيحيين أم مسلمين.

وتطرق معالي الوزير إلى ما يحدث في القدس من هجمة إسرائيلية عدوانية ضد شعبنا ومقدساتنا وبيوتنا، وربط هذا الصمود المقدسي بالدور الكبير الذي لعبه جيل العمالقة وفي مقدمتهم جاك خزمو والذين زرعوا بذوره في هؤلاء الشباب الصامدين، وأضاف: هم من مهدوا الطريق إلى هؤلاء الشباب والشابات الرائعين والذين نراهم على درجات باب العامود والمسجد الأقصى والبلدة القديمة والعيسوية وسلوان وشعفاط وفي كل زقة من زقاق القدس.. نراهم في هذا النفس والعنفوان في حب هذه الأرض وحب الوطن والمقدسات.

واستذكر الهدمي ذكرى النكسة التي تصادف في هذا اليوم بالإضافة إلى ذكرى رحيل أمير القدس فصل الحسيني، مؤكدًا أن كل هؤلاء العظماء مهدوا الطريق إلى جيل في القدس لا يكل ولا يمل في الدفاع عنها.

مرحلة فارقة

وأكد الوزير الهدمي أننا في مرحلة فارقة، فإننا في القدس ووزارة شؤون القدس نعرف ما يحاك والكل الفلسطيني يعلم، مؤكدًا أن “إسرائيل” تريد أن تجعل من القدس مدينة فارغة من المقدسيين، من خلال ما يجري في الشيخ جراح، مشيرًا إلى أن 28 عائلة من الشيخ جراح يواجهون خطر التهجير من القدس وهم أيضًا مهجرين من حيفا ويافا ومن أماكن عديدة من الوطن،

كما أشار إلى ما يجري ف حي بطن الهوى، لافتًا إلى أن 86 منزلًا يريد الاحتلال إفراغه تحت حجج واهية، وما يجري في حي البستان أيضًا، حيث يريدون هدم 120 وحدة سكنية، وبالتالي هم يلعبون في مربع الديموغرافيا، ويريدون تقليل الوجود المقدسي من خلال سياسة التطهير العرقي والسيطرة والهيمنة على منازل المقدسيين في الشيخ جراح وسلون والعيسوية، وتوقع  الهدمي أن تشهد الأيام القادمة تسارع كبير في هدم المنازل في العيسوية وجبل المكبر وشعفاط وبيت حنينا، وقال:هناك قرارات سوف تنفذها هذه الدولة القائمة بقوة الاحتلال لأنهم يعتمدون في كل انتخاباتهم وتشكيلاتهم الحكومية كوقود من خلال قمعهم وغطرستهم في القدس وضد المقدسيين، وفي المقابل يقومون ببناء آلاف الوحدات الاستيطانية، مشيرًا إلى أنه فقط في مطار القدس 9 آلاف وحدة استيطانية، مؤكدًا أن “إسرائيل” لا تريد هذا الوجود المقدسي، وإنهاء الوجود الفلسطيني العربي الإسلامي من القدس، ولكن أمامهم عقبة كبيرة وهي أهل القدس الذين يبرهنون كل يوم وليس شعارًا ولا مداعبة سياسية على أنهم أصحاب موقف، وأن أرجلهم راسخة في الأرض، كما هي جذور شجر الزيتون راسخة في الأرض في جبل الزيتون في الطور، وضرب الهدمى أمثلة كثيرة على صمود المقدسيين في وجه الاحتلال، من بينها مواجهة البوابات الإلكترونية، ومحاولات فرض الضرائب على الكنائس فكان أهل القدس واعون لما يهدف الاحتلال.. وأضاف مخاطبًا الحضور: أطمئنكم بأن شباب القدس سوف يكونوا سدًا منيعًا وحصنًا في الدفاع والذود عن القدس والمسجد الأقصى والقيامة وعن كل شبر من أرض القدس.

سيرة عطرة

 

هذا وبعد استعراضه لواقع المدينة المقدسة وصمود أهلنا في وجه الاحتلال ومخططاته عاد وزير القدس فادي الهدمي للحديث عن الأستاذ جاك خزمو قائلًا: جئنا اليوم نستذكر سيرة عطرة لراحل كبير كرس حياته وقلمه مدافعًا عن هذا الوطن وهذه القضية، وكما يقول شاعرنا الخالد محمود درويش” للتأبين طقس دائم يبدأ باستعمال الفعل الماضي، الناقص كان”.. كان جاك خزمو أحد رجالات العمل السياسي والإعلامي في هذا الوطن، وكان قلمه نبراسًا يتوهج في وجه الظلم والطغيان، وكانت مقالاته منهجًا يدرس في مدارس الحرية، وأضاف: لقد تمرد جاك خزمو على رقابة المحتل، وعلا قلمه فوق قوانينهم الجائرة، كيف لا وهو الحر الأبي الذي ما فتئ يدافع عن الحق والعدل، وأضاف: لقد كان جاك خزمو مثالاً للمقدسي الأصيل الذي ولد في القدس وترعرع في حاراتها وأزقتها وتعلم في مدرستها، فهو ابن مدرسة المطران الأستاذ صليبا الطويل التي خرجت نخبة من ألمع أبناء هذا الوطن.

التعبئة الوطنية

واستذكر الهدمي الدور الكبير الذي لعبه الفقيد خلال فترة الانتفاضة الأولى تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة زعيمنا الخالد ياسر عرفات “أبو عمار” وذلك من خلال موقعه الذي تبوأه كرئيس لتحرير مجلة “البيادر السياسي”.. هذه المجلة التي كانت عنصرًا وطنيًا مهمًا في مجال التعبئة الوطنية الشاملة في مواجهة الاحتلال، وهي المجلة التي تجاوزت نسخها آنذاك 50 ألف نسخة، وكانت أحد المصادر الأساسية لاستقاء الأخبار والتقارير وتعبئة الجماهير، فقد كانت البيادر الإصدار السياسي الجامع لكل الفلسطينيين على مختلف توجهاته السياسية، وحملت الموقف السياسي والفعل الوطني المعبر عن هوية وطنية فلسطينية راسخة حتى غدت أهم مجلة فلسطينية في كافة أنحاء فلسطين ينتظرها القراء والنشطاء والمناضلون.

