الدبلوماسية الشابة و تحديث الأدوات/منتصر جرّار 

fعزم الشباب تبنى الأوطان وتخلد الأمم، بهذه الحكمة أود أن أبدأ هذا المقال، بعد ما رأيناه من الشباب الفلسطيني من بسالة وشجاعة وصمود وتحدٍّ لآلة البطش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أيار الفائت، سواء كان ذلك في الضفة الغربية، وعلى رأسها القدس، وقطاع غزة، أو في الداخل الفلسطيني المحتل، وذلك دفاعاً عن المدينة المقدسة، وتصدياً لسياسة التهجير القسري المستمر للفلسطينيين، التي كان آخرها في حي الشيخ جراح وسلوان. ولحق هذا التصعيد عدوان إسرائيلي مقصود على قطاع غزة في محاولة للتخفيف من وطأة المواجهة في الضفة والداخل، ونقل الأنظار إلى غزة، ما خلف أكثر من 230 شهيداً، ودماراً هائلاً في القطاع.

لقد أعادت هذه الهبة الشعبية الموحدة مفاهيم جديدة في العمل الوطني الفلسطيني، أهمها المقاومة الشعبية الممتدة والإضرابات الموحدة في كل الأراضي الفلسطينية، إضافة لحراك دبلوماسي أممي، وإدانات دولية لعنجهية الاحتلال، وبروز تطور مهم في الدبلوماسية الشعبية الفلسطينية، وذلك من خلال المسيرات الحاشدة ووقفات التضامن الداعمة لقضيتنا العادلة، التي غابت منذ زمن طويل

وبشكل عام، لا يمكن الفصل  بين حجم الدعم والتضامن الشعبي في بعض الدول والحراك والنشاط الدبلوماسي الفلسطيني الرسمي فيها، وهنا، وبعد مراقبة حجم المسيرات في بعض الدول، وخمود وتراجع التضامن في الدول الأخرى، فإننا مطالبون بإعادة تقييم أداء بعض السفارات والسفراء والوقوف عند بعض الإخفاقات وتعميم قصص النجاح والوقوف أيضاً على أسبابها، وربما كان لافتاً وجود بعض الحراكات الإيجابية اللافتة للأنظار، سواء كان في المملكة المتحدة أو جنوب أفريقيا وغيرها من الدول، كما كان هناك تغيير سلبي لافت أيضاً في المواقف السياسية لبعض الدول الأخرى، وإن كانت قليلة العدد، مثل إيطاليا وأستراليا، وهنا، علينا أن نطرح سؤالاً مفاده: ما هي الأسباب التي قادت إلى هذه التغيرات؟ وكيف يمكن التعامل معها؟

إن وضع استراتيجية وطنية جديدة للسياسة الخارجية الفلسطينية يجب أن يكون من الأولويات الوطنية المستعجلة، بحيث تكون مبنية على التمايز والابتكار والتحديث، عمادها أجيال شابة مثقفة وطنياً ومؤهلة علمياً وعملياً على قدر كافٍ لتحمل المسؤولية الوطنية والمهنية قادرة على العطاء ومدركة لدورها تجاه الوطن والقضية، تسعى لمصلحة الوطن وليس لمصالحها الشخصية. وتأتي هذه المقاربة من خلال إقامة معاهد دبلوماسية حكومية وأهلية مهمتها تدريب وتأهيل الكوادر الدبلوماسية من أصحاب الاختصاص وأصحاب القدرات والطلبة الخريجين في التخصصات ذات العلاقة، من خلال تأهيلهم لغوياً وسياسياً وإعلامياً، بحيث يكونون قادرين على تمثيل فلسطين على أكمل وجه.

ومن أهم الخطوات نحو تأهيل الشباب هو البدء بتأسيس منصات حوارية مختلفة التخصصات تجمع بين القيادات السياسية والدبلوماسية العريقة وأساتذة الدبلوماسية في الجامعات المحلية والدولية مع الكادر الشبابي الدبلوماسي وطلبة العلاقات الدولية والعلوم السياسية والدبلوماسية والتخصصات ذات العلاقة، وكل هذا من أجل نقل المعرفة والخبرة والارتقاء بالعمل الدبلوماسي والتمايز في الأداء، ما يساهم في تأثير السياسة الخارجية وإحداث نتائج سياسية لصالح قضيتنا عالمياً.

إن تجربتنا خلال هذه الهبة أظهرت مواطن قوة الدبلوماسية الفلسطينية في بعض الدول وضعفها في دول أخرى، وأصبح واضحاً أن هناك تغيراً على شكل وأدوات الدبلوماسية التقليدية، يجب على الدبلوماسية الفلسطينية أن تلتفت لها، وإلا فإن ضعف الأداء سينعكس بشكل سلبي على مستقبل قضيتنا وشعبنا، ولعل التحولات الرقمية وحجم التطور التقني والإعلامي وانفتاح العالم على بعضه هو سبب مقنع لتصويب أوضاعنا في تعزيز الكفاءات الشبابية والأكاديمية المتخصصة في السفارات والسلك الدبلوماسي الفلسطيني وإشراكه بشكل قوي في وضع الأجندات الوطنية للسياسة الخارجية على وجه الخصوص.

إن أهم الاستنتاجات من هذه الهبة أن علينا إعادة النظر بمنهجية وأدوات الدبلوماسية الفلسطينية بشكل عام، وأن وجود الشباب من الممكن أن يصنع الكثير إذا ما تم ترتيب أموره وإشراكه في صنع القرار ووضعه في المكان المناسب، وأن على القيادة الفلسطينية أن تنظر إلى التغيرات والتطورات التي تحدث في العالم، وأن تبني استراتيجياتها الداخلية والخارجية بناء على هذه التطورات. من هنا، يجب الاستثمار بالمخرجات السياسية، وبناء المنصات الرقمية، والعمل مع الجاليات في الدول، ورفع قدرات الدبلوماسية الرسمية في مجال الدبلوماسية الشعبية ودعم مبادراتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com