وأشار الهدمي إلى ما تعرض له جاك خزمو من المضايقات حاله حال الكثير من الشرفاء من أبناء هذا الوطن، فقد تعرض إلى الكثير من الاضطهادات من قبل الاحتلال الإسرائيلي نتيجة لمواقفه الوطنية الصلبة التي لم تحد يومًا عن قضيتنا القدس، فقد بقي الفقيد صامدًا فوق ثرى وطنيه  الذي أحبه وعشقه رغم كل محاولات التهجير التي استخدمت بحقه.

 ودعا الهدمي الله تعالى أن يمكننا من استكمال المسيرة التي بدأها الراجل الكبير وأن نسير على النهج الذي انتهجه وصولاً إلى تحقيق حلمنا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأضاف: أقول لجاك خزمو كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في إحدى قصائده ” وجدناك الحي المقيم على المدى ولرب حي ميت الوجداني”.

وتوجه الهدمي إلى الأخت المناضلة ندى التي مثلت لجاك مداد القلم ودلالة الكلمات وتوأم الروح رفيقة الدرب، ومثلت للبيادر رمزًا نديًا أحاط نشأة وتطور البيادر بطاقة إنسانية عميقة، كما توجه للأخوات كريمات الأخ الراحل جاك بالتحية والتقدير وأقول ” وحبوب سنبلة تموت تملأ الوادي سنابل”.

دامت ذكرى الخلود لهذه الروح الفلسطينية، ودام البيدر الفلسطيني وعاشت فلسطين وعاشت القدس، وستبقى القدس عاصمة دولة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.

المطران منيب يونان: فقدنا صحفيًا مخضرمًا وصديقًا صدوقًا

المطران الدكتور منيب يونان مطران الكنيسة اللوثارية في الأردن والأراضي المقدسة سابقًا، رئيس الاتحاد اللوثري العالمي والذي تربطه علاقة صداقة وطيدة مع المرحوم الأستاذ جاك منذ الطفولة، استعرض في كلمته مراحل مختلفة من هذه العلاقة، واستذكر محطات من حياة فقيدنا الغالي، ومواقف كثيرة جمعته مع رفيق دربه.

وبدأ سيادة المطران كلمته قائلًا: عام قد مضى والأيام تتراقد وتتسابق حين فقدنا صحفيًا مخضرمًا وصديقًا صدوقًا، ورجل كنيسة محبًا وفوق ذلك أخًا عزيزًا..  وأضاف: يصعب اليوم أن أقف وأؤبن صديق العمر الطيب الذكر جاك خزمو، ولكن الإرادة الإلهية قد شاءت أن ينتقل جاك من هذه الديار الفانية إلى الأمجاد الأبدية، وقال: لقد عرفت الطيب الذكر منذ طفولتي وترعرعت الصداقة فيما بيننا، فأصبح صديق العمر، حيث لعبنا معًا في حارة النصارى وحارة السريان وملعب المدرسة، وعلمنا معًا في مدرسة الدباغة.. علم جاك الرياضيات والعلوم، وعلمت التربية المسيحية، وأوكلتنا الكنائس لندير الجمعية الدولية المسيحية معًا بعد أن توليت رتبة المطرانية، ولكن صداقتنا كانت دائمًا تنمو من أعمق إلى أعمق.

أربعة وجوه

وعدد سيادة المطران أربعة وجوه لجاك خزمو، الأول كان جاك رجل الكنيسة فكان يفتخر إلى انتمائه إلى الكنيسة السريانية الأرثوذوكسية، ولكنه لم يكن متعصبًا، وكان يعمل من أجل وحدة الكنائس في القدس وفي عملها المشترك، ويدعم المواقف الموحدة للكنائس المسيحية حينما كانت تحاكي الأمور الوطنية وتعالج شؤون شعبها، وتدعو الفلسطيني المسيحي إلى الصمود في القدس وعلى أرض الآباء والأجداد، لأن ما هي فلسطين وما هي القدس دون وجود العربي الفلسطيني المسيحي بتنوعه وتعدد أوجهه، مضيفًا: كان جاك يجد الحل للكنائس وكانوا يحترمون حله، وكان يقول لسنا عبيدًا للستاتسكوإنما نطبقه بحذافيره لنحافظ على وجودنا المسيحي وشهادتنا العربية الفلسطينية المسيحية الحقيقة.

أما الوجه الثاني لجاك خزمو قال سيادة المطران منيب أن جاك كان رجلاً إعلاميًا مناضلًا عندما أسس مع زوجته الفاضلة ندى مجلة البيادر، أصبحت هذه المجلة صوتًا في بلاد لا صوت لها.. أصبحت صوتًا يعكس النبض الفلسطيني ويظهر المواقف العربية والإقليمية ويتحدى المواقف الدولية التي لا تتعامل بمساواة وعدالة مع قضيتنا الفلسطينية.. وغدت البيادر في خضم الانتفاضة منبرًا يشحذ عزيمة الشعب المظلوم ويرفع من معنوياته لأن الانتفاضة السلمية كانت مفتاحًا سياسيًا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وتأسيس دولة فلسطين مستقلة، لذلك أعطى جاك في مجلته صورةً واضحة لمهنية الصحافة ونضالها، ولكن في نفس الوقت أعطى مثالًا واضحًا أن حرية التعبير والتفكير وحرية الصحافة هي مقدسة ولا يجوز لأحد أن يتلاعب بها أو أن يوقفها.. إن الصحافة هي التي تحافظ على مساءلة المسؤول وتقوية وطنية المواطن، وتدعم المشروع الوطني باجتهاداتها المختلفة المتنوعة والمتعددة، لذلك فإن من يتعدى على حرية الصحافة في أية دولة فإنه يتعدى على حقوق الإنسان وعلى صلب الديمقراطية.

 رجل وطني حتى النخاع

وحول الوجه الثالث لجاك خزمو قال سيادة المطران منيب” كان جاك رجلًا وطنيًا حتى النخاع، ولكن وطنيته لم تكن يومًا من الأيام جامحة، إنما وطنية تحب الوطن فلسطين وتغار على مصالحها، وعندما كنت بين الفترة والأخرى أجتمع معه ومع الأخ رمزي زنانيري ونتحاور مع بعضنا البعض أي دولة نريد أن نرى في أيامنا ؟ فكان صوت جاك واضحًا إننا نريد دولة ديمقراطية تحتضن التنوع، تطبق جميع الحريات وتحترم جميع الأديان، وتحترم حقوق الإنسان لكل مواطن وحرية المعتقد والضمير والتعبير وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عن بعضها البعض.

وأضاف كان جاك يدعو إلى هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل جميع الفصائل والأحزاب، وكم آلم جاك عندما انقسم شعبنا على نفسه ورفع صوت الشعب في مجلته وفي كل مكان كان يحل فيه، واليوم أقف هنا لأقول بعد حرب غزة وهبة القدس أدعو الفصائل الفلسطينية أن تضع خلافاتها على حدى، وأن تنظر إلى مصلحة الوطن الواحد، وإلى شعبنا الذي يريد إنهاء الاحتلال وأن يعيش بكرامته في دولته.. يريد الوحدة الوطنية لا الانقسام ولا التطرف ولا الغلو السياسي، وقد عبر جاك في قوله بأن الانقسام يعمق الاحتلال ويضيع فرص تأسيس دولتنا الفلسطينية بعامتها القدس.

رجل القدس

وفي حدثه عن الوجه الرابع لجاك خزمو قال سيادة المطران منيب كان جاك رجل القدس التي كانت في وجدانه وأحاسيسه وفكره وعمله، وكان يدعو السلطة الوطنية إلى الاستثمار في القدس التي ستكون يومًا من الأيام عاصمة دولتنا العتيدة، لأن الاستثمار في القدس هو نجاح صمودها ليحصل الجميع على حقوقهم المشروعة، إما بجمع الشمل أو بناء الاسكانات أو بناء المؤسسات الاقتصادية والتربوية أو بدعم مستشفياتها الوطنية، كان جاك يقول إذا لم نقم بذلك فستتهود القدس.

وأضاف: إن القدس تحتاج اليوم إلى كل دعم فكان الراحل لا يفوت ندوة سياسية أو دينية أو وطينة إلا ورفع راية القدس راية فلسطين فيها، ولذلك أيها الصديق جاك لقد افتقدتك في العام الماضي وافتقدت آراءك ومواقفك واجتماعاتك ونكاتك، فكان يحب النكات، وافتقدت نصائحك وفهمك وتحليلك وسأفتقدك يا جاك حتى وإذا سكنت في الديار الأبدية ستبقى ذكراك  حية في عقولنا وفي بيوتنا ولا سيما في بيتي .

وقدم سيادة المطران منيب في ختام كلمته تعازيه الحارة لزوجة الفقيد وكريماته الثلاث وأنسباءهم وجميع أل خزمو والحايك في الوطن والمهجر.

مفتي بيت لحم: جاك خزمو لا ينتهي وقته لأنه بذر بذور تصنع الانتصارات

وبدوره تحدث فضيلة مفتي محافظة بيت لحم الشيخ عبد المجيد عطا داعيًا الرحمة للفقيد جاك، وقدم التعازي لأسرته، وأضاف الله هو الذي يختار وخاصة في الولادة والموت، وغريب مثل المعجزات لما قامة مثل قامة الفقيد الراجل  أن يكون يوم وفاته يوم 5/6 وهو يوم معروف.. يوم الاستيلاء على القدس وباقي فلسطين.. هذا الراجل رجل مميز من رجال القدس فلسطين، وأشار إلى انتصار القدس في شهر رمضان ووصفها بانتصار الجذور التي غرسها أمثال الفقيد جاك خزمو، مؤكدًا أن الجيل الجديد في القدس لا يعرف الهزيمة وهزيمتهم “لإسرائيل” في يوم استقلالها ومنع المستوطنين من دخول القدس، وأضاف المعارك تنتهي بمنتصر ومهزوم، لكن أهل القدس غيروا المعادلة وبدؤوا المعركة منتصرين عندما تم طرد الجحافل من باب العامود و سلوان والبلدة القديمة، وصمد الشباب والنساء والأطفال في القدس ليصنعوا هذه الأسطورة ويستيقظ شعب فلسطين.

وأشاد فضيلة المفتي بالوحدة الوطنية التي تجسدت على أرض فلسطين  في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني.. وقال جاك خزمو لا ينتهي وقته لأنه بذر بذور الآن تتحدث ليس فقط في بيت لحم بجوار مهد السيد المسيح ولا في القدس فقط بجوار مسرى سيدنا محمد  صلى الله على وسلم، وإنما تتحدث في كل أنحاء العالم بلغة الفلسطيني القديم الجديد الذي لا يهزم.

المطران عطالله حنا: جاك خزمو كان علمًا من أعلام الوحدة الوطنية

رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطالله حنا تحدث في كلمته حول علاقته بالفقيد جاك خزمو قائلًا: علاقتنا بفقيدنا وصديقنا وعزيزنا المرحوم جاك خزمو لم تنقطع لأكثر من 30 عامًا، فقد كان مكتبه مقر مجلة البيادر السياسي موئلًا لكل المقدسيين الذين يرغبون بالحديث والتداول في الشأن الوطني والاجتماعي والمقدسي بشكل خاص، كما كان موئلًا لكل الذين يريدون الحديث عن الحضور المسيحي العريق والأصيل في هذه البقعة المقدسة والأصيلة من العالم.

وتطق سيادة المطران إلى الاستهدافات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وقال: كما أن هناك استهدافًا للأقصى وللأوقاف والمقدسات الإسلامية، فإن هناك استهداف أيضًا لأوقافنا ومقدساتنا المسيحية، وفي الوقت الذي كان فيه يُعتدى على المسلمين الذاهبين إلى الأقصى، كان يُعتدى على المسيحيين الذاهبين إلى كنيسة القيامة للاحتفال بعيد القيامة، ولذلك فإن الأخ جاك الفقيد العزيز كان دائمًا يؤكد على عراقة الحضور المسيحي في هذه البقعة المقدسة من العالم، وكان دائمًا يقول بأن المسيحية في بلادنا ليست بضاعة مستوردة من هنا أو هناك.. نحن أصيلون في انتماءنا لهذه الأرض التي تقدست وتباركت بالقداسة بالنعمة والبركة.. نحن في هذه الأيام في كنيستنا ما زلنا نعيّد للقيامة، وحدث القيامة تم في القدس والقبر المقدس لازال شاهدًا على هذا الحدث العظيم.

وأضاف المطران حنا أن جاك خزمو كان علمًا من أعلام الوحدة الوطنية، وأستذكر زيارتنا إلى دمشق الفيحاء قبل عشرين عامًا، حيث سرنا معًا في الطريق المستقيم الذي مشى فيه مار بولس الرسول في وقت من الأوقات وصولًا إلى الكاتدرائية المريمية وبعد ذلك توجهنا إلى المسجد الأموي، حيث كان في استقبالنا الشيخ العلامة البوطي رحمه الله .. تجولنا في المسجد ووصلنا إلى ضريح صلاح الدين الأيوبي وهناك قال الفقيد جاك كم نحن بحاجة إلى مثل صلاح الدين الأيوبي في عالمنا اليوم.

تراث وفكر

وأضاف سيادة المطران عطالله حنا: الأخ جاك خزمو تركنا بالجسد لكنه ترك لنا تراثًا وفكرًا ورسالةً وقيمًا وطنية نفتخر بها جميعًا، من مدرسته تعلم الكثيرون، ومن مجلته أيضًا تعلم الكثيرون، وأنا شخصيًا كنت انتظر مجلته، فكانت تربطني به علاقة وصداقة وطيدة، وكنت أزوره دومًا في مكتبه، وكان دومًا يؤكد على ضرورة أن يسمع الصوت الوطني المسيحي المنادي بعدالة القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن البعض يظن أننا كمسيحيين حياديين، أو نمسك العصا من المنتصف، أو نتكلم بلغة دبلوماسية حتى لا نغضب هذه الجهة أو تلك،  وهنا أقول أن من يعتقد أننا حياديون فيما يتعلق بالقضية الوطنية فهو مخطئ، وإذا أردنا أن نمسك العصا من المنتصف، فإننا نمسكها في كل شي إلا في القضية الوطنية، لأن قضيتنا الوطنية الفلسطينية هي قضيتنا كمسيحيين، كما هي قضية المسلمين، كما هي قضية الشعب الفلسطيني وكل الأحرار من أبناء أمتنا وعاملنا..

وأضاف” هؤلاء الشباب الذين انتفضوا في باحات القدس وكل البلدات الفلسطينية ينتمون لكل الأحزاب والطوائف والكل اجتمع على أن القضية الفلسطينية توحدنا جميعا.. كل فلسطين توحدت في مواجهة ما تعرضت له القدس أمام هذا العدوان الذي تعرضت له غزة الأبية… كل التعازي للأسرة الأبية، وأدعو إلى الوحدة الفلسطينية احترامًا للشهداء وتضحيات شعبنا وكل الذين ضحوا من أجل هذه القضية، وأضاف العدوان لا يستهدف فصيلاً دون الآخر والمؤامرة لا تستهدف جهة دون الأخرى، فكلنا مستهدفون ولا يستثنى من ذلك أحد على الإطلاق.

الأب بطرس نعمة: جاك خزمو دافع بقلمه عن كرامة الإنسان والحق الكنسي

 

 وبدوره ألقى الأب بطرس نعمة راعي الطائفة السريانية الأرثوذكسية في بيت لحم كلمة أكد فيها أن جاك خزمو ابن الكنيسة السريانية الأرثوذكيسة  التي خدمها بمحبة وتواضع وإخلاص، وكان رئيسًا لتحرير مجلة الحكمة التي كانت تصدرها ولا تزال المطرانية في القدس لعدة سنوات، حيث كان يدافع عن الإنسان وعن الكنيسة وعن الحق الكنسي والتاريخ الكنسي الذي تحمله كنيستنا السريانية الأرثوذكسية على طول الزمان، والتي هي جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الحبيب، فدافع عن كرامة الإنسان بسلاحه وهو القلم الذي يسطر التاريخ بحروف من ذهب ليذكره الذين يأتون من بعدنا بحيث يشهد لعدالة القضية وعدالة المطالبة بالحق الإنساني باختلاف الدين والانتماء السياسي.

وأكد الأب بطرس أن الانتماء الوطني الذي عاشه المرحوم جاك ليس جديدًا على أمثاله، فكما عاش النكسة ظروف الاحتلال لسنوات طويلة هكذا عاش آباؤه في أرض الآباء والأجداد إبان الحرب العمالية الأولى وشردوا من ديارهم وبلادهم ظلمًا وبهتانًا، وهكذا عاشت الكنيسة السريانية وغيرها من المضطهدين هذا الاضطهاد، وهذا ما جعل المرحوم وغيره من الشرفاء أن يسعون دائمًا لإحقاق الحق إن كان بالكلام أو بالفعل أو الاشتراك بأي مناسبة تعطي المظلومين حقًا، وتعطي  أصحاب الحق حقه، وأضاف: مهما تكلمنا فإننا نعجز عن إيفاءه حقه، لذلك نتقدم من جميع الحضور وخاصة الأسرة الكريمة بأسمى آيات التعازي، سائلين الله أن يمتعنا بشخصيات تشبهه، فلا نتأثر كثيرًا لأن هذه البلاد هي أرض ولود تولد الشخصيات التي تدافع عن هذا الحق ولن يندثر هذا الحق طالما أمثالهم موجودون.

الدكتور برنارد سابيلا: جاك كان يعتبر الكنائس والجوامع هي قطع فسيفساء في نسيج المجتمع الفلسطيني والعربي

أما الدكتور برنارد سابيلا أستاذ علم الاجتماع في  جامعة بيت لحم وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني والذي عايش الفقيد وعرفه عن قرب، فقد أدلى بشهادته حول الأستاذ جاك، قال فيها: هذه كلمة حق ووفاء لذكرى الراحل جاك خزمو، وأضاف: عندما عدت من الولايات المتحدة في عام 1981 أشار إليّ بعض الأصدقاء بضرورة زيارة البيادر السياسي والتعرف إلى جاك خزمو وندى، ووجه كلامه للدكتورة ندى قائلًا: مثلما هو مهم فأنتِ أيضًا كنتِ مهمة ومشاركة في العمل الصحفي، وفي كل المجالات في البيادر السياسي.

 وأضاف بالفعل قمت بالزيارة عدة مرات وتوثقت علاقتي بجاك وشاهدت بأم عيني الجهد الذي كان يبذله وشريكة حياته في العمل الصحفي، وانعكس هذا العمل الصحفي مباشرة على العمل والصمود السياسي وبخاصة في الانتفاضة الأولى وكان هناك العشرات من الصحفيين والصحفيات الذين عملوا معه، والذي أعجبني بشكل خاص أنه وضع الوطن فوق كل شيء وأنا من الأشخاص الذين لا يحبون استعمال الدين، وحينما أتكلم عن الوطن فالوطن للجميع وهذا ما تعلمته من جاك وندى الذين لم يتوانيا في خدمة القارئ في الوطن وخارجه.

خدمة الكنائس

وجانب آخر تعرفت فيه عن جاك  يضيف الدكتور/ سابيلا وهو التزامه بخدمة كنائس الشرق الأوسط وحرصه على كنيسته والكنائس عامة لأنه كان يعتبر -كما قال لي- أن الكنائس والجوامع هي قطع فسيفساء في نسيج المجتمع الفلسطيني والعربي وفي جغرافياته، وقد خدم جاك سنوات في عضوية الجمعية المسيحية الدولية والتي يترأسها اليوم الأخ رمزي زنانيري، والتي هي جزء من دائرة الخدمة للاجئين الفلسطينيين والتي تتبع مجلس كنائس الشرق الأوسط ، وبعد حرب غزة قامت الجمعية ببلورة مقترح بأكثر من مليون و200 ألف دولار لمساعدة الأهل في غزة.

وتابع الدكتور سابيلا: كان جاك فلسطيني عروبي ملتصق بمجتمعه يعيش في همومه كما يعيش في هموم مجتمعنا العربي الأوسع وتحدياته، فنحن في فلسطين لسنا بجزء منفصل عن العالم العربي، ونحن نواجه ما يواجهه العالم العربي.

وأضاف لقد أفلح جاك وشريكته ندى في بناء شبكة واسعة من العلاقات الصحفية والإعلامية والسياسية لغرض دعم القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية العتيدة.

الباحث عزيز العصا: جاك خزمو كان على صدام مباشر مع الاحتلال وتحدى مقص الرقيب

الباحث والكاتب عزيز العصا استعرض هو الآخر تجربته الشخصية مع الفقيد الغالي جاك قائلًا: لقد عملت مع الفقيد نحو خمس سنوات في اتحاد الجمعيات الخيرية لمحافظة القدس، وفي الاتحاد العام الفلسطيني للجمعيات الخيرية أيضًا، وفي هذا الزمن الطويل تأصلت العلاقة بيننا وتعمقت حتى أننا كنا نجلس ساعات طويلة نتحدث بلا كلل أو ملل، وهناك كثير مما لدي لنؤبن فقيدنا العزيز، ولكنني أثرت أن ألتزم بما قاله زملائي المتحدثين من قبلي، وقررت أن أمنح الوقت الممنوح لي لأهديه للفقيد نفسه، وهو أنني كنت قد سألته كيف استطاعت مجلة البيادر الصمود لسنوات أمام الصعوبات الجمة التي واجهتها، لا سيما أنه كان مع الاحتلال وجهًا لوجه مباشرةً.

صدام مباشر مع الاحتلال

 وأضاف: جاك خزمو كان على صدام مباشر مع الاحتلال، وللأسف عندما اشتد المرض عليه أرسل لي الجواب برسالة في 17/6/2017، إذ يقول تعدد الصعوبات التي واجهت البيادر عبر سنواتها الطويلة، وكانت أشدها شراسة هي الضغوطات الاحتلالية، ومن أهم العوامل التي ساعدت في التغلب على هذه الصعوبات وساهمت في صمود البيادر هي ثقة الجماهير الفلسطينية، فعلى كل إعلامي أن يعي هذا القول، وأضاف أن هذه الثقة نابعة من عدة أسباب ودوافع، من بينها مصداقية البيادر وشفافيتها في التعامل مع الأحداث،  وعدم محاولة المبالغة أو التقليل من أي حدث مهم، وكذلك مهنيتها في تغطية الحدث وجرأتها في طرح المواضيع الاجتماعية والسياسية الحساسة من دون أي خوف أو تردد، والانتماء للوطن أولًا آخرًا وليس الانتماء لفصيل دون الآخر، حتى أنها كانت في أصعب الأوقات التي مرت على منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها القسري من بيروت تحاول جمع الشمل ووضع حد للصدام في طرابلس، ونشرت بدون أي خوف أو تردد مواضيعًا مؤيدة ومعارضة للمنظمة للتأكيد على أنها منحازة للوطن.

ثقة الجماهير بالبيادر

وأضاف الباحث: تعززت ثقة الجماهير بالبيادر لأنها تبنت مواضيع حيوية من بينها الدفاع عن عروبة القدس والحق الفلسطيني وأسرانا في سجون الاحتلال، وبادرت المجلة إلى القيام بالعديد من الإبداعات الصحفية، وأهمها إجراء استطلاعات للرأي العام الفلسطيني، ولا بد من الاعتراف بأن وقوف القيادة الفلسطينية إلى جانبها ودعمها معنويًا وماديًا في ذلك الوقت ساهمت في تعزيز صمود المجلة أمام العديد مما واجهته البيادر، وخاصة منعها من التوزيع في الضفة لحوالي ثلاث سنوات ونصف، لكنها كانت توزع غير آبهة بهذا القرار، ومنع توزيعها في  قطاع غزة إضافة إلى مقص الرقيب الذي كان يعرقل نشر كل ما نريده، ولكن الإرادة والتحدي لإدارة المجلة وهيئة التحرير كانا عاملين مهمين في الانتصار على هذا المقص الأليم في تلك الأوقات..

ومن جهته ألقى جابربيل عبد الله أحد أصدقاء الراحل، وهو خبير سياحي في القدس قصيدة شعرية أشاد من خلالها بصديقه جاك وعدد مناقبه، وحيا  الشهداء، وتمنى الشفاء للجرحى والإفراج عن جميع الأسرى .

وقدمت مؤسسة تقدير ومؤسسها السيد أحمد عابدين وسامًا تقديريًا للراحل جاك تسلمته أرملته الدكتورة ندى خزمو.

وقدم محبو الفقيد خارج الوطن وفي الشطر الآخر منه، كلمات مسجلة من سوريا والأردن ومصر، وغزة.

 ألقى الدكتور مكرم مخول أكاديمي فلسطيني متخصص بالعلاقات الدولية  كلمة مسجلة استعرض خلالها تجربته مع البيادر والأستاذ جاك، وأشاد بدوره الطويل في خدمة قضيته.

أما الإعلامي السوري طالب قاض أمين فقد تحدث في كلمته حول العلاقة الوطيدة التي تربطه بالأستاذ جاك وكتاباته عن سوريا وعلاقته الكبيرة بالأشقاء السوريين، مؤكدًا أن رحيل الأستاذ جاك كان خسارة للأمة العربية جمعاء.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات من الأردن هو الآخر أدلى بدلوه حول الأستاذ جاك ورغم أنه لم يلتق به إلا أنه أثنى عليه من خلال ما قرأ له ومن كتاباته ومجلته البيادر.

ومن جهته تحدث الكاتب الصحفي المصري عماد عنان عن الأستاذ جاك وبدا متأثرًا على رحيله وأكد أنه مدرسة إعلامية يحتذى بها، وأنه ترك إرثًا وطنيًا يدرس للأجيال.

وتحدث الباحث الدكتور/ رشاد المدني عن تجربته مع الأستاذ جاك وعلاقته به على مدار 15 عامًا حينما عمل في البيادر السياسي في ثمانيات القرن الماضي، وأكد أن جاك خزمو كان مدرسة وطنية كرس كل حياته لخمة وطنه.

أما الصحفي محمد المدهون مراسل البيادر السياسي في قطاع غزة فقد أكد أننا برحيل الأستاذ جاك فقدنا قمرًا منيرًا، غاب عنا بجسده لكنه لم ولن يغيب عن قلوبنا وسنبقى على دربه سائرون.

وكان مسك الختام كلمات كريمات الأستاذ جاك سُمى ولُمى ودالة جاك خزمو اللواتي تحدثن حول علاقتهن بوالدهن، وطيبته وأخلاقه ومحطات من حياته ومواقف كثيرة جمعتهن به.

كلمة ابنة الفقيد سُمى خزمو:

أبي: جاك خزمو الحيّ… الغائب الحاضر

أيها الحضور الكريم تحية عطرة لكم،

أرحب بكم اليوم في حفلنا التكريمي هذا لوالدي العزيز جاك خزمو: الإنسان، الإعلامي والسياسي المخضرم، كلّ واحدٍ منكم بلقبه.. لقد أثلجتم صدورنا بحضوركم.

انتبهوا.. واستعدوا… سأحكي لكم اليوم حكاية، حكاية بدأت في ٢٤ من حزيران عام ١٩٥١. يوم مقتل الملك عبدالله الأول والد الملك المرحوم الحسين بن طلال. كانت القدس في حالة بلبلة بسبب هذا الحدث. إلا أنه في خضم ذلك كانت امرأة تدعى فرحة خزمو تعاني من آلام المخاض. لم تكن النساء حينها يلدن بالمستشفيات. وبسبب الأحداث وقتها استصعب زوجها  يوسف خزمو إحضار القابلة، إلى أن وجد واحدة.  وأخيرًا، قبلت أن تأتي معه، لتساعد زوجته في الولادة. لأن الوضع في الشوارع كان خطيرًا حينها..

  في خضمّ ذلك… ولد طفل صغير اسماه والداه “جاك” ، أي يعقوب. ولم يعلم والداه حينها أنه سيكبر ليغدو علّامة في الفكر، وواحدًا من كبار الشخصيات المقدسية، الفلسطينية والعربية.. إنه جاك خزمو: الإنسان والزوج والأب… مؤسس مؤسسة البيادر للنشر، ومؤسس ورئيس تحرير مجلتي البيادر الأدبي البيادر السياسي ومجلة الحكمة التي كانت تعنى بالتراث السرياني …

إنه الإعلامي والسياسي المخضرم؛ الذي ترك علامة فارقة في الإعلام والصحافة الفلسطينية والعربية والعالمية، ووحد الفصائل الفلسطينية على حبه وتقديره.. إنه المناضل بقلمه ورأيه وكلمته… الذي اجتمع مع معظم القيادات الفلسطينية والإقليمية والدولة.. وكان له تأثير في السياستين الداخلية والخارجية.. إنه العضو البارز في العديد من الجمعيات الخيرية والاجتماعية، مثل: اتحاد الجمعيات الفلسطينية، وغيرها…

إنه صاحب الابتسامة الرائعة، والكلام الموزون البليغ… حبيب الجماهير، الصديق الصدوق الوفي، الإنسان الحنون الطيب… الذي أحبه كل من تعرف عليه.

في الذكرى السنوية لانتقالك من بيننا نقول لك……

وداعًا جاك خزمو، وداعًا أبي الحبيب،. وداعًا يا أعظم رجل في العالم، في الماضي والحاضر والمستقبل. وداعًا. للإنسان كامل الأوصاف بنظري، الذي لن يتكرر. الحنون، المحب، الشجاع، الرقيق. أرى العديد من الرجال ، لكن هم ليسوا أنت، ليسوا بطيبتك أو بحنانك، أو بحنكتك وذكائك. نعم أنا مبهورة بك، فأنت شخص مميز لن يتكرر مرتين. يا من عاملتنا بحب كبير وباحترام كبير، مثل الجواهر الثمينة. كنت تقول انتن بناتي الغاليات ولا أستطيع أن أرى أية دمعة في أعينكن. فعندما تبكين قلبي يدمي. لا تحزنّ أبدًا، كنّ دوما سعيدات. هذا هو جاك خزمو الأب العظيم.

أو تعلمون من هو جاك خزمو؟ انه الأب الحنون الطيب، الذي كان يستيقظ عند الفجر ليذهب إلى جارنا الخباز بشارع الرشيد ليبتاع لنا الخبز الطازج كل صباح كي لا نأكل الخبز البائت الناشف. أو تعلمون من هو أبي؟ انه الحنون الذي كان يغطيني قبل النوم ويسرد لي الحكايات،  من كليلة ودِمنة، أو غيرها من قصص الأطفال ذات العبر، مثل قصة الغراب والثعلب وقطعة الجبن. أو حكايات عن حياته الغنية بأحداثها الرائعة في البلدة القديمة مع عائلته وجيرانه، وفي مدرسته مع معلميه وزملائه، وفي بيرزيت وبيروت أيام دراسته الجامعية بكلية بيرزيت والجامعة الأمريكية، وأحداث حياته في البلدة القديمة بالقدس قبل وأثناء حرب ٦٧ وبعدها. لنستشف مسيرة كفاحه من صبي من عائلة مستورة، يساعد والده البليط في رص البلاط، ويرافق أمه إلى السوق ليساعدها في شراء الخضار والفواكه، أو يستيقظ منذ الفجر ليحمل الماء في أوان معدنية  إلى بيته  في الحوش لأمه كي تسقيهم وتطبخ لهم طعام اليوم. أو يحمل صواني الطعام إلى المخبز القريب من بيته لكي يخبزها الخباز في فرنه. فلم يكن عندهم أفران في البيوت قديما. تحدث لنا عن أساتذته مثل العلامة في اللغة العربية عيسى بلاطة وإبراهيم نافع، وغيرهما لعلنا نستقي العبر والدروس، فكان كلامه رائعا، وكانت الأحداث تجذبنا لنعرف المزيد عن حياة هذا الإنسان الرائع. فمسيرة حياته تروي لنا قصة فلسطين والفلسطينيين وتحكي لنا مظاهر الثقافة الفلسطينية وأسلوب حياة الشعب الفلسطيني قديما. انه موسوعة انثروبولوجية.

انه أبي الذي كنت استيقظ كل يوم على صوته الحنون يحضر لي كأس الحليب الفاتر، ويقول لي:” استيقظي يا حبيبتي لقد قليت لك العجّة التي تحبينها !” لقد كان يعلم إنني سأنهض راكضة وسعيدة بمجرد أن يقول ذلك. قد تقولون ما فرط الدلال هذا؟ اقول لكم، إنه هذا الدلال الذي ترك ذكريات جميلة في العقل والقلب، فهذا هو  الأب الذي عاملني كالجوهرة الثمينة وكالأميرة الغالية، وأعطاني فائض الحب والعطف، كي استطيع أن أعطي بدوري الحب والعطف والحنان للآخرين. لقد علمني كيف أحب الناس، لأنه حكيم ويعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأبي استثمر في وأعطاني كل الحب والاحترام أنا وأختي، فنحن فلذات كبده. وهدية من الله له، أولست من سماني “سُمى”، ومعناها الهدية السماوية والعلو والسمو؟ فليشهد الله انك كنت نعم الأب؛ لم تصرخ في وجهنا يومًا، بل عاملتنا بكل احترام، فكنا لحبنا لك نصارحك بكل شيء. ولعطفك علينا حاولنا أن نجتهد وان نحاول ألا نخذلك أبدًا، وأن لا نخذل حبك لنا.

أو تعلمون أيضًا، شيء مهم، جاك خزمو بكل معارفه وصلاته محليًا ودوليًا، لم يتوسط لي عند أي شخص يومًا، لا في دراستي الجامعية، مع أن أساتذتي كانوا كلهم زملاؤه أمثال: المرحوم رضوان أبو عياش وغيرهم – ولا في العمل. فكنت أتفوق بمجهودي الفردي بالجامعة، حيث اذكر ان أساتذتي بالجامعة كانوا يقولون لي :”لقد اثبتِ فعلا  يا سُمى أن فرخ البط عوّام” . لقد فعل أبي ذلك ليعلمني ألا أعيش بجلبابه وان اصنع نجاحي بنفسي. فالنجاح بالواسطة ليس نجاحا، بل بالعمل الدؤوب. نعم لقد كان يسعى دوما لمساعدة المظلومين والمهمشين، لكن أبى أن يرتبط بأية واسطة لشخصه أو لأقاربه.

أبي، إني احزن لفراقك، ليس لأني ابنتك فقط، بل أحزن أكثر لأنك كنت في قمة عطائك، كان في جعبتك الكثير أكثر لتقدمه للعالم، فعقلك راجح وكبير، وتحليلاتك صائبة، وتنبؤاتك لمستقبلنا السياسي والاجتماعي فائقة الدقة. أتصفح ما كتبت قبل سنوات، لأتفاجأ بأنك تنبأت بالعديد من الأحداث السياسية الحالية: فلسطينياً، وإقليميا ودَولياً. يا من كنت ألجأ إليه ليشرح ويحلل لي ما يحدث في النظام الدولي، أين أنت وتحليلاتك العلمية؟ فنحن بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت الراهن.

وعلى الرغم من حزننا لفراقك، يا من ستبقى في القلوب والعقول، بإرثك الشفوي والمسموع والمكتوب. لا تقلق فنحن بخير وسنعيش ونجتهد، ونتفوق، ونسعد ونعيش حياتنا على أكمل وجه كما علمتنا. نعم حزنا عليك، لكن سنستمر، وتستمر مسيرة عطائك بنا. لقد علمتنا أن الحزن الزائد والغصّة في القلب تدمر الإنسان جسدياً وصحياً وعقلياً ونفسياً. وان أكرامك يتم بأن نكون سعداء، فسعادتك كانت وستبقى أن ترانا سعداء. اذهب يا حزن ولتقتربي يا سعادة، ولتهللي أيتها الأرض وأيتها السماء بجاك خزمو الحيّ دوماً، فهو باقٍ وسيحيى إلى الأبد.

كلمة ابنة الفقيد لمى خزمو:

الحضور الكرام كل باسمه ولقبه ومكانته الاعتبارية

منذ أن أصبحت شخصًا مدركًا وواعيًا في هذه الحياة، وأنا أُعرف عن نفسي باسم (لمى جاك خزمو) اسمي الذي افتخر به دائمًا.. هذا الاسم الذي شاء الله أن يربطه بأكثر الأشخاص حنانًا وحبًا على هذه الأرض.. نعم فأنا أحمل اسم أفضل الرجال، أحمل اسم صاحب كلمة الحق، وصاحب المواقف الوطنية المعروفة التي تشهد لها مسيرته النضالية.

من أروع اللحظات التي عشتها بحياتي عندما كنت أخرج بصحبة حبيبي وصديقي جاك إلى شوارع القدس كشارع صلاح الدين وشارع الزهراء لنقوم معًا بجولات لشراء بعض حاجيات البيت.

وأثناء سيرنا يستوقفنا كل بضع خطوات أشخاص لا أعرفهم لكنهم يأتون من بعيد بكلمات ترحيبية وعبارات اشتياق ووجوه مبتسمة ليسلموا على أبي وهم يقولون:(أستاذ جاك.. كيف أنت؟.. زمان ما شفناك) وهنا تدور حوارات كثيرة منها سياسية واجتماعية يطلبون فيها رأيه وتحليلاته عن القدس وأوضاعها.. وفي منتصف اللقاء يقول والدي: لم أعرفكم بابنتي لمى.. ففي هذه اللحظات يا سادة أشعر بالفخر لأن الله قد وهبني أبًا ربما لا تملكه فتيات كثيرات…أبًا تجتمع فيه كل صفات الرجولة والطيبة. والحنان والعطاء والمثالية. أبًا تتمنى أية ابنة أن يكون جاك خزمو والدها.

من أكثر المواقف التي أعيشها حتى يومنا هذا عندما أكون في أي مكان وبين أشخاص لا أعرفهم ويعلمون أني من عائلة خزمو.. فأول سؤال يواجهني ويُطرح عليّ (ماذا يقربك جاك خزمو؟) وبعد أن أخبرهم بكل فخر أنه والدي أرى في أعينهم حبهم وتقديرهم واحترامهم له، واسمع منهم قصصًا جميلة ومؤثرة قد جمعتهم بأبي يومًا ما، أو مواقف حلوة عاشوها معه في مراحل حياته المختلفة.

فذاك يقول لقد كنا جيرانًا منذ زمن بعيد في حارة اليهود نلعب معًا في حوش البيت. وآخر يقول: لقد تعلمنا معًا في الجامعة الأمريكية في بيروت. وآخر يقول: (جاك صاحب كلمة الحق ورئيس تحرير مجلة البيادر السياسي.) وفلان يقول من أفضل رؤوساء جمعية مار مرقص السريانية، والكثير الكثير من مؤسسات وجمعيات الوطن الكبير والقدس بشكل خاص وقصص ومواقف لا تنتهي كما هي ذكراه لن تمحى من حياتي أنا وعائلتي وكذلك من ذاكرة الوطن.

ولكن ما يهمني أنا أني سأظل طفلته وحبيبته وصديقته التي كان يشاركها اسمه وحياته وتاريخه وقصصه وآلامه وهمومه في جميع مراحل حياته وحتى عند اشتداد آلامه ومعاناته في آخر أيام حياته.. غمرنا بعطفه وحنانه ورعايته وحبه  لي ولزوجي وطفلاتي حتى آخر رمق من حياته.

حبيبي جاك شكرًا لكونك كل حياتي. 

كلمة ابنة الفقيد دالة خزمو

الحضور الكرام كل باسمه ولقبه ومكانته الاعتبارية

الجميع يعرف من هو جاك خزمو، الرجل السياسي والصحفي والمناضل، لكن اسمحوا لي اليوم أن أخبركم عن جاك خزمو الإنسان والأب .

أبي هو مثال كبير للتضحية، تعلمت منه أن أعطي دون أن آخذ، فأبي بالرغم من آلامه وأوجاعه أخفى عني حقيقة إصابته بالمرض اللعين كوني كنت أجهز لحفل زفافي، فهو لم يكن يريد أن ينتزع مني فرحة عمري، حتى أنه أجل علاجه لبعد انتهاء الزفاف.. أستطيع أن أقول لكم أنه نجح في ذلك.

كنت أتعجب ما هذه القوة التي كان يمتلكها والتي مكنته من أن يخفي أوجاعًا مؤلمة وقاتلة كهذه ونحن نعيش في منزل واحد، فأيقنت بعدها أن هناك ملاكًا كان يعيش بيننا .

طوال حياتي كنت أحلم أن أكون مشهورة ومحبوبة، وكأنه كان يعرف طموحاتي حتى قبل ولادتي فأسماني دالة مما يدل على الشهرة .

لا بل حقق لي حلمي، فكلما تعرفت على أناس جدد كان أول تساؤل لهم: هل أباكٍ جاك؟ نعم وبكل فخر هو أبي فتنهال علي تعليقاتهم المليئة بالحب والتقدير لأبي، نعم أبي أنا مشهورة ومهمة لأنني قطعة منك.

في طفولتي كنت أرى أناسًا يدخلون ويخرجون من مكتبه يدعون له بالصحة والسعادة ، لم أكن أفهم لماذا، لكن عندما بدأت أكبر أيقنت انه لم يأتِ إليه أحد إلا وخرج مرضيًا، فأبي كان رمزًا للعطاء ولكن بصمت.

كنت أرى صديقاتي وزميلاتي في المدرسة  والجامعة  يخفن من آبائهن فأتعجب ، فأنا لم اخف منه يومًا، بل هو كان ملجئي وأماني في أوقاتي الصعبة، حتى أن صديقاتي بدأن يغرن مني، نعم معهن كل الحق فأبي جاك ليس مثل أي أب آخر.

 أبي هو سندي ظهري صديقي، أبي هو من علمني حب الآخرين والشعور بآلامهم قبل فرحهم وهذا ما دفعني لدراسة الخدمة الاجتماعية والعمل بها .

أبي شكرًا لأنك علمتني كل شيء وأهم شيء أن أكون إنسانة.

شكرًا أبي لأنك حضنتني الحضن الأخير قبل موتك.. شكرًا لأنك حتى وأنت تمت خففت عني ألام فقدانك، وكأنك كنت تعرف أن بعدها بدقائق سيكون هذا الحضن هو الأخير.

رحمك الله يا والدي الحبيب.

هذا وتخلل الندوة عرض شريط مصور يجسد مراحل حياة الأستاذ جاك خزمو، منذ نشأته حتى وفاته، كما تم عرض آخر مقابلة تلفزيونية أجرته معه قناة الغد الفضائية قبل أشهر من وفاته، والتي تحدث خلالها عن البيادر السياسي ودورها الوطني الكبير وكيف استطاع النهوض بهذا الصرح الإعلامي والوطني وتحدي الاحتلال والرقابة العسكرية الإسرائيلية وما تعرض له من تحديات وعقبات خلال مسيرة حياته.

لمشاهدة الندوة كاملة يرجى الضغط على الرابط التالي

https://www.facebook.com/305514992830358/videos/382093839876067

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